رغم مرور ما يقرب من 40 عاما على ثورة الخميني في إيران، إلا أن الصراعات الداخلية لا تزال تعصف بها، في ظل حالة من المنافسة السياسية والأيديولوجية بين الإصلاحيين والمحافظين، مع ترقب انتخاب خليفة لعلي خامنئي وإعلان نتائج انتخابات مجلس الشورى. فالانتخابات الأخيرة خير شاهد على ذلك، إذ تعيش إيران في خضم تغيرات سياسية داخلية كبيرة عقب الاتفاق النووي، ما ساهم في تنامي حالة الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين المتشددين. وأشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن تحالف الإصلاحيين والمعتدلين الداعم للرئيس حسن روحاني، قد حقق فوزا كبيرا في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في مواجهة المحافظين، ما يعزز حالة الترقب والقلق لمن سيخلف المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي. في المقابل، تتزايد التكهنات بأن المرشد الأعلى يمكن أن يتخذ التدابير اللازمة لاختيار خليفة له، ومن بين الخيارات أنه قد يتنحى ويعين خلفا له، وبالتالي يحد من خيارات مجلس الخبراء. ويمكن في هذا الإطار أن يستمر في دعم المتشددين، بما في ذلك قيادة فيلق الحرس الثوري الإيراني، الذي بارك الهجمات ضد رفسنجاني، والتي تصاعدت بعد الانتقادات الأخيرة لتوسيع إيران لبرنامجها الصاروخي. ويعتبر مجلس خبراء القيادة الإيرانية الهيئة الأساسية في النظام الإيراني الذي عهد إليه الدستور مهمة تعيين وعزل قائد الثورة في إيران، ويتألف هذا المجلس من 88 عضوا يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات. ويحظى منصب رئيس مجلس الخبراء بأهمية خاصة، نظرا إلى أن مسؤوليته الرئيسية هي اختيار خليفة خامنئي، في حال وفاته أو عجزه عن الاضطلاع بمهامه. المواطنة السلبية وفي كتاب جديد صدر للكاتبة، لورا سيكور، بعنوان "أطفال الجنة – الكفاح لاستعادة روح إيران"، أشارت الكاتبة إلى أن طهران لديها ثقافة المواطنة السلبية، ما يساهم في تعزيز نزعة الصراعات الداخلية بين الحمائم والصقور في المجتمع الإيراني. ويتسم الصراع بين الديمقراطيين والثيوقراطيين بين النخبة الإسلامية الإيرانية بأنه قديم قدم النظام نفسه، فهو مرتبط بشدة بالنظام السياسي الذي يهيمن عليه رجال الدين منذ نشأته، إذ كان أول زعيم أعلى للبلاد، روح الله الخميني، هو من نفذ مفهوم الوصاية الدينية على الشعب من قبل خبراء في الشريعة الإسلامية. ومنذ تمكنت إدارة الرئيس الحالي حسن روحاني، من التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى الغربية، يحاول المتشددون الذين يسيطرون على مؤسسة الحكم داخل طهران تقليل آثار هذا الاتفاق خوفا من الانفتاح على العالم، وهناك محاولة للحد من نطاق إعادة انخراط إيران في المجتمع الدولي. وترصد الظواهر السياسية الهوة بين المحافظين البراغماتيين (الإصلاحيين) مثل روحاني والمحافظين المتشددين، إذ يدرك الجناح اليميني الإيراني الديني والسياسي أن الاتفاق النووي يمثل تهديداً غير مسبوقا لمصالحه الأيديولوجية والمادية. وبرغم أن أنصار الإصلاح على المدى الطويل يتمتعون بوضع أفضل كثيراً، يحتفظ معارضو الإصلاح بما يكفي من الدعم لإبطاء وتيرة التغيير في ظل دعم المرشد الأعلى علي أكبر خامنئي. ويرى مراقبون أن النظام الإيراني لن تفتت وسيتوصل أصحاب المصلحة في النظام إلى تسوية سياسية، ومع مرور الوقت، ستؤدي عملية التغيير الداخلي إلى نظام إيراني أقل ولعاً بالقتال. وبرغم ذلك، ستواصل إيران تحقيق مصالحها المحلية الخاصة بها، والتي ستتعارض حتما مع المصالح الأميركية والغربية، فضلا عن مصالح القوى الإقليمية مثل تركيا وإسرائيل والسعودية.