أضحى شهر رمضان المبارك مرادفا لشهر أبغض الحلال، ولا تزال أروقة المحاكم تشهد قصصا حقيقية لأزواج طلقوا حليلاتهم فقط لأنهن لم يراعين كمية الملح في الشربة أو أخفقن في إعداد الوجبات، أو حتى تجرأن على الرد على استفزازات الزوج وحشر أنفه في قدور الإفطار·· المئات من الأطفال قضوا أيام العيد المجيد في بيت الجد فقط لأن الوالد رمى يمين الطلاق على الأم، وقصص الطلاق أضحت تزاحم موائد الإفطار وانصرف أئمة صلاة التراويح في احيان كثيرة لإعادة الرباط الزوجي المفكوك سويعات قبل الأذان· تختلف أمزجة الصائمين في شهر رمضان منهم من يثور لأتفه الأسباب ويفتش عما يشغل نار الخلافات، خاصة ساعة قبل الإفطار وكثيرا ما يعلو الصراخ بصورة لم تكن معتادة في البيت· في حين يتحول آخرون إلى كائنات وديعة هادئة تنتظر أن يحين موعد الإفطار بكل هدوء، على الرغم من الجوع والتعبئ· عصبيته تمنعه من الخروج ليلا ونهارا يعترف محمد· س موظف في قطاع الصحة أنه يصبح مختلفا في رمضان ويقول في هذا الشهر لا يكون مزاجي كما هو العادة، فأنا رجل مدخن كما أجد صعوبة في التعامل مع الآخرين، خاصة في الأيام الأولى من الشهر وأكون أكثر عصبية وأفضل النوم نهارا حتى لا أدخل نفسي في مشاكل وحتى أتحاشى الخروج ليلا خوفا من عصبيتي· الليل لا يختلف كثيرا بالنسبة لي عن النهار لأن التوتر يلازمني في كل وقت· طلقها لأن الشربة مالحة!! لم أكن أعلم أني سأقضي ما تبقى من شهر رمضان في بيت أهلي رغم مرور عشرين سنة على زواجي، زوجي الذي جنبته حتى مجرد حك الرأس طلقني وحرمني عليه، لا لسبب سوى أني أصرفت في وضع الملح في الشربة دون أن أنتبه لذلك· ولم يكف أنه شتمني أمام أولادي وهددني بإعادة الزواج وأني كبرت ولم أعد أصلح لشيء· لقد فجر كل مكنوناته التي كان يختزنها لسنوات، وأخرج كل عيوبي الافتراضية، لقد جعلني أمقته وأرفض حتى مجرد التفكير في الرجوع إليه بعدما تسبب في إذلالي وإثارة ضحك الناس علينا، لا سيما بعد إثارة حرب قبيل الأذان· حماتي سبب طلاقي قالت أمي: عامليها كما لو كانت امك·· أحبيها حتى تنالي رضا زوجك·· كنت أسمع بإمعان وأتخيل نفسي وأنا أسعى راكضة لإرضائها وتلبية طلباتها، وحان يوم الحسم، على مائدة الإفطار التي دعت إليها قريباتها وجاراتها، قالت إنها ستعرفني عليهن (ربما إدراجي ضمن قائمة النمامات التي تتطلب اختبارات قبول) والتقيتهن بعد أن أعددت كل ما لذ وطاب، بدأت حماتي تستعرض عضلاتها أمامهن وتأمرني وأنا أنفذ كالبلهاء مثل الكلب البوليسي الذي يبقى نظره منصبا نحو العظمة التي تلقى ليحضرها بإذعان وهو سعيد في انتظار انحناءة حنان من صاحبه وهو يربت على شعر رقبته، كنت أوزع ابتساماتي عليهن وأنا لا أعلم بما يحاك خلف ظهري من مكائد، وأنا أحضر الفاكهة وقد غادرت حجرة النمامات إلى المطبخ التقطت أذني التي يبدو أن عدوى النميمة قد وصلتها سريعا دون الخضوع لاختبارات القبول قول حماتي: ”ما كانت تعرف كنتي والو أنا علمتها الله غالب يماها من الريف·· ماشفتوش واش حطونا كي رحنا نخطبوها”·