عشرون عاما ونحن نسبح داخلنا·· ولا نزال نخشى الاقتراب من شاطئ البحر·· نطوف حولنا كالدوامة·· ونخاف البلل والموج وأسنان القرش· ولأننا كائنات جففتها الأزمة·· وبخرت ما بداخلها من سوائل الحياة·· فقد اكتشفنا معنى السباحة على الأرض·· وخبرنا كيف تتهشم أضلاعنا وأسناننا·· وكيف تسيل دماؤنا·· عندما نعانق الإسمنت والحجر· الآن·· وقد كبرنا بما فيه الكفاية·· وتهشمنا ما فيه الكفاية·· ونزفنا ما فيه الكفاية·· علينا أن نسير نحو البحر·· دون أن نخشى الغرق·· فقد شبعنا غرقا·· وتملحنا·· ونهشتنا أسماك القرش·· وتناثر لحم أجسادنا منذ عقدين من الزمن· توقفنا عن الحركة تماما·· وتسمرنا خارج الزمن·· وفي كل يوم يأتي من ينصحنا باجتناب الأشباح وقطاع الطرق·· لئلا نجرد من لباسنا·· ونحرم قطعة الخبز العالقة بين أسناننا· أنصتنا بانتباه لكل الحكماء·· وفهمنا أن من الأفضل ألا نذهب نحو البحر·· بل أن ننتظر البحر كي يأتي إلينا·· وألا نستعجل طلوع الشمس·· فالشمس ستشرق لا محالة··وألا نمتعض من الظلام·· فالظلام سيختفي دون حاجة لإضاءة شمعة واحدة بأيدينا· لم يعد يعنينا أن نعرف من نكون، ولا متى ولدنا ولا أين نقف؟ وماذا يعني أن نتسمر في أماكننا كأعمدة الكهرباء المكسورة؟ ومضغنا حكمة الصبر·· وتعلمنا السير على أصابع أقدامنا·· ونسينا في غمرة الغيبوبة الكبرى·· أن الشمس قد تطرد الظلام المحيط بنا من الخارج·· لكن ما بداخلنا من عتمة·· يحتاج إلى قبس نضيئه نحن·· فقناديل العالم كلها لا ترينا طريقا لا نراه·· أو طريقا نرفض نحن السير فيه·
هل للجزائريين طريق؟ بكل تأكيد لنا طريق·· هو بكل جدارة· · أول طريق شق نحو الديمقراطية في صحراء الديكتاتوريات العربية·· وكان لنا وعي سياسي أدركنا به أن من لا طريق له·· سيموت بسبب الجوع والعطش في هذه الصحراء التي ما انفكت تتسع·· وتبتلع ما حولها·· وراودتنا أحلام كثيرة عن الحرية والعدل والرخاء·· لكننا توقفنا فجأة بسبب جبل صخري اعترض طريقنا·· فاسترحنا في ظله·· ونمنا·· وعندما طلع صباح العرب·· التفتنا حولنا·· فوجدنا أنفسنا وحيدين في هذا القفر···· حيث تصفر الريح·· وتتطاير الأشواك الجافة·· فالقبائل العربية رحلت الواحدة تلو الأخرى·· وبقينا نحن نجمع أغراضنا المتناثرة· تعطلت بوصلتنا·· ولم نعد ندري إلى أين سنتجه، هل نقتفي أثر السائرين من قبلنا أم نجلس حيث نحن بانتظار أن يعثر علينا بعض المارة فيرشدوننا إلى الطريق؟ أم نتوكل ونغامر بالسير في أي اتجاه؟ القرار مصيري·· لأننا لا نريد أن نتيه في الصحراء عشرين سنة أخرى مثل بني إسرائيل·· لقد تهنا نصف المدة·· وهذا يكفي·· وولد جيل جديد خبر الفضاء المفتوح جيدا·· ولا يخشى السير فيه·· أو الخروج منه·· بل يكره الطواف والدوران كحمار الرحى·· وما أكثر ما طفنا في دوائر مغلقة·· فسقط منا من سقط بسبب الدوار·· وهزل من هزل بسبب الجوع والعطش·· ومات من مات· اليوم·· ثمة طريق جديد·· وأمل جديد لكل السائرين·· ومن السهل على التائهين تحديد مواقع وجودهم بواسطة جهاز (ج ب س) الديمقراطي·· وهو جهاز سهل الاستعمال·· وغير ممنوع·· ولا يقتضي الحصول عليه تهريبه عبر الحدود·· أو تضمينه حاوية صينية مغشوشة بالكامل·· فالصين لا تبيع الديمقراطية·· ولا حتى النسخ المقلدة منها·· فكونفوشيوس يصدر لنا ما نأكل لا ما يجعلنا نفكر·· كل ما هو مطلوب أن نقتنع بأن الصحراء ليست مكانا للإقامة الدائمة·· بل هي معبر لمن يحمل خيمته على ظهره·
قناعتي أن طريقنا إلى التغيير·· يبدأ بإدراك أن الحرية غير قابلة للاستيراد·· لأنها مما ينتج محليا·· وعلى المقاس الوطني·· ويكتب عليه (صنع في الجزائر) ·· ولا يتولاها مستوردو الحديد والثوم·· ويتحقق هذا الطريق بالسير إلى الأمام·· وليس بفلسفة التيئيس ومراوحة المكان· فنحن الجزائريين·· لسنا بحاجة إلى دروس تقوية الذاكرة أو تعزيز الفهم·· كي ندرك ما يدور حولنا·· ونعي قواعد اللعبة·· ونحل المعضلات المتشبثة بنا·· لأن مصيبتنا المزمنة تكمن بالدرجة الأولى في كثرة الكلام·· وقلة الحركة·· ورواج الخداع السياسي بيننا· فأغلبنا·· أو قل إن تسعين في المائة منا ينامون يوم الانتخاب·· أو يلعبون الدومينو طول النهار·· أو يثرثرون بلا طائل·· أو يتفلسفون بعدم جدوى التصويت·· أو ينشغلون بفوز المنتخب الوطني على جمهورية بوركينافاسو في ملعب محلي·· ولا يتحرجون إطلاقا من إهدار أصواتهم في هذا اليوم الحاسم ·· ولا يتساءلون عن مدى مسؤوليتهم في استمرار حكومة الفشل في أداء فشلها·· ولا عن أهمية أن يكونوا حاضرين في مراكز الانتخاب بقوة من أجل مستقبل أبنائهم·· إن زهدوا في مستقبلهم هم·· ومن أجل أن يساهموا في ترحيل الوجوه القديمة التي تتشبث بجسد الدولة الجزائرية·· وتأبى أن ترحل أو تموت!! ٌٌٌ أمامنا فرصة للتغيير·· لا تأتي بخارقة أو معجزة·· فالله تعالى لا ينصر الكسالى·· بل يحث العجزة على هجرة الأساليب البالية والإقلاع عن الأفكار العقيمة·· وأن يعي الناس أن الألم جزء من حركة التغيير·· ولا أمل في إنجاز تغيير حقيقي خارج الشعب·· الشعب الحي وليس المزروع في غرفة الإنعاش الحكومية· المغاربةوالتونسيون والمصريون·· وغيرهم من شعوب الأرض·· ليسوا أجدر منا·· كل ما فعلوه أنهم تحركوا يوم الانتخاب·· فاختفى اللصوص·· أما نحن فقد باركنا اللصوص·· ودعوناهم لزيارة مراكز الانتخاب·· وعندما خرجوا محملين بالصناديق· · تمنينا لهم عهدة سعيدة·· وكل عام والجزائر بخير· فهل نفعلها مرة أخرى·· أم نجرب السير في الطريق الأخرى؟