"وسيط فرنسي" في صفقة بقيمة 8 ملايين أورو ولمدة 3 أشهر فقط؟! أعادت شركة الخطوط الجوية الجزائرية نفس الإشكال الذي كان وراء حادثة هلاك 116 مسافر، سنة 2014، بكراء طائرة بطيارين انقطعوا عن التحليق لمدة 4 أشهر، حيث أن الشركة التي وقعت معها لم تحترم الالتزامات المتعلقة بالتكوين التكميلي للطيارين، بالإضافة إلى مخالفة "الجوية الجزائرية" لتعليمات الحكومة بمنع كراء طائرة لنقل الحجاج يفوق عمر تحليقها منذ أول استخدام ل 10 سنوات، وذهبت "الجوية" لحد اقتناء طائرة عمرها 18 سنة- حسب وثائق الصفقة التي تحوز "البلاد" على نسخ منها- مع وجود "وسيط فرنسي" في صفقة بين الشركتين الجزائرية والاسبانية، فهل تعلم الحكومة بهذه الصفقة؟ وهل وافقت وزارة النقل ومديرية الطيران المدني عليها؟ في عز التقشف.. كلفة الصفقة 8 ملايين و100 ألف أورو في وقت تحرص الحكومة الجزائرية على تحسين نوعية الخدمات من الناحية الاقتصادية والأمنية لفائدة المواطنين وبأسعار ملائمة، في ظل أزمة التقشف التي تمر بها الجزائر نتيجة تراجع أسعار النفط وتهاوي قيمة الدينار، لجأت شركة الخطوط الجوية الجزائرية إلى إبرام صفقة لكراء طائرة من نوع ايرباص (330-200) لدعم الأسطول الجوي للخطوط الجوية الجزائرية خلال موسم الحج، على مدار ثلاثة أشهر، لضمان النقل ذهابا وإيابا، لعدد من الحجاج، كلفتها 8 ملايين و100 ألف أورو، وعن طريق وسيط فرنسي، مما يجعل سمعة الشركة على المحك، التي كان بإمكانها أن ترفع سقف التفاوض مع شركات طيران محترمة قد تقدم لها عروضا بأسعار أقل من المبلغ المتفق عليه، حيث يوضح عقد الصفقة أن مدة الكراء تدوم 3 أشهر مع تحليق لا يتجاوز 800 ساعة، (المادة 09) من العقد. كما أن تكلفة الساعة الواحدة 10 آلاف دولار دون حساب الوقود (الكيروزان) وغيرها من تكاليف الإقامة بفندق 5 نجوم لطاقم الطائرة خارج العاصمة الجزائرية، حسب نص العقد. وبعملية حسابية لهامش الربح الذي ستجنيه الشركة الحكومية، نجد أن رحلة نحو جدة (المملكة العربية السعودية) ذهابا ورجوعا (حوالي 4 ساعات ذهاب و5 ساعات إياب) في المجموع 9 ساعات تكلف أكثر من مليار سنتيم. وفي السياق، يؤكد مصدر عليم بشؤون الطيران ل "البلاد" أن الساعة الواحدة تحتسب ب 120 مليون سنتيم بحسب الاتفاق المبرم، ما يعني أن 9 ساعات سينتج عنها 1080 مليون سنتيم (1.08 مليار سنتيم)، أي أكثر من مليار سنتيم خارج حسابات الوقود وإقامة الطاقم بفندق 5 نجوم في جدة والمدينة. وبالمقابل يدفع الحاج الجزائري ما قيمته 10 ملايين سنتيم كتسعيرة تذكرة التنقل إلى الحج. في حين الطائرة تقوم برحلة ذهاب وإياب لنقل الحجاج نحو البقاع المقدسة ورحلة ذهاب وإياب، لضمان عودة الحجاج باتجاه بلدهم الجزائر، معناه مليار سنتيم ذهاب ومليار سنتيم إياب، بحساب التكلفة. وقيام الطائرة برحلتين يجعل التسعيرة تنقسم على قسمين 5 ملايين لكل رحلة، وتحصل الشركة عن مجموع التذاكر ما قيمته 3580 مليون سنتيم (3.5 مليار سنتيم)، بتحصيل 10 ملايين عن كل راكب وبمجموع 358 مسافرا على متن الطائرة. إذن ستكون التحصيلات المالية عن الركاب 3.5 مليار سنتيم، في حين تكلفة كراء الطائرة لوحدها 2 مليار سنتيم، خراج باقي التكاليف والوقود، والإقامة وحقوق النزول بالمطار والركن وجميع الضرائب الأخرى. وأفاد المصدر السابق أن حساب تكلفة الوقود يكون بحساب 12 مرة وزن 50 طنا لينتج عنه 600 هيكتولتر والمجموع على ما قيمته 50 دولار، أي ما يحصل 30 ألف دولار وهذا العدد يتم حسابه على قيمة الصرف المتعامل بها حاليا (12 مرة)، للحصول على 360 مليون سنتيم كتكلفة وقود، وتبقى قرابة مليار و200 مليون سنتيم تدخل فيها الأرباح والضرائب ومصاريف الركن والنزول بالمطار والإقامة بفندق 05 نجوم. سبق للجوية استئجار طائرة أكبر وبحجم ساعي أطول بالتكلفة نفسها وبحساب بسيط نجد أن كراء طائرة تسع ل 358 راكبا عالية التكلفة بدفع 8 ملايين و100 أورو لمدة ثلاثة أشهر فقط، مقارنة بعملية كراء قامت بها الشركة، سنة 2004، لطائرة من نوع بوينغ (747-300)، تسع ل 490 راكبا، ولمدة 6 أشهر وبكلفة مالية قدرها 8 ملايين دولار. وتنص المادة الأولى من العقد على: تحدد ساعة الطيران ب 800 ساعة، فيما ضبطت المادة الثالثة الجدول الزمني لتواريخ الرحلات التي تكون ضمن الفترة الممتدة ما بين 18 جوان 2017 إلى غاية 15 أكتوبر 2017. أين ذهبت اتفاقيات بودربالة؟! المثير للانتباه هو أن "الجوية الجزائرية" أنزلت مستوى العلاقات التجارية بالتعامل مع "وسيط فرنسي" من أجل كراء طائرة، بدل التوجه مباشرة لصاحب الطائرة أو التفاوض مع كبرى شركات الطيران على غرار "لوفتانزا" الألمانية وكذا شركتي الخطوط التركية أو الخطوط الفرنسية.. أو غيرها لكراء طائرة. وهنا تطرح تساؤلات بشأن الاتفاقيات التي أبرمها الرئيس المدير العام السابق، عبدو بودربالة، مع شركة الخطوط التونسية لاستكمال برنامج الرحلات، فكان من الأولى دعم الشقيقة تونس بدل التوجه نحو وسيط فرنسي ليعيد الشركة الحكومية مجددا نحو شركة سبق ولها أن تسببت في كارثة جوية أساءت لسمعة الشركة الجوية الحكومية. شبهات عديدة تحوم حول الصفقة وتبقى الظروف التي أبرمت بها الصفقة غامضة، لكون وجود 8 طائرات تابعة للجوية الجزائرية من نوع إيرباص (330-200) بينهم 3 طائرات تم اقتناؤها مؤخرا، بسعة 258 راكبا وأكثر اتساعا بالداخل، غير أنها ليست مستغلة كما يجب وفق إحصائيات شركة ايرباص العالمية، في وقت يكلف ركن الطائرة دفع مبلغ مالي معتبر لإدارة المطار يسمى "رسم الركن".من جهة ثانية، فإن دخول الخطوط الكندية، شهر جوان الداخل، على مستوى خط مونريال، سيخفف الضغط ويقلص عدد رحلات الجوية الجزائرية، مع نفس توقيت بداية نقل الحجاج الجزائريين، مما سيسمح بتمكين نقلهم بدل اللجوء إلى الكراء، حسب العارفين بشؤون حركة طيران النقل الجوي الجزائري في تصريحات ل "البلاد". التحكيم فوق التراب الفرنسي! وحسب المادة 13 البند "س" من العقد، فإن التحكيم يسير وفق القانون الفرنسي، وعلى التراب الفرنسي! مما يجعل سيناريو حادثة بروكسل يتكرر للمرة الثانية والمتعلق بحجز طائرة الخطوط الجوية في بروكسل بعد صراع الجوية الجزائرية مع "كا. آير". ولم تستطع السلطات الجزائرية حينها نقل التحكيم القضائي إلى الجزائر بعدما حدده العقد مسبقا في بروسكل، وهده المرة أيضا تم تحديد التقاضي في فرنسا بدل الجزائر. أما المادة 11 من العقد فتقر الامتيازات الخاصة بالإقامة لطاقم الطائرة، كما تجبر على ضرورة دفع المستحقات المالية في أجل 15 يوما من إرسال فاتورة الكراء. أرواح الحجاج الجزائريين في خطر! وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة وفي حال عدم التمكن من تسديد كامل المستحقات، فإنه حتى وإن تم قبول نقل الحجاج الجزائريين دون تسجيل فوائد لصالح شركة الخطوط الجوية الجزائرية، يبقى الجانب الأمني المتعلق بسلامة وأرواح الحجاج يثير كثير من الاستفهام والتخوفات، في ظل وجود طائرة تخالف المعايير المطلوبة من ناحية سلامة الطيران المدني. لماذا هذه الطائرة التي عمرها 18 سنة؟! وما يثير التساؤلات والغرابة أن العقد موقع بين شركة الخطوط الجوية الجزائرية الممثلة في المديرية التجارية وبين طرفين اثنين، وليس طرف واحد، حيث إن الجوية الجزائرية قبلت بوجود "وسيط فرنسي" بينها وبين الشركة الاسبانية! والأغرب من ذلك هو أن تلك الشركة الاسبانية يوضح جدول بياناتها أن طائرتها دخلت حيز الخدمة سنة 1999، أي أن لديها 18 سنة عمر التحليق، في وقت أقرت الحكومة الجزائرية وألزمت مديرية الطيران المدني التابعة لوزارة النقل عدم قبول أي صفقات كراء لطائرات يزيد عمرها عن 10 سنوات، عقب حادثة تحطم طائرة "سويفت آير" الاسبانية، بوغادوغو، سنة 2014، وهي الرحلة AH5017. وألزمت السلطات الجزائرية ضرورة الالتزام بعدم تجاوز عمر الطائرة 10 سنوات، منذ أول تحليق لها، غير أن هذه المرة عمر الطائرة يقارب ضعف المطلوب وهو 18 سنة كاملة. والسؤال المحير هو كيف أن الشركة نفسها التي قامت بكراء طائرة "سويفت آير" نالت الصفقة هذه المرة، بالاشتراك مع رئيس مجلس إدارة شركة AVICO "أفيكو" الفرنسية، وهو الشخص نفسه (مراد.م) ذو الجنسية المزدوجة الفرنسية - التونسية، الذي كان وسيطا لكراء طائرة "سويفت آير" التي تحطمت سنة 2014 بوغادوعو. سيناريو "وغادوغو" قد يتكرر.. بالمكونات وبالمعطيات والطريقة والوصفة نفسها، قد تنتهي صفقة كراء طائرة لنقل الحجاج الميامين بكارثة- لا قدر الله- تشابه حادثة تحطم طائرة "سويفت آير"، التي وقعت سنة 2014، كما أن العقد المبرم بين الأطراف الثلاثة ينص على تكوين طاقم تحليق الطائرة التي سيتم كراءها. ويشار أن التقرير النهائي للخبرة القضائية حول تحطم الطائرة (DC-9-83) المستأجرة من قبل الخطوط الجوية الجزائرية، كشف عن نقص تكوين طياري طاقم الطائرة التابعة لشركة "سويفت أير" الإسبانية، اللذان كانا منقطعين عن العمل لمدة 8 أشهر، قبل تاريخ رحلة الحادث الذي تسببت في مقتل 116 مسافرا بينهم جزائريون وفرنسيون وبوركينابيون ولبنانيون، إضافة إلى طاقم الطائرة من جنسية إسبانية، في 24 جويلية 2014، في رحلة كانت متوجهة من واغادوغو إلى الجزائر وهي النتائج التي خلص إليها المكتب الفرنسي للتحقيقات وأمن الطيران المدني. "الجوية الجزائرية" تتحمل تكوين حتى الطيارين الأجانب! من الغرائب، أن الموقعين على الصفقة قبلوا بإسناد بند ضمن الصفقة يقر تكوين الطيارين وطاقم التحليق للطائرة التي سيتم اقتناؤها. وما يزيد الغرابة أن قبول التكوين تم بعقد لا تتجاوز مدته 3 أشهر! حيث إن الجوية الجزائرية قبلت بوجود طيارين لم يتعد معدل تحليقهم 400 و600 ساعة، حيث إن 4 طيارين من ضمن الفريق، لا تتوفر فيهم المعايير المطلوبة محليا وفق القوانين الجزائرية. في حين تشترط على طياريها في الجزائر معدل ألف ساعة تحليق على متن ايرباص (330-200)، لتمكينهم من التحليق على طائرة من الطراز نفسه. كما أن طياريهم يشتغلون بنظام عمل ساعي جزئي، وهو الشيء نفسه مع طياري الطائرة المتحطمة سنة 2014 "سويفت آير"، وهو الجانب الذي اعترف به، خلال فترة التحقيقات، نقيب الطيارين الإسبان- بلد الطائرة المتحطمة والطائرة التي تم كراؤها حاليا- أن طياري "سويفت آير" فعلا كانوا يعملون بنظام عمل ساعي جزئي. "الجوية الجزائرية" ترفض الإقرار بوجود هذه الصفقة! تلقت "البلاد" عقب اتصال هاتفي لها بشركة الخطوط الجوية للاستفسار عن فحوى الصفقة، نفيا قاطعا بقبول صفقة من هذا النوع، رغم امتلاكنا للوثائق الثبوتية للصفقة وخطورتها، حيث حاول القائمون على الشركة الاطلاع على مصادر تسريب المعلومات بدل التعاطي مع التساؤلات التي رفعت لهم. وفي السياق ذاته، قالت مديرة الاتصال بشركة الخطوط الجوية الجزائرية مونية برتوش، "إن كل طائرات الأسطول الجوي الجزائري من آخر طراز والشركة"، وأشارت إلى وجود تأهب للشركة لاستلام طائرة جديدة أخري من الحجم الكبير، واعتبرت المتحدثة أن "الشركة لا تتلاعب بسمعتها وبصحة الحجاج من خلال كراء طائرة قديمة قد تتسبب في حرج للحجاج أو خطر على سلامة أرواحهم". من جهته، لم يرد المدير التجاري بالخطوط الجوية الجزائرية زهير هواوي على اتصالاتنا وبقي هاتفه يرن دون إجابة. هل وافقت الحكومة وكيف ستتفاعل "الجديدة" مع القضية؟! تطرح صفقة كراء طائرة عمرها 18 سنة، تعارضا صارخا مع تعليمة الحكومة سنة 2014، التي تقر بعدم إبرام "الجوية الجزائرية" لصفقات كراء طائرات تجاوز عمر تحليقها 10 سنوات. ويأتي هذا الغموض في ظل التعديلات التي أقرها رئيس الجمهورية، أول أمس، على الحكومة بتعيين وزير السكن، عبد المجيد تبون وزيرا أول، مما سيجعل الوافد الجديد على قصر الدكتور سعدان أمام تحديات حقيقية بشأن هذه الصفقة التي تثير الكثير من التساؤلات وتشكل خطرا حقيقيا على سلامة وأمن الحجاج الجزائريين، عشية موعد إقلاعهم باتجاه البقاع المقدسة. "وزارة النقل لا علم لها بالصفقة.." هل وافقت وزارة النقل على صفقة من هذا النوع؟ هو سؤال كان بحاجة إلى إجابة صريحة، فكان الاتصال بالجهة المعنية، حيث أكد مدير الاتصال بوزارة النقل، في تصريح هاتفي ل "البلاد"، أنه لا يمتلك معلومات بهذا الشأن وأن "الوزارة ليست لديها أي قرارات تتعلق بالموافقة من عدمها بخصوص هذا النوع من الصفقات التي تخص شركة الخطوط الجوية الجزائرية".