تراهن مديرية الثقافة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف على تدشين الخطوة الأولى، من عملية تحرير مالك بن نبي واسترجاع مشروعه الفكري والحضاري، من خلال عملية إنزال غير مسبوقة بولاية تلمسان· وسيستغل في ذلك الملتقى الدولي الذي يفتح ملف مشروع بن نبي لأول مرة، بطريقة مغايرة تتميز بالجدية والعقلانية لإعادته إلى المنظومة الوطنية، وتوفيره للأجيال الجديدة وجعل بن نبي في مواجهة النخب الجزائرية، التي لم تستثمر المفكر الراحل من قبل، سواء تلك التي حولته إلى مجرد شعار نضالي واستعراضي في الساحة بعدما أفرغته من مشروعه الحضاري، وحتى النخب التي عملت كل ما في وسعها لتطهير الأرض منه، والتعتيم عليه بكل وسائل الإقصاء والتهميش·· وحتى تلك النخب التي بذلت ما عندها من جهود لنزعه من التاريخ، واقتلاعه من الذاكرة وإبعاده من المساحات الفكرية والأكاديمية· واستعان مدير الثقافة الإسلامية الدكتور بومدين بوزيد في العملية، بأكثر من ثلاثين محاضرة ستقدم في ثلاثة أيام أنجزها العديد من الأسماء والشخصيات الفكرية الأجنبية، التي تملك القدرة الكافية على إنجاح العملية، وفي مقدمتها المفكر الكبير خالص جلبي والوصي على مشروع بن نبي عمر كامل المسقاوي ورفيق درب مالك الدكتور محمد رفعت الفنيش، والدكتورة نورة خالد السعد وهي أول سعودية تنجز رسالة ”دكتوراه” حول فكر مالك بن نبي، بالإضافة إلى عالم الاجتماع الدكتور سيف دعنا، وغيرهم من الأسماء الفكرية القوية التي استلهمت أفكارها من مشروع بن نبي، وعملت على التعريف بها في العالم ومن خلالها، وجد مشروع مالك طريقه إلى العالم أكثر مما وجده من جهود أبناء وطنه·
وفي السياق ذاته، تراهن مديرية الثقافة بوزارة الشؤون الدينية على النخب الجزائرية، وبالذات ”المتورطة” في الهموم البحثية الأكاديمية لتعيد النظر في المشروع على ضوء المتغيرات الحالية، وما استجد من إفرازات علها تستدرك ما فات من أوقات ثمينة، وفرص ضائعة كان يمكن أن تستفيد منها الجزائر في استثمار فكر بن نبي وتتجاوز الكثير من المشاكل عبر مشروعه الذي لن يبقى بالضرورة في سماء التقديس والإبهار، بل يفترض أن تنزله هذه النخب إلى واقع المدارسة والمراجعة، وذلك عبر العديد من الأسماء الجزائرية مثل الدكتور عبد القادر بوعرفة والدكتور عبد القادر بخوش والدكتور بشير مصيطفى والدكتور موسى بابا عمي، وغيرهم من الأسماء الجديدة في الساحة الثقافية الجزائرية·
وسيجد هؤلاء أنفسهم في رفقة أسماء من الجيل السابق مثل الدكتور عبد الرزاق فسوم والدكتور عبد الله بوخلخال والدكتور العربي ولد خليفة· كما اتجه الدكتور بومدين بوزيد إلى الاستعانة في العملية، بعدد كبير من طلبة ”الماجستير” و”الدكتوراه” من مختلف جامعات الجزائر ليكونوا شهودا ومساعدين في إنجاح العملية، وذلك من خلال فتح المجال أمامهم للنقاش، واكتشاف المشروع الحضاري القوى الذي نحج به الماليزيون وغيرهم في جنوب شرق آسيا·
كما استفاد منه الأوروبيون في العديد من الجامعات، عندما استثمروه في أبحاثهم ودراساتهم العلمية، وهي المرة الأولى التي يتم الانتباه إلى الطلبة لإشراكهم في الملتقيات العلمية حتى تبتعد هذه الملتقيات، عن الصفات والسمات السمجة التي، وقعت فيها العديد من الملتقيات في الجزائر وتشوهت صورتها لدى الرأي العام· من جهة أخرى، تبقى عملية تحرير مالك بن نبي من هيمنة واستثمار النخب الفاشلة والمغشوشة عملية محفوفة بالمخاطر، وهي أقرب إلى المغامرة، إلا إذا تمكنت مديرية الثقافة، من أخذ الاحتياطات اللازمة لإنجاحها وفتح الطريق أمام عمليات جديدة من الاستثمار في المشروع، ولكن عبر آليات وتقنيات جديدة تقوم بتنفيذها الأسماء الجديدة، والنخب الجزائرية وتتواصل مع النخب القادمة·