الحلقة الأولى و الثانية الحلقة الأولى لفهم أحداث الحاضر الجارية، يستوجب معرفة حقائق التاريخ ووقائعه الماضية لأن مخاطر جهلها مضرة ومهلكة للعلاقات بين الدول والشعوب والجماعات والأفراد، وخاصة النخب التي تملك سلطة اتخاذ القرارات المصيرية. فأحداثه ودروسه تحفظ ولا تنسى، والأحكام الصادرة عن محكمته لا تقبل الطعن ولا الاستئناف!. قضاتها صارمون لا يرتشون، يمهلون ولا يهملون. * إن الحروب بأشكالها المختلفة لا محاذير فيها، كما يقول منظروها، وهي على أنواع: عسكرية ساخنة وسياسية واقتصادية ونفسية باردة. * إن الحرب النفسية تشن عادة على من يمتلك عوامل القوة بهدف تشنيج أعصابه وخفض معنوياته وتثبيط عزائمه وكسر إرادة الانتصار لديه!. فذلك عمل من أعمال شياطين الأرض وفساد من الطراز الأول، يرقى إلى مرتبة الخطيئة مثل الحرب التي خطط لها وشنها النظام المصري يومي 13 و14 نوفمبر 2009 ضد أسود الشعب الجزائري البارعين في رياضة كرة القدم والمتفوقون بصورة لا تقبل الشك والطعن. * إن المبادرة برشق أعضاء الفريق الوطني الجزائري بالحجارة وشتمهم وتهديدهم وحصار أنصارهم وهم ضيوف لدى مصر، بالعاصمة التي شيدها قائدهم العظيم جوهر الكتامي، سماها القاهرة، التي أضحت في عهد الرداءة "المقهورة" والعاصمة الثانية للقومية الاسرائيلية، وتحولت أم الدنيا إلى بائسة المعمورة والأم الراعية لمصالح قوى الظلم والبغي والانحطاط الأخلاقي، المجبولة على العنف الأكثر دموية في تاريخ البشرية. * إن الجحود الذي مارسته النخب المصرية منذ العهود الغابرة بطمس مساهمات الجزائريين في بناء حضارة بلادهم خلال عصور ما قبل التاريخ، والقديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة وحتى الحالية، يبعث على التأفف والضيق، والتي مارست في كتاباتها الصمت نحو تلك الانجازات الباهرة الجديرة بالتنويه والإشادة. * أما المؤامرات وأعمال الغدر التي طبقها الحكام المصريون عبر عصور التاريخ ضد الجزائر، فيشيب لها الولدان، وتتقزز لها حواس من يطلع عليها، فيصاب بالغثيان والدوار لبشاعتها؟. * عندما كنا نتابع الدراسة بجامعة الجزائر في أواخر ستينيات القرن الماضي، كان من ضمن أساتذتنا مصريون ركزوا في كل دروسهم ومحاضراتهم المقدمة لنا على التاريخ المصري القديم والوسيط والحديث. لم يشيروا لا بالتصريح ولا بالتلميح إلى مساهمة الأمازيغ الجزائريين ومشاركتهم في صنع ذلك التاريخ وبناء تلك الحضارة، جاحدين وقائع وحقائق سجلها التاريخ لا تموت ولا تمحى. * فلم يذكروا على سبيل المثال لا الحصر ما سجله المؤرخون بأن بعض قدماء المصريين هم من سلالة سكان الجزائر والمغرب وهذا يعود إلى الهجرة الأولى التي وقعت في عصر ما قبل التاريخ، أي في نحو 3500 سنة قبل الميلاد في اتجاهين: الأول نحو نهر النيل والثاني في اتجاه بلاد الرافدين دجلة والفرات. * كما أخفوا على الطلبة ما كتبه المؤرخ والفيلسوف البريطاني الكبير توينبي في كتابه تاريخ الحضارة، والذي قال فيه "كانت الصحراء الجزائرية خصبة يعيش عليها صيادون مهرة وبمرور الزمن جفت السهول وهربت الحيوانات وتصحرت الأرض ففرض التحدي على السكان، فمات فريق وصمد فريق آخر، فهاجر إلى وادي النيل، أين جففوا المستنقعات وأنشأوا المزارع وبعثوا حضارة مصر القديمة". * كما تجاهل أساتذتنا المبجلون كتابات المؤرخين التي أكدوا فيها "كانت هجرة قبائل الشواش الأمازيغية نحو مصر الفرعونية في القرن العاشر ق. م، فنتج عنها سيطرة شيشنق على مصر في سنة 950 ق.م، أين أسس هو وأبناؤه وأحفاده الأسرتين 22 و23 اللتان حكمتا مصر نحو ثلاثة قرون أي من سنة 945 663 ق. م". * وفي القرن العاشر الميلادي، تجاهل كتّاب مصر ما جسده أخلاف شيشنق من قادة قبيلة كتامة وصنهاجة لأحد أحفاد فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد (ص)، عندما جاء فارا بجلده من المشرق إلى المغرب الأوسط وطن الأحرار، بعدما ضاقت به الأرض بما رحبت، إنه عبيد الله المهدي الذي احتضنته قبيلة كتامة الأمازيغية الجزائرية المرابطة فيما بين عنابة وبجاية واستقبل بالأحضان تقديرا من سكانها لآل البيت الأشراف فقاموا بتأسيس دولة له أسموها تبركا بجدته الفاطمية بفضل جهود وعبقرية جوهر الصقلي وزيري بن مناد وجعفر بن فلاح ونصّبوا عبيد الله المهدي كأول ملك على رأس تلك الدولة في سنة 910 م وجعلوا من المهدية بأرض المغرب الأدنى عاصمة لها بطلب منه ليكون على مشارف وطنه الأصلي!. * بعد ترسيخ أركان الدولة الجديدة في عهد الملك الرابع المعز لدين الله حفيد المهدي، طلب هذا الأخير من القادة الأمازيغ الثلاثة فتح مصر ونقل العاصمة إليها، مبيتا الإنتقام من أبناء عمومته بالمشرق والقضاء على الدولة العباسية ببغداد. لأنه لمس فيهم الكفاءة والمهارة والشجاعة وتأكد بأنهم قادرون على تحقيق ذلك الهدف. * استجاب القادة أصحاب النوايا الحسنة لطلبه وجهزوا جيشا عدده 200 ألف مقاتل وزحفوا به على مصر واستولوا عليها، أين شيد جوهر القاهرة في سنة 973 م مستوحيا اسمها من اسم كوكب "القاهر" الذي صادف طلوعه انطلاق أشغال بناء المدينة يوم 9 أوت 969 م. تولى هذا القائد تسيير شؤون الدولة الفاطمية الجديدة بمصر مدة أربع سنوات حتى قدم المعز لدين الله وبنى جوهر خلال هذه المدة جامع الأزهر سنة 975 م. * والمؤلم أن المتخرجين من هذه الجامعة التي شيدها أسلافنا يعيّروننا الآن بأنهم علّمونا وحرّرونا؟. وكان الكتاميون الجزائريون عصب الدولة الفاطمية في مصر والشام أي سوريا والأردن ولبنان وفلسطين. أنظر كتاب تاريخ الجزائر العام للعلامة عبد الرحمن الجيلالي ص 233 وما بعدها. * كرر أهل الكنانة كعادتهم ما جبلوا عليه من إنكار، بتثاقل مثقفيها ولقرون متتالية عن إبراز الدور الإيجابي الذي لعبه العالم الجزائري عيسى المنقلاتي صاحب الأيادي البيضاء على المصريين خلال القرن الثالث عشر الميلادي عندما تبوأ منصب رئاسة دار الإفتاء المصرية فيما بين سنوات 1242 1265 م الذي ظل يشرح لسكان النيل قواعد دينهم ومبادئ فقه مذهبهم السّني طيلة 23 سنة كاملة. * وفي القرن الخامس عشر الميلادي، أهدت الجزائر لمصر أيقونة الدول المغاربية وابنهم المشترك، مفكر السياسة الفذ وفيلسوف التاريخ وعالم الاجتماع العبقري، عبد الرحمن بن خلدون. أين فرض نفسه على أبناء هذه البلاد، وتولى فيها كرسي القضاء وبقي يمارس المهام السياسية الجسام حتى وافته المنية بها عام 1406م. * واصل قوم نهر النيل جهودهم في تعمية المجتمع العربي عامة، والمصري خاصة، فيما يتعلق بما أنجزه المفكر الجزائري ورجل الدين الشجاع وتجاهلوا أعماله الفكرية ومواقفه الجريئة الخالدة. إنه أصيل طولقة الهمام محمد لخضر الحسين، الذي تقلد منصب قيادة مشيخة الأزهر بقاهرة جوهر الجزائر، فيما بين سنوات 1952 1954 م. هذا الشيخ سليل الشداد العناد، سجل له التاريخ مواقف صلبة عارض بها التصرفات الخاطئة للسلطة الحاكمة حينئذ بمصر، المتمثلة في مجلس قيادة الثورة بجرأة الجزائري وعناده، عندما وقف ضد المرسوم الذي أصدره هذا المجلس المتضمن مساواة الجنسين، الذكور والإناث في الميراث. إذ أعلن بمجرد صدوره أنه سيرتدي كفنه ويستنفر الشعب الغيور على دينه، لزلزلة الحكومة المصرية، إن لم تتراجع عن اعتدائها على حكم من أحكام الله، فكان له ما أراد. * أما سبب استقالة هذا الشيخ المقدام من رئاسة الأزهر، فكان خلافه مع الرئيس جمال عبد الناصر نتيجة إصداره لقرار تحويل وصاية المحاكم الشرعية من الأزهر وإدماجها بالقضاء المدني بغرض تقليم وتقليص دور ونفوذ وصلاحيات أزهر جوهرة الجزائر. * هذا غيض من فيض جحود أولئك الذين يدعون أنهم أشقاء، وأنهم متحضرون وموضوعيون، يعلنون بأنهم ينسبون الإنجازات لأصحابها، ويطبقون عكس ما يقولون؟. بيد أن التنكر للمساهمات الحضارية والثقافية والعلمية والدينية التي شارك بها الأمازيغ المسلمون العرب الجزائريون عبر الدهور، لدعم منجزات الشعب المصري كانت هي السمة البارزة على ممارساتهم الفعلية. * أما الأعمال التآمرية والعدائية لأولئك الزاعمين بأنهم أخوة، ضد الجزائر منذ كانت تسمى أفريكا نسبة لأفريك بن مازيغ، مرورا بمرحلة المغرب الأوسط وتعريجا على مرحلة الجزائر وانتهاء بفترة الجمهورية الديمقراطية الحالية، فتتميز كلها بالعدوانية والتصرفات التي تدعو إلى الاستغراب والتقزز، قلما نجد لها مثيلا. تفتقر للحكمة والتبصر وتطغى عليها الحماقة فهي كما يلي: * دأب القائمون على إدارة شؤون المصريين منذ سالف العصور، الضلوع في تطبيق مبادرات عدوانية استفزازية ضد الجزائر. ففي القرن العاشر قبل الميلاد نسج فرعون مصر في ذلك الزمان الغابر مكيدة تمثلت في إهانة ممثل أفريكا لديه، وتقديم ذلك إثبات إخلاص للقوى المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط لكسب ودها والتحالف معها ضد أفريكا. فكان ذلك التحدي والعدوان السبب المباشر لهجوم شيشنق زعيم قبائل الشواش على مصر والسيطرة عليها في سنة 950 ق. م. * اعتبر الأمازيغ الجزائريون، ذلك النصر العظيم جديرا بالتأريخ والتخليد، فجعلوا من يوم تنفيذه بداية لرأس السنة الأمازيغية، يحتفلون بها في كل حول منذ ذلك الزمن وإلى عام الناس هذا الموافق ليوم الثالث عشر من شهر جانفي من كل سنة. * أما الدسيسة الموالية التي حاكها المستنصر الملك الخامس المصري على عهد الدولة الفاطمية ببلاد الكنانة، ضد الدولة الجزائرية الأمازيغية الزيرية المستقلة برئاسة المعز بن باديس، حيث طبق عليها جزاء سنمار. * إذ أرسل هذا الملك سنة 1056 م بناء على توصية من وزيره اليازوري، أكثر من 200 ألفا من القبائل المصرية المستقرة بصعيد مصر، منهم 50 ألف مقاتل، بعد تعبئتهم وشحن عقولهم بروح الكراهية وهيج فيهم غريزة التملك وحرضهم على تدمير الدولة الزيرية، وأغراهم بالاستيلاء على أراضي سكانها وتملكها. كان غرضه التخلص من تلك القبائل المشاكسة لنظام حكمه والمثيرة للقلاقل والشغب له من جهة، والانتقام من الملك الجزائري المعز بن باديس من جهة ثانية، ومحاولة خنق دولته التي أعلن تأسيسها والانفصال بها عن الدولة الفاطمية المصرية في سنة 996م. كان سبب ذلك تحيز المستنصر لأبناء عمومته الشرقيين وكراهيته للأمازيغ، مثلما كان يفعل أسلافه وخاصة المعز لدين الله الذي أوصى عندما كان يهم بمغادرة المنصورية متوجها إلى القاهرة حيث عين بلغين بن زيري، قائد صنهاجة أميرا على المغرب الأوسط يسير شؤونه باسمه وأوصاه وألح عليه بعدم رفع السيف من على رقاب الأمازيغ والجباية عن أهل البوادي والإحسان لسكان الحواضر لأنهم من أتباع المذهب الإسماعيلي. وانحاز بذلك التعيين لقبيلة صنهاجة وتخلى عن قبيلة كتامة التي قامت الدولة الفاطمية على أكتاف أبنائها.مما أغضب قادتها وأشعل نار الفتنة بين صنهاجة وكتامة وبعد أن شعرت صنهاجة بالفخ الذي نصب لها، وعند اعتلاء المعز بن باديس عرش الدولة الزيرية بعد وفاة والده بلغين، أعلن الاستقلال فكان ذلك هو جزاء أحد أخلاف من أسس لجد والده دولة راسخة الأركان كاملة المؤسسات ونصبه كأول ملك لها. * وعندما حلت تلك القبائل المصرية على شكل موجات بشرية متتالية بأراضي المغرب الأوسط، نفذ مقاتلوها ما أوصاهم به المستنصر، فحاولوا الإطاحة بدولة المعز بن باديس والاستيلاء على أراضي سكانها بالقوة وإحراق الأملاك والمحاصيل وعاثوا في البلاد فسادا. فكانت أنبل أعمالهم القتل وأطيب مكاسبهم النهب، وأشرف ممارساتهم نشر الرعب. * فكان ذلك هو جزاء سنمار الجزائرين، الذي أهداه ملك مصر الفاطمية لأخلاف قادة كتامة وصنهاجة مؤسسي الدولتين الفاطميتين، الأولى في المغرب الأوسط والثانية ببلاد الكنانة والشام. فماذا كان رد فعل المعز الأمازيغي على هذه المؤامرة يا ترى؟. كان رد فعل سليل الشداد العناد مفاجئا وساحقا ماحقا تجسد في إبطال تبني الدولة الزيرية للمذهب الشيعي الذي نشره أسلافه من قبل في المغرب الأوسط إرضاءا لأحفاد فاطمة الزهراء، ومحى اسم الفاطميين من العملة وهدم دار المذهب الإسماعيلي وأعاد تثبيت المذهب السني المالكي الذي استمر الجزائريون يمارسون إسلامهم بناء على فقهه منذ سنة 996 م إلى يومنا هذا. * الحلقة الثانية * * في سنة 1827م وبعد حادثة المروحة بادر محمد علي ملك مصر بتفعيل خيوط مكيدة نادرة الحدوث في التاريخ، حيث أرسل مبعوثا خاصا إلى داي الجزائر حسين ليحثه على الاعتذار لفرنسا على صفع القنصل الفرنسي دوفال بالمروحة حينما تطاول على الداي أثناء حفل استقبال نظمه على شرف رجالات الدولة والقناصلة. فكان رد حسين الجزائر تهكميا وجارحا: "قل لملكك أن يكثر من تناول الأطباق الدسمة من الفول، ويكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر المستقلة الحرة وذات السيادة". * واغتناما لفرصة ضعف القوة العسكرية البحرية الجزائرية بسبب غرق معظم بواخر أسطولها في البحر الأيوني بسواحل اليونان أثناء نجدته للخلافة العثمانية في معركة نافارين سنة 1827 ونتيجة للحصار الفرنسي الطويل لها مما رجح ميزان القوى لغير صالحها وباتت محل أطماع وتآمر من طرف دول الغرب والعرب. * وبعد تسلم الملك المصري لرد الداي حسين، بدأ يكيد للجزائر بالتودد لحكام فرنسا وفي مقدمتهم ملكها شارل العاشر، الذي كانت تربطه به علاقة وثيقة، جعلته يقدم على إهدائه مسلة الأقصر المسماة "أوبيليس" وهي تحفة أثرية لا تقدر بثمن، كدليل إخلاص ومحبة، والتي ما زالت وإلى يومنا هذا منصوبة بساحة "لاكونكورد" بباريس. * كان الملك محمد علي يهدف بهديته تلك الحصول على مقابل، توهم بأنه سيكون أثمن بكثير من القطعة الأثرية الفرعونية وذهبت به الأطماع وحلق به الخيال بعيدا في عالم التواطؤ حتى اقترح على رئيس الحكومة الفرنسية مونتينياك، أن يحتل له الجزائر كمقاول من الباطن لأنه اعتقد خطأ ووهما أنه الأعلم بعادات وتقاليد الجزائريين المسلمين. وأن معارفه تلك سوف تسهل عليه تنفيذ خطته القذرة، على أن توفر له الحكومة الفرنسية الضباط لتأطير القوات المصرية، وأن تجهز له 23 بارجة حربية من الطراز الحديث، أي من النوع الذي يدفع بالبخار مسلحة بالمدافع الثقيلة. كما أخبره بأن مصر مستعدة لتجنيد 68 ألف مقاتل لإنجاز المهمة، مطالبا فرنسا الحصول على المقابل وتمثل في أن تأذن له باحتلال ليبيا وتونس والسيطرة عليهما وضمهما لدولته ليتمكن من تكوين إمبراطورية مصرية لا تغيب عنها الشمس تكون حليفة لفرنسا. إلا أن رياح بريطانيا هبت وجرت بما لا يشتهيه محمد علي، بعد معارضتها تنفيذ الحملة. فتبخرت أحلام وأوهام هذا الملك وهي في مرحلة التحضير والإعداد. أنظر كتاب قراءة جديدة لسياسة محمد علي التوسعية من ص 81 إلى 85 . * أما الدسيسة التي حاكها الخديوي إسماعيل حاكم مصر ضد الأمير عبد القادر فيندى لها الجبين. ومضمونها أن وفدا يضم كوكبة من رجالات السياسة والدين والثقافة المصريين المخلصين لقضايا وطنهم وهموم شعبهم، عرض على الأمير عندما جاء مدعوا كشخصية عالمية مرموقة في عالم الحرب والسياسة والدين والثقافة، لحضور حفل تدشين قناة السويس ببور سعيد يوم 16 نوفمبر 1869م، القبول برئاسة حركة سياسية مصرية يعتزمون تأسيسها للنضال السياسي السلمي ضد الأطماع الفرنسية والبريطانية المبيّتة من جهة، ومنع ملكهم من تقديم ثروات مصر على طبق من فضة لشركات الدولتين، والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق في ذلك الوقت. * أما الدوافع العاطفية التي أدت بأعضاء الوفد المصري إلى عرض تلك المبادرة على عبدقا الجزائر فهي: تكريما لشخصه ولمكانته، واعترافا منهم بقدراته على الدفاع وبجرأة الجزائريين على مصالح العرب والمسلمين والمصريين. إلا أن الحكومة المصرية أجهضت المبادرة وهي في المهد. حيث أوعز الخديوي إسماعيل إلى حكومته بتلفيق تهمة باطلة فبركتها على جناح السرعة، تجسدت في إدانته بالتعاون مع المهندس الفرنسي دليسبيس صاحب مشروع شق قناة السويس. وبناء على تلك الأكذوبة، تقرر طرد الأمير عبد القادر من مصر رغم علم العالم والمصريين أن هذا القائد حارب فرنسا مدة 17 سنة متواصلة، وكان واستمر يكن لها العداء المبين. * وأختم المقال بأحدث عملية غدر وأخطرها على الإطلاق والتي طبختها المخابر المصرية ضد نجوم الرياضة الجزائرية الذين استولت انتصاراتهم المتتالية الباهرة على عقول الجزائريين. وهي الأكثر درامية ووقاحة وحمقا نفذتها في يومي 13 و14 نوفمبر 2009 . * والعرق دساس كما يقال، أي أن الأخلاف يتوارثون أخلاق وسلوك الأسلاف. ألم يتم التخطيط المسبق للمؤامرة بكتابة وقائع سيناريو قصتها بإحكام على شكل مسرحية ذات فصول عديدة، تحتوي على مضامين سياسية ونفسية تراجيدية وهزلية. مصدرها الخيال أولا والوهم ثانيا، أشرفت على تدريب من يؤدي أدوار فصولها الدوائر المتخصصة في تفصيل وخياطة المكائد. شارك في إخراجها وتأطير ممثليها المخابرات والأمن والإعلام والفنانون والمثقفون وحتى الخبراء الإسرائيليون من باب رد الجميل مقابل خدمات العم سليمان مقلم أظافر المقاومين في غزة على صورة دعم غير مباشر له لضمان نجاحه ولو في مجال الرياضة على الأقل، حفاظا على ماء وجهه، وتغطية لإخفاقات دسائسه المتكررة ضد أشقائه؟. * ومثل فصول المسرحية أسوأ تمثيل في الشوارع، عناصر احترفت تأجير عضلاتها وأجسادها وأفكارها لمن يقدم الرتب والوظائف والأموال والامتيازات. ودعم شكلها ومضمونها، أشباه متعالمين من حاملي المرقعات الثقافية ومن المحتلة عقولهم والمدجنة أفكارهم من بني صهيون. وصفق لها وابتهج بها غوغاء استدرجهم الإعلام المرئي والمكتوب الذي تسيره الرأسمالية الداخلية المتوحشة المتحالفة مع كل من يعادي العرب والمسلمين المقاومين في مختلف بقاع الأرض. * إن المدهش في هذه العملية التحايلية والغدرة المنحوتة وغير المسبوقة، هو أن زبانية مصريين يزعمون أنهم أشقاء اعتدوا على ضيوف بلادهم ورشقوا نجوم الرياضة الجزائرية بالحجارة والشتم والمضايقة والضغط على الأعصاب وحصار الأنصار، على مسمع ومرأى من رجال المنظومة الأمنية المصرية المرئية والمخفية، المدنية والعسكرية. وهي ممارسات تدل على أن ما حدث كان مخططا سلفا بغرض تحطيم معنويات أبطال الجزائر قبيل المباراة الفاصلة لضمان عوامل الفوز للفريق المصري والتأهل بطريقة غير مشروعة. * وبغرض إخفاء كبيرتهم اللاأخلاقية التي لا يجب إعفاء من فكر فيها ومن خطط لها ونفذ فصولها من الإعتذار والإدانة، رفضت مصر طلب الجزائر قبيل المباراة التنسيق الأمني معها بغرض تأطير الأنصار الجزائريين حسب تصريح وزير الداخلية. * تلك الكبيرة تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأغضبت كل الجزائريين والجزائريات، كبارهم وصغارهم حكاما ومحكومين. فاستجابوا كدأبهم دائما إيجابيا للتحدي بصورة آلية وذاتية وعفوية للذود عن كرامة نجومهم ورموزهم وشهدائهم. * والظاهر أن الدافع الأساسي لفعلتهم تلك هو الحسد الذي سكن في نفوس المصريين حكاما ومحكومين وفتك بعقول سياسييهم هو التفوق الذي سجله الفريق الاقتصادي الجزائري سنة 2008 بقيادة من وصفوه بقصير القامة فارس الجزائر العزيز على الفريق الإقتصادي لطويل القامة وضخم الجسد حاكم مصر، حيث قفز بالناتج الداخلي الخام للجزائر إلى 174 مليار دولار مقابل 162 مليار دولار لمصر مع الفارق في عدد السكان 35 مليون مقابل 83 مليون. * أليس من فضائل الجزائريين الراسخة، عزة النفس والمروءة والصدامية والشّدة والعناد والمهارة في الضغط على الزناد ومقاومة الغزاة والمحتلين والظالمين والمتطاولين ورفض المساس بكبريائهم وسمعتهم وعلو همتهم وصدق القول والفعل واحترام العهود والمواثيق وامتلاك السرائر والنوايا الحسنة والقصاص ممن يحقّرهم وينقص من قيمتهم ويشتم شهداءهم تاج حريتهم ودليل تضحياتهم وثمن استقلالهم، ورصيد الجزائر الذهبي والطاقة الدافعة لها نحو العُلا. * أما خصائص أولئك المعتدين ممن يدعون بأنهم أخوة للجزائريين، فقد لخصها داهية دواهي العرب عمرو بن العاص في قانون خالد معبر له دلالات لا تقبل الدحض والإنكار، منذ القرن السابع الميلادي "نساؤهم لعب ورجالهم لمن غلب". والخضوع والخنوع للحكام المتفرعنين والمستبدين والنهابين والمستعبدين للمستضعفين والراكعين والمستسلمين للأعداء بحجة التفوق؟. * أما فيما يخص إسم البربر الذي عيرنا به بعض المصريين، فهو ليس شتيمة لنا كما يعتقدون خطأ عن جهل وغباء لأنهم رددوا ما وصفنا به الإغريق والرومان الإستعماريون أي "البربر" بمعنى المتوحشون والمتخلفون وهو قول حاقد واستعلائي استعماري باطل. كانوا يقصدون به التحقير والإذلال انتقاما من أبناء الجزائر الذين أشعلوا مئات الثورات ضدهم عندما احتلوا بلادهم وطردوهم شر طردة. * والحقيقة هي أن اسم البربر يعني الرجال الأحرار وهو نسبة إلى بر بن مازيغ الجد الأعلى للبربر الأمازيغ الجزائريين الذين يتشرفون برفعه كعنوان لهم، ويعتدّون بالانتساب إلى أسلافهم الشداد العناد والماهرون في الضغط على الزناد، والحائزون على شهادة الاستقامة وحسن الطوية والنوايا الحسنة من خالق السموات والأرض والعباد. الدليل على ذلك هو عدم إرساله لهم لا رسولا ولا نبيا لأنهم لم يكونوا أشد كفرا ولا أشد نفاقا ولا أشد إفسادا في الأرض ولا ادعاء بالتأله. * أما اسم الفراعنة الذي يعتز به المصريون حتى الآن فهو الشتيمة الكبرى لهم والعار الذي تستحي منه البشرية، والدال على التجبر والطغيان والاستكبار والاسترقاق للإنسان الرجال منهم والنساء. ألم يصل الأمر بفراعنتهم الادعاء باطلا بأنهم آلهة جاؤوا من السماء، وجب على أهل الأرض من المصريين عبادتهم والركوع لهم وتلبية نزواتهم بدون اعتراض والقبول بأطروحاتهم والتسليم بعبادة آلهتهم؟، ورضوخ أسلافهم لتلك الأساطير والحيل. فأطاعوا وخنعوا واستكانوا واستسلموا ونفذوا ما أملي عليهم. وبمرور العصور ترسخت تلك السلبيات حتى باتت تجري في عروق أخلافهم مجرى الدم، أضحت تشكل جينات خلاياهم وتتحكم في سلوكاتهم منذ غابر الأزمان وإلى يومنا هذا! * لا يمكن أن أختم هذه المداخلة المتعلقة بالدسائس المصرية ضد الجزائر عبر العصور دون الإشارة إلى مؤامرات حكام مصر ضد الدول العربية والإسلامية منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم وحتى الآن، إنها مكائد يشيب لها الصغار قبل الكبار،حيث اتسم تاريخ مصر السياسي والدبلوماسي بعد حرب 1973 باقتراف وإحاكة مكائد ترتقي في معظمها إلى رتبة الكبائر السياسية، حيث تحولت مصر إلى جسد جغرافي وسياسي وبشري بدون روح ولا أخلاق ولا مصداقية ولا هيبة ولا إستراتيجية وطنية وقومية، تهيم على وجهها بدون بوصلة تحدد اتجاه سيرها الصحيح تائهة في صحارى العالم وأدغاله السياسية تبيع بضاعتها السياسية لمن يدفع أكثر، مستجدية عون عدوتي العرب والمسلمين: أمريكا وإسرائيل، متلبسة لدور الظهير والمعين لهما والكيد لمن يعارض مصالحهما وأطماعهما وتنفيذ ما يطلبان منها دون تحفظ ولا حرج! مقابل دولارات معدودات وسكوت برقماتي مفخخ عما ترتكبه من مظالم وما تمارسه من فساد متعدد الأشكال في حق الشعب والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وحتى عن توريث الحكم !. * ألم يمسي هذا النظام كالرجل المريض لا يسمع إلا ما يقول ولا يقرأ إلا ما يعلن وما يختلقه زبانيته من افتراءات ينتج الهزائم ويقاول من الباطن جهارا نهارا لفائدة أعداء العرب والمسلمين والدول المساندة لحق الشعوب في الاستقلال منذ عقود من الزمن بغرض تدمير وتفكيك وإسقاط النظم المقاومة للظلم والاحتلال والاستيلاء على أراضي وثروات الشعوب كالاتحاد السوفييتي والثورة الإيرانية والسودان وسوريا وليبيا والعراق وحزب الله وقطر، وخنق غزة بالحصار ومنع ومصادرة المساعدات المقدمة لسكانها ليستسلم مقاوموها الأبطال لحركة فتح، المقاول الثاني الخادم للأعداء. * ألم يدفع هذا النظام بعرفات ثم بخليفته عباس إلى أحضان أمريكا وإسرائيل للاستسلام لهم بدون مقابل وإجهاض جنين الثورة الفلسطينية، الذي صار مضغة تامة الخلق في رحم الثورة. مازال سكان المعمورة الداعمون لحقوق الشعوب الثائرة ينتظرون بفارغ الصبر يوم ولادته ويرتكب بذلك خطيئة لا تغتفر نحو التاريخ بالإساءة والمعارضة للثورات التي أشعلتها الشعوب المستعمرة في قارات الأرض ضد الغزاة والمحتلين. سوف يسجل التاريخ في صحيفة مصر الحديثة أنها أكرهت قادة الثورة الفلسطينية على الانهزام والاستسلام وعاكست إرادة الشعوب وناقضت القانون السياسي الخالد الذي يحكم الثورات والقاضي: بأن كل الثورات العادلة التي خاضتها وتخوضها الشعوب المحتلة أراضيها تتوج كلها بالنصر المبين. * وخلاصة القول، أن الحقائق والوقائع التاريخية التي رميت بها ضد بعض المصريين، كانت عبارة عن رمي مركّز لثلاثة عشر صاروخا: 6 منها من نوع "جحود" و7 من طراز "تآمر" إسنادا للأحد عشر كوكبا رياضيا ومن قادهم نحو الفوز العظيم، مناصرة لهم ومشاركة وتأييدا مني لهبة أبناء وطني الخالدة التي اهتز لها العالم بالسهر والإعجاب، استخرجتها من مخازن أرشيف التاريخ، إن أصابت أهدافها وأسكتتها فذلك بفضل الله، وإن أخطأت المواقع التي صوبت نحوها فلعدم دقة تسديدي، فمعذرة.