ما تشهده ساحل العاج من نزاع داخلي حول السلطة لا يعد استثناء في القارة الإفريقية، إذ الحالة العامة التي تعيشها القارة السمراء في إطار التحولات الديمقراطية قاعدتها الصراع بين الحزب المهيمن أو المسيطر على السلطة والمعارضة في فترة الانتخابات المحلية والبرلمانية، كما تميزها حالة الصراع الدائم بين الرئيس المنتهية عهدته ومنافسيه، ويكفي أن نعيد النظر فقط في سنة 2010 لنعرف أن هذه الحالة العامة هي التي تنطبق على ساحل العاج· ففي بوروندي تم انتخاب الرئيس بيار نكرونزيزا بما يقارب 92 بالمائة من الأصوات في انتخابات كان مرشحها الوحيد، وفي رواندا تم إعادة انتخاب بول كاغامي بنسبة 93 بالمائة ليبقى في السلطة مدة سبعة سنوات أخرى بعدما تمسك بكرسي السلطة عشر سنوات من قبل، وفي تنزانيا تحصل جاكايا كيكويت على نسبة تجاوزت 60 بالمائة، وفي بوركينافاسو تحصل الرئيس بلاس كومباوري على 80 بالمائة من الأصوات، والأمر ذاته في الطوغو حيث تحصل الرئيس فور غناسينمي على أكثر من 60 بالمائة من الأصوات، وفي السودان تحصل عمر البشير على ما يقارب 70 بالمائة من الأصوات، أما حالة الانتخابات التشريعية فهي انعكاس أمين لسيطرة الرئيس المهيمن على كرسي الرئاسة، فحزب الرئيس أو الحزب الحاكم بقي مهيمنا ومسيطرا على البرلمان لتأمين سدة حكم الزعيم، حيث تحصل الحزب الحاكم منذ بداية التسعينيات في إثيوبيا على الأغلبية رغم احتجاجات المعارضة بالتزوير الشامل لإرادة الناخبين، وآخر العمليات الانتخابية التي تكرس الاتجاه العام للصراع الداخلي حول السلطة في إفريقيا ما جرى في الانتخابات البرلمانية في مصر حيث فاز الحزب الوطني الديمقراطي بأغلبية كاسحة رغم تنديدات المعارضة بالتزوير العام، والانتخابات ذاتها في مصر هي تحضير للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستؤمن لمبارك أو لابنه جمال الاستمرار في السلطة بعدما تم تعديل الدستور بما يخدم الخلد في كرسي الرئاسة·إذن فساحل العاج هي تعبير عن حالة عامة تعرفها القارة الإفريقية منذ أن دخلت في موجة الديمقراطية الرابعة التي أتت بها رياح عولمة النموذج الديمقراطي الليبرالي كما بشر به فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والرجل الأخير، فساحل العاج ظلت أكثر من ثلاثين سنة بعد استقلالها توصف بواحة الاستقرار والبلد المعجزة في غرب إفريقيا، حكمها الرئيس الزعيم فليكس هوفويه بوانيه من الاستقلال سنة 1960 إلى غاية وفاته سنة ,1993 استطاع بفضل شخصيته الكاريزماتية أن يجمع الشعب الإيفواري ويوحد بين قومياته وأعراقه وقد سهل له ذلك الاستقرار الاقتصادي حيث وصلت نسبة النمو في العشريات الأولى للاستقلال الرقمين، وزادت مداخيلها باعتبار الكوت ديفوار أول مصدر للكاكاو في العالم بنسبة تتجاوز 40 بالمائة وظلت إلى وقت قريب المنتج العالمي الثالث للبن، وقد أدت هذه البحبوحة المالية إلى بناء استقرار اجتماعي واقتصادي جعلت الكثير من المراقبين للوضع في غرب إفريقيا يصفونها بالبلد المعجزة الذي جلب المهاجرين من كل الدول المجاورة، ما يقارب المليونين من بوركينا فاسو وعدد كبير من مالي وغينيا وليبريا ونيجيريا وحتى من لبنان وسوريا، وهو ما جعل المهاجرين يشكلون ربع السكان العاجيين لما تحويه البلد من فرص عمل في التجارة والصناعة والزراعة، وقد تزامن وفاة الرئيس الزعيم مع أزمات اقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار البن والكاكاو في السوق العالمية، فلم تعد كوت ديفوار المنتج الوحيد للبن في العالم فقد تراجع وضعها إلى الرتبة السابعة· كما أدى انخفاض عملة الفرنك الفرنسي للمنطقة الإفريقية إلى أزمة مالية حادة انعكست سلبا على الوضع الاجتماعي في ساحل العاج ليصل عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 40 بالمائة مع مؤشر آخر سيزيد صعوبة في الوضع الاجتماعي يتمثل في التزايد السكاني لفئة الشباب، مما يؤدي إلى مأزق تأمين فرص العمل أكثر في بلد بدأت موجة العداء للأجانب تأخذ منحناها التصاعدي بسبب الأزمة الاقتصادية، وهي الورقة التي يلعب بها الرئيس المنتهية عهدته، لوران غباغبو، وسبق للرئيس السابق هنري كونان بيديي أن استخدم الورقة الإيفوارية لإبعاد منافسه العنيد الحسن وتارة في رئاسيات ,1995 بحجة أن والد وتارة من أصول بوركينابية، وتم تقنين الهوية الإيفوارية الخالصة في الدستور الإيفواري مما جعل ربع سكان ساحل العاج يشعرون بحالة اللااستقرار والتذمر من صعود العنصرية· وفي ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية حاولت كوت ديفوار أن تبني أسس الديمقراطية للانتقال من مرحلة الزعيم الكاريزماتي إلى تعددية سياسية يكون فيها التداول على السلطة بطريقة سلمية هي القاعدة للرسوخ الديمقراطي حتى تبقى ساحل العاج واحة الاستقرار والقلعة المعجزة، وهذا ما لم يحصل منذ غياب الرئيس الشيخ كما يحلو للعاجيين تسمية بوانيه، ففي أول انتخابات رئاسية في منتصف التسعينيات تحصل كونان بيديه على 95 بالمائة من الأصوات مع مقاطعة المعارضة، ولم يستمر في السلطة إلا أربع سنوات لينقلب عليه الجنرال روبرت غيي، ومع بداية الألفية الجديدة استغل لوران غباغبو هذه الوضعية الأزموية للسلطة ليحصل على الرئاسة ولكن بإبعاد منافسيه الحسن وتارة و كونان بيديه، ولم تمر سنتين على رئاسته حتى شهدت ساحل العاج حربا أهلية بتمرد عسكريين في الشمال بعضهم مقربون من الجنرال روبرت غيي ليتم تقسيم البلاد عسكريا وأمنيا إلى شمال تحكمه قوات التمرد التي تطلق على نفسها القوات الجديدة وفي الجنوب الجيش النظامي الذي يدعم الرئيس غباغبو، وكانت المأساة السياسية باغتيال الجنرال روبرت غيي وزوجته ووزير الداخلية إميل بوكا الشخصية الثانية في الحزب الذي يترأسه غباغبو· ونفس الفريق الذي اغتالهم حاول اغتيال الحسن وتارة لكنه لجأ إلى السفارة الفرنسية للحصانة، وبقيت ساحل العاج طيلة حكم غباغبو على هذه الحالة تقسيم للبلد وغياب السيطرة الكاملة للجيش على الأمن، مما اضطرت ظروف الحرب الأهلية لدخول قوات الأممالمتحدة بتعداد يصل إلى 10 آلاف قبعة زرقاء تضاف إلى 900 عسكري فرنسي لتأمين المدنيين والأجانب من حرب قد تعود مجددا بين الفيلين الإيفواريين، غباغبو الذي يصر على البقاء في السلطة رغم إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات بخسارته، والحسن وتارة الذي يصر على شرعيته في تقلد الحكم باعتراف المجتمع الدولي بفوزه، وأضحى لكل فيل حكومته ولكن الأخطر من ذلك أن لكل فيل قواته العسكرية فالوزير الأول غيوم سورو الذي يدعم وتارة يملك قوات الجيش الجديد المسيطرة على الشمال ويلوح بتحريك الشارع للإطاحة بالدكتاتور غباغبو، وفي الوقت ذاته يعين غباغبو شارل بلي غودي وزيرا للشباب وهو يتحكم في تنظيم الشباب المقاوم، يضاف إليه أن القائد العام للجيش النظامي يدعم الرئيس غباغبو، فالسيناريو الكارثي في سحال العاج يبنى على صراع الفيلة المسلحة التي قد لا تبقي على الحشيش أو النبات حيا يرزق، لأن المثل العام يقول إذا تقاتلت الفيلة فإن الحشيش سيموت حتما، وللأسف هذا هو الاتجاه العام للتحول الديمقراطي في إفريقيا·