السلطة التي حكمت البلاد واحدة لم تتغير في الجوهر منذ إعلان تاريخ الاستقلال قبل نحو 50 سنة، وإن كانت تتغير في المظهر فيما يسمى اليوم بديمقراطية الواجهة· وهذا العدد الطويل من السنين يفترض أن يكون محل تقييم على طريقة ما يفعله معلمو بن بوزيد وزير التعليم، لأن هذا هو السبيل الوحيد للحكم على أدائها غير السوي وغير المستقيم! ولأن العقل آفته الجهل والجهل ظلام عكس العلم نور! في الحالة التونسية مثلا، بورفيبة الذي أسس وحكم الجمهورية متخرج من كلية الحقوق بجامعة السوربون الشهيرة في الثلاثينيات وهذا هو السبب الذي جعله ”يخبط راسو على الحائط” حين تيقن بأن خليفته الذي زحزحه وقد بلغ من العمر عتيا لا يملك حتى مستوى ”الباك”! وفي الحالة الجزائرية، أهمهم في الثورة عبان رمضان قضوا عليه بتهمة الخيانة ليخلو لهم الجوّ· وكل من جاؤوا بعده لم يتعد مستواهم التعليمي الجامع أو الزاوية أو الثكنة، وفي كل الأحوال يتراوح هذا المستوى ما بين ”السيزيام” والثانوي، وهو لا يؤهلهم في كل الأحوال لكي تكون مداركم أكثر اتساعا وصدورهم أكثر رحابة للنقاش، وأمخاخهم أكثر استيعابا لمعطيات العصر! وعندما تقول زوجة عميد المسرح في الجزائري عبد القادر علولة، مؤخرا، إن المدرسة لم تعلم التلاميذ كيف يفكرون أي أنهم كالببغاء، تكون المحصلة أن جبلا كاملا تخرج على يدي عميد الوزراء ب20 عاما مفتوحة حتى ”قيام الساعة” يملك هذه الصفة أو إن جزءا منها ترسبت في أذهانهم! بدليل أن هؤلاء، من دخولهم الجامعة وحتى خروجهم إلى سوق العمل أو البطالة، ليست لهم أية قضية يدافعون عنها باستثناء تحسين الوجبة أو الرقدة أو الأجرة! ومع التقاء الجيل الذي يستعصي عليه التفكير السليم والواقعي والمعتدل مع الجيل الذي صنع الثورة ووزع على نفسه الثروة، وأوكل تكديس المال إلى الجهال ممن يسمون رحال الأعمال وطلب منهم النهوض بالتنمية، يصبح العثور على رجل كفء واحد في أي ميدان ينشط وسط جو مريح وجدي كعثور أحدنا على نبت السلطان! فالسلطة التي تحكم قبضتها بالاعتماد على المال السهل من مداخيل الغاز والبترول لا ترى أدنى حاجة إلى وجود كفاءات يمكن أن تفكر صفو أول دولة أنشئت للأميين في الأرض ينعمون فيها بالجهالة وهذا هو أصل الكوارث (البشرية والطبيعية) التي تلاحقنا منذ أزمان دون أن نجد لها حلا ملائما!