بغلاف أسود اللون خالي من الصور والتشكيلات البصرية أكتفي بالكتابة عليه بخط عربي ديواني عنوانه (الحجر الأسود) كأنه صدر وثيقة رسمية من ديوان عربي إسلامي قديم وهو ما يؤل بأن محتوي الكتاب عن الحجر الأسود بمثابة وثيقة هامة للمسلمين بما للحجر المذكور من تاريخ عريق مواز لتاريخ الإسلام مع الإنسانية منذ عهد إبراهيم عليه السلام عندما كان يبنى وابنه إسماعيل يناوله الحجارة فلما وصل إلى موضع الحجر قال لولده : أبغى حجرا أضعه ها هنا يكون للناس علما يبتدون منه الطواف فذهب إسماعيل يطلب الحجر ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود فقال إسماعيل يا أبتي من أين لك هذا قال : جاءني به من لم يكلنى إلى حجرك وكان الحجر حينئذ يتلألأ من شدة بياض نوره شرقا وغربا ومنذ تلك اللحظة والحجر الأسود أحد أشهر وأهم وأقدم مكونات أول بيت وضع للناس والكعبة المشرفة التى يحج إليها المسلمون من كل مكان فى الأرض كركن خامس وأخير من أركان الإسلام المفروضة على كل من استطاع إليه سبيلا ، والحجر الأسود من دون عناصر الكعبة جميعها شرف بتقبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم له وهى السنة التى أحياها خليفته أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بسبب رؤيته لتقبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم له ،ولذلك أي زائر للكعبة المشرفة يتمنى أن ينال شرف تقبيل هذا الحجر الخالد واضعا وجهه حيث وضع وجه محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحج يستقبل الحجاج الحجر الأسود الموجود في الركن الجنوبي يسار باب الكعبة المشرفة على ارتفاع 110 سم من الأرض ومن أمامه يبدأ الطواف وعنده ينتهي فلا عجب أن يصبح أيقونة لهذه الفريضة ولا مبالغة في إقرارنا بالإعجاب الكبير بمنتج درامي مسرحي يحمل هذه الدلالة السيميائية في عنوانه لأن الرسالة الدرامية الجيدة تقرأ من عنوان يستشف منه النص ولا يستكشف عنوان له لون وملمس وطعم ورائحة وتاريخ فالحجر الأسود صاحب العرب قبل الإسلام وبعده. يعكس هذا التوظيف الجيد اهتمام المؤلف د. سلطان بن القاسمي بتاريخ الأمة العربية لما فيه من خلفية للحاضر الذى ظل في محيط رؤيته منذ أول نص مسرحي قام بصياغته عام 1963م.، وهو “وكلاء صهيون”،ويعكس كذلك حرصه علي أن يسبق نصه مقدمة لتكون مفتاح دخول عالمه الدرامي ولذلك تقرأ مقدمة الكتاب كجزء أساسي من النص ولذلك أيضا أي عرض جماهيري لها يجب أن يحتال صانعه للبدء بها حتى يتسنى للمشاهد قراءتها ،ومقدمة الحجر الأسود مكتوبة بلغة مسرحية جيدة ومستهلة بعبارة ذات مغزى هام هي “تسود المجتمعات” وهي ترمي إلي توريط المتلقي أو المشاهد فى الحدث المطروح ،ومقدمة كهذه تصنع تواصلا بين المتلقى وبين الكاتب وتكسب المعروض صفة الملحمية والتي يدعمها بقوله :”تتيح هذه المسرحية للقارئ أو المشاهد أن يكون فكرة صحيحة عن مصدر الإرهاب ، وأن يدعو الناس كما أمرنا المولى سبحانه وتعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتى هى أحسن. استخدام الخطاب القرآني هنا يؤكد أن رسالة النص موجهة إلي المسلمين في كل أنحاء العالم ، لينبههم لما يستدرجون له من انشقاقات تهدد أمنهم وسلامتهم ودعوة إلى التمسك بالقرآن كمعين علي الاعتصام . الحجر الأسود هو سيناريو مسرحي تجري أحداث الفصل الأول منه زمانيا فى ربيع الأول من عام 296 ه ،و مكانيا في دار الخلافة ببغداد حيث يقيم الخليفة (القاصر) المقتدر بن المعتضد وبينما ينادي منادي بغداد قائلا :”.. إن القادة والقضاة والأعيان بايعوا عبد الله بن المعتز بالخلافة” تظهر السيدة أم الخليفة متوترة وقلقة بسبب إرسالها لفرسان وجنود يطاردون (عبد الله بن المعتز) لأنه أعلنهم برغبته في إخلاء دار الخلافة حتي يمارس منها شؤون الحكم ولكنه لم يستطع الصمود وحاول الهرب قبل القبض عليه وسجنه ،و في الفصل التالي نجد أبي سعيد الجنابى القرمطى الفارس الطريد الشريد الذى عمل بالتجارة حتى كون ثروة ابتدع لنفسه مذهباً عرف بمذهب القرامطة فتبعه كثير من الناس ولذلك تدور وقائع هذا المشهد في بيته ومجلسه ونعرف من حوار بين خادميه أنه لما خرج الخليفة المعتضد والد الخليفة المقتدر لمحاربته لم يقدر عليه ولذلك هرب القرمطي ومعه ثروة لم تقدر الجمال على حملها فخبأ أغلبها فى الصحراء في أماكن لا يعرفها من البشر إلا هو وولده الأصغر سليمان هذه المعلومات يقرها خادمه الصقلبى الذى كان فارسا فى جيش الخليفة المعتضد ولكنه أسر وأستعبد واضطر إلى خدمة هذا الأفاق الكافر الذى لم يشاهده مرة يؤدى الصلاة ،وعندما يعرف الصقلبى أن (أبو سعيد) ينوى الإغارة على الخليفة المقتدر الذى لم يكن فى حالة تؤهله إلى الدفاع عن الدولة والصمود يقرر قتله وقتل من معه من فرسان لكنه بعد أن يقتل الكثير منهم يقض عليه ويعذبه حتى الموت .بعد ذلك يقوم أبى طاهر سليمان بن القرمطى الذى كان والده لا يركع ركعة لله باستغلال النقود التي نهبها أباه فى إخضاع الناس له وإبعاد شقيقه الأكبر عن السلطة حتى يتولى الأمر فيغير على كثير من البلدان وينهبها وفى الأخير يذهب إلى أول بيت وضع للناس بمكة ولا يعجبه الحج علي حد تعبيره فيعمل علي ترويع الحجاج ويقتل منهم الكثير ثم يدفعه الفسوق إلى انتزاع الحجر الأسود من موقعه وإحضاره إلى بيته التي سماها ( دار الهجرة ) ثم جهر بكفره وعصيانه قائلا : “أنا الله .. والله أنا .. أخلق الخلق وأفنيهم أنا ...” والضالين من الناس يتبعونه في ترديد ذلك ،وأمام دار الهجرة يلتقي”محمد سنبر بن الحسن بن محمد سنبر” وكان صديق زكريا الأصفهاني من ملوك فارس ومن خواصه وهو والد أبي الفضل زكريا الأصفهاني الذى أنشأ جماعة فى أصفهان تدعو إلى اسقاط الخلافة الإسلامية فى بغداد مع تاجر من أصفهان جاء يحذر الناس من خطر “الذكرى” وهو أبى الفضل زكريا لكن محمد سنبر يبعد الرجل ويبقي وحده فى استقبال ( أبو الفضل زكريا ) ليناقشه في هذه الأقوال التي تهدد أمنه وسلامته لكن الذكري لا يبالي لذلك ويعلن رغبته في قتل سليمان القرمطى ليكون سيدا للقرامطة لكنه لا يضطر إلي فعل ذلك لأن القرمطي بكل بساطة يعلن له الطاعة والولاء وينصبه إلها له وللناس قائلا : “كلنا عبادك والأمر لك”. ويصدق الذكري ذلك فيملي قراراته ويفرض شريعة كالتالي: “أبو الفضل زكريا : أيها الناس ! أسقط عنكم الصلاة والصيام ، وأبحت لكم اللواط ونكاح المحرمات وشرب الخمر وآمركم أن تجعلوا فى هذه البلدة أربعة بيوت فى كل الاتجاهات ، توقد فيها النار ... ليل نهار ....” قراءة هذا الكتاب الدرامي يجب آلا تتم بمعزل عن هذه الخلفية التاريخية والثقافية حتى نعرف فظاعة الجرم المرتكب في المسرحية وهو سرقة الحجر الأسود الذي لم يرفع عن موضعه بعد تثبيت إبراهيم عليه السلام له في حضرة ولده إسماعيل عليهما السلام إلا مرة واحدة في الجاهلية قبل الإسلام عندما وضعته قبائل مكة عن موضعه لإصلاح الكعبة ، ولما حان وقت إعادته تنازعت القبائل عمن يستحق شرف إعادته إلى مكانه ولما أعياهم الشجار أشار عليهم (أبو أمية المخزومي) وكان أكبرهم سنا بتحكيم أول داخل من باب “الصفا” أحد أبواب مكة فأرسل الله لهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، ففرحوا بذلك وعرضوا عليه الأمر فألهمه الله بحل فيه إرضاء لكل الأطراف وتكريم لنبيه ورسوله عليه الصلاة والسلام بأن خلع عباءته ووضع الحجر عليها وأشركهم جميعا في حمله من أطراف الثوب ثم ثبته في مكانه بيده الشريفة ، فكيف يثبته محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزعه أحد. الفصل الرابع نعرف فيه لماذا اندفع القرمطي إلى تأليه أبو الفضل زكريا حيث اعتقد أنه المهدي المنتظر وخشي أن يمسخه فقرر أن يلاعبه بهذه الحيلة لكن عندما يكتشف أنه قاتل ابن أخته وزوجها وأنه اغتصبها يقرر قتله ويدبر لاستدراجه إلى البيت بلا حراسة بحجة أن أمه (فرجة) ماتت ويريده أن يحييها له بصفته إلهاً لكن يسبقه إلي تنفيذ القتل شقيقه “سعيد” أما أتباعه وحراسه فيقاومونهم بالمال . أما الحجر الأسود فيعيده سنبر إلي مكة بعد غياب طال لمدة أثنين وعشرون عاماً لتنتهي أحداث النص بهذا العود الحميد لهذا الرمز الهام الحجر الأسود. هبط ” الحجر الأسود ” أو حجر الجنة من علياء السماء إلى الأرض وكان ناصع البياض بل كان أشد بياضا من الثلج ثم سودته ذنوب أهل الشرك لذلك سيبقي شاهد من السماء على ما يقترف من شرور على الأرض ،وللسواد قراءة أخرى تتعلق بلون بشرتنا جراء أجواءنا الساخنة الحارة في مقابل أصحاب البشرات البيضاء سكان البلاد الباردة لذلك يعتبر هذا الكتاب بمثابة بحث أكاديمي في فلسفة علوم المسرح وضعت له فرضية درامية هي أن ما نعانى منه من إرهاب هو كما يقول د. سلطان “صورة من صور تدخل أعداء الإسلام في توجيه حركة إسلامية أريد بها الخير إلى حركة إرهابية”.