مقارنة مع الجيران مثلا: المواطن مازال يتظاهر على الأقل، بأنه كريم يفعل الخير، فهو على الأقل يردّ السّلام، وقد يعطي الدينار للمتسول على قارعة الطريق الذي يشتكي من ضيق الحال وسياسة لهبال التي جنت عليه! أمّا إن كان هذا مسؤولا وقمقوما على رأس شركة ''بايلك'' تابعة للحكومة وليست ملكا له، فقد يصبح أكرم من حاتم الطائي، مع كلّ من يحتاجهم خاصّة إن كانوا من الذين رفعوا شأنه أو يهددون مكانه! فهو في هذه الحالة ''ايدير الخير'' ولا ينساه! ولا تفارقه حكاية ''ادهن السير يسير! فليأت الطوفان قبيل أيام عاد أحدهم من زيارة لإحدى البلدان المجاورة. وصاله جشع بعض الخلق -ليس من فقر وفاقة، لدرجة أن الواحد إن رد عليك السلام، طالبك بأن يأخذ مقابلة (في الدنيا) أي دينار وليس في الآخرة لأنه لا يصبر! وهو سلوك تطور مع بناء عقلية مصلحية وفردية، عنوانها الأكبر'' من بعدي أنا (ثم أولادي) فليأت الطوفان!''. أما عنوانها الأصغر فهو ''دير الخير وانساه'' مع الذي يضمر لك الشر، أو يستطيع أن يضع لك حجرة في الصباط، أو يجعلك تخلد في منصبك حتى تحمل على الأعناق لتنضم إلى قافلة المرحلين من الرفاق! وعلى العموم المنصبون في المناصب في هذه البلاد، ممن يوصفون ب''مديري الغفلة'' الذين وصلوا حين كان الذيب يتسوق، بعد أن يخرج مطمئنا من الغاب الذي سكنه، ما يسمى بالإرهاب، مازالوا إلى اليوم واقفين وقفة البلاد على ''رجيليها وكرعيها''، أو وقفة زعيم الشرطة علي تونسي مثلا، وهو الذي استند على فكرة الجهاد للبقاء والخلود في المنصب، باعتبار أن المجاهد لا يستقيل (ولا يقال) أيضا، وهذا مالم يقله. وهذا لسبب بسيط، وهو أنه يجاهد في''سبيل الله'' ولا يطلب دينارا ولهذا يكون بن حمادي، قد فكّر وقدر بأن العلم هو المنقذ لها بعد أن عجز عن استرداد أموالها الطائلة، حيث تفرقت كما تتفرق الأغنام حين ترى الذئاب أو تدك رؤوسها في الرمل كالنعام. حتى وإن كان أبو فهامة الأول أي الوزير الأول طمأنه بأن الاقتطاع إذا كان يتعلق بالوزارات غير الوفيّة سيتم مباشرة من ميزانيتها، ودون استشارتها! كذلك الذي ردّ السلام ويريد الملموس! وعلى ذكر علي تونسي الذي كوّن دولة البوليسية في الجزائر، وصارت له منابر ''إعلامية''، نصبت نفسها ناطقة رسمية باسمه، وتتابع أخبار درودكال غير المقبوض عليه أبدا، وهو في السهول والجبال في كل صغيرة وكبيرة، وفي نومه وفي مرضه! فهذا الرجل أقول، ترفع شرطته هذه الأيام شعار ''العلم في خدمة الشرطة، والشرطة في خدمة المواطن'' شرط أن يكون هذا الغاشي عينها وليس يدها، وإلا تداخل الاختصاص ونجا السارق واللصّ وولد الحرام بين الإثنين! ودعا لهما بدوام الحال.. وإن كان دوام الحال من المحال! والمهم أن العلم اليوم مهم في مكافحة الجريمة، ولابد أن يكون الشرطي عالما ببعض الأمور ومدركا لكلّ أنواع الفجور، وعارف بكل فنون الاحتيال (الذهني والإلكتروني)! وهذا الأمر يكون قد فهمه صاحبنا في اتصالات الجزائري المدعو موسى بن حمادي.. فقد توهم حتى هو أنه عالم، بل ومصدر علم (حديث) كما يقول عنه الذين يعرفونه، وهو لا يكاد يميز بين الألف والعصا في العربية، وبين أن أي بمعني حمار و''أم'' أي يحب! وهو السبب الذي جعلهم ينصبونه على الشركة (الوطنية) لكي ينقذها بعد أن وقعت قبله في يدي ''إعمار''، على وزن شركة الإمارات الهاربة من الديار، وتحول إلى ضحية مهددة بالانهيار! والعلم بالطبع مصدره الشرطة، ولهذا أعلن بن حمادي بأن أفرادها (العلميون) مع عائلاتهم سيستفيدون من تخفيض يصل إلى النصف على الهاتف الثابت (كالشجرة) والنقال (كالبائع المتجول). ولاحظوا جيدا أن حضرة مدير اتصالات الجزائر الذي هو صاحب الفضل، هو نفسه الذي تنقل لمديرية علي التونسي للتوقيع، وليس العكس كما يفترض، فهل رأيتم واحدا مثله بهذا الكرم الحاتمي، يدفع من جيبه (أي جيب الحكومة)، ويحمله بيده ويسلمه ثم يشكرهم، لأنهم قبلوا هديته! ولنفترض الآن أن الشرطي يلزمه هاتف نقال وثابت،باعتباره مواطنا، ولابد من تدعيم حقوقه في مجال الكلام (والهدرة) كباقي المواطنين وأكثر، فلماذا هذا الكرم على العائلة والأبناء، إن لم يكن (شيته يايخة) ومفضوحة وأكثر من هذا تمييزا بين أفراد المجتمع الواحد؟ وإزاء صرف المال العام؟ توريت مزايا الجهاد!! قد يكون مدير اتصالات الجزائر، ليس وحده الذي يقدم خدمة لغيره بالمال العام. فمدير الجوية الجزائرية الآيلة إلى الإفلاس بعد أن بيع أسطولها القديم بثمن بخس، حتى هو قدم خدمة لأفراد الجيش، بعد أن خفض تذاكر السفر على الخطوط الخارجية إلى النصف مع عائلاتهم، وبهذا يتصرف صاحبنا وكأن الشركة شركته، وليست شركة عمومية، بل إن طيران الخليفة (المحل على شاكلة جبهة الإنقاذ لصاحبها عباسي وبلحاج) لم تفعل ذلك، وإن طرقت كل أبواب الشر والخير، لكي تحيا طول العمر، وهو ما لم يشفع لها! أما ظاهرة التبجح بفعل الخير في الجزائر بالمال العام، فهي قديمة منذ أن تركت السلطة الباب مفتوحا في ملفات تعويضات المجاهدين، بصفتهم الحقيقيين والمزيفين، والحزب الأخير هو الغالب بالتأكيد! وفي كل مرة تبتدع العائلة الثورية نسبة إلى الثورة، وليس إلى الثور الأبيض الذي أكل يوم أكل الثور الأسود فكرة لتوسيع دائرة امتيازاتها وحتى توريثها لتصبح متداولة أبا عن جد، ولا يوجد أمل في توقيفها أو معرفة حدودها! فمن هذا الشأن لا تنقصنا بدء بنقل المنحة إلى الأولاد والزوجة وحتى إعطاء الأولوية في التوظيف والمناصب لهؤلاء. حتى وإن كانوا بمستوى الدواب ثقافة وعلما أو بعقول عصافير وجسم فيل، وعليهم أثر السمنة من قلة الفطنة! وهذا الداء الذي انتشر في البلاد وقضى على كل قيم العلم والكفاءة والمسؤولية، وحوّل الدولة إلى محمية لفئة معينة امتدت عدواه لتشمل حتى البسطاء! فهم يريدون توريث أبنائهم مهنتهم، ولو كانت مهنة كناس زبال! وبعضهم من العمال كما قرأنا في الأخبار حول مافيا الإسمنت المسلح يطالبون بأن تكون لهم حصة سنوية من الأكياس كل عام، يبنون بها أو يبزنسون فيها ومثلها يسعى كل واحد إلى استغلال حتى إعاقته للكسب• فإن كل عامل (وبطال) ورب عامل يسعى على مستواه لكي يمارس سياسة الاستئصال، كما مارستها السلطة في الملف الأمني، حيث مايزال يعشش الإرهاب ولا يزال يضرب الأعناق، وكل الذي حدث أن الإرهاب نفسه خلق طبقة مستفيدة من أصحاب النياشين التي لا تملأ العين! فهل وصلنا الآن إلى خاتمة مسلسل الإرهاب بعد أن صار لدينا مجتمع مفيد، يقول هل من مزيد؟ ومجتمع غير مفيد يستند إلى الجدار أو يخطط لكي يولي الأدبار من شر ما يرى وما يسمع. والسابقون يقولون عن الشيء، تسمع به خيرا من أن تراه! فلعل أمثال بوعبد الله وحيد (القرن) في الجوية وموسى (بعصاه) في التيلكوم، يسعيان لتنظيم حافلة وطنية تدعو بقايا المؤسسات العمومية للاقتداء بهما لتقديم هبات للأقوياء والأثرياء (ليأمنوا على الأقل شرهم)!! والعصا للفقراء المحتجين