سيدي الرئيس لقد مسنا الضر مأساة إنسانية نسجت خيوطها منذ الخميس الماضي، غير بعيد عن الجزائر العاصمة، وبالضبط ببوفاريك، قبالة المطار العسكري لبوفاريك وثكنة عسكرية ومقر للدرك الوطني، داخل حقل زراعي، هناك نصب المئات من الحرس البلدي أشبه ما يكون بالمعسكر، اتخذوه محطة فاصلة أرادوه عنوانا «لرفع الحڤرة» عن هذه الشريحة. في مخيّم الكرامة…. وأنت تمر على الطريق السريع البليدة العاصمة، في شقه ببوفاريك، يخيل للمرء أنه يجري التحضير لوضع ديكور لأحد أفلام الغرب الأمريكي، خاصة أن العشرات مما يشبه «أعشاش الهوند الحمر»، قد نصبت على مستوى المزارع المحاذية للطريق، الأعشاش تلك لم تكن لإنتاج فيلم بل لإنتاج قصة مأساوية أبطالها 8 آلاف عنصر من الحرس البلدي اختاروا تلك المزارع والحقول مقرا لاعتصام الكرامة، بعدما تحولوا من مقر مفرزة الحرس البلدي بالبليدة. رغم تحولهم الاضطراري من العمل في إطار مكافحة الإرهاب إلى الاعتصام، حافظ عناصر الحرس البلدي على تنظيمهم وانضباطهم، حيث يقود مخيم الاعتصام المنسق الوطني للحرس البلدي حكيم شعيب، الذي كان يسدي التعليمات للمعتصمين، ينصت لانشغالاتهم، ويجري الاتصالات مع المنسقين الولائيين عبر هاتفه النقال، وهو يفترش قطعا قماشية بسيطة، وتحت أغصان شجرة خوخ محاطا بحوالي 20 فردا كانوا ينتظرون خبرا يلقيه عليهم شعيب قد يكون كفيلا بإعادة الابتسامة إلهم ويعيدهم إلى أهاليهم. لم يتخل العديد من المعتصمين عن لباسهم الرسمي، رغم طلبات رسمية تلقوها بضرورة التخلي عن اللباس أمام الصحافة وعلى الأقل أمام المارة، لكن الطلبات لم تجد سبيلا إلى التطبيق. أحضرت ابني ليتذكّر المأساة يصعب على الواحد أن يقف عند نموذج لمعاناة الحرس البلدي، فالجامع بينهم أنهم «محڤورون» تخلت عنهم الدولة بعدما استنجدت بهم أثناء الشدة»، لكن بين تلك القصص، توقفنا عند حميش رابح ابن مدينة بني عمران ببومرداس والذي قضى 13 سنة خدمة في صوف الحرس البلدي، وفجأة وجد نفسه ببوفاريك. قصة رابح تختلف عن زملائه، لأنه أحضر ابنه محمد ذا العشر سنوات إلى الاعتصام، محمد لم يستوعب لحد الساعة ما يحدث له، فهو لا يزال يحتفظ بابتسامة عريضة، يحيّ كل من يمر عليه، فهو ببساطة «مدلل مخيم الاعتصام». على النقيض، يحمل والده رابح مرارة كبيرة، ويقول «من يرضى أن يترك عائلته في أول أيام رمضان ويأتي إلى هذا المكان لولا الحڤرة التي تعرضنا لها من الدولة التي استنجدت بنا في منتصف التسعينيات والآن صرنا عالة عليها». وعن سبب إحضار ابنه يقول دون تردد «لم أمتنع عن إحضاره لسبب بسيط، وهو أن عليه أن يعرف وأن تبقى في مخيلته المأساة والمعاناة التي عاشها والده الذي خدم الوطن ولم يأخذ منه شيئا». المرارة نفسها تحدث عنها عمار من قالمة الذي لايزال مكسور الرجل بعد إصابته في المسيرة، وكذلك الشاب عمر من أزفون المصاب على مستوى الحاجب، أو مسعود من الشلف. رغم التهاب الطقس.. حرارة الأخوة أقوى شرع عناصر الحرس البلدي في التحضير لأيام طويلة باعتصام الكرامة، ويوم أمس وصلت الإمدادات وهي عبارة عن قدور ضخمة، وكميات معتبرة من الخضر خاصة البصل والطماطم، حيث سيعتمد المعتصمون على سواعدهم لتحضير وجبة الإفطار، بعد يوم طويل من الصيام، خاصة أن حرارة الجو في العراء أنهكت الكثير منهم، ولم يجدوا سوى الاستسلام للنوم في انتظار أذان المغرب، ليستعيدوا بعد القوة تحضيرا ليوم قادم في مخيم اعتصام الكرامة. ونحن نتحول في المخيم من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى، كانت الكلمة الأكثر تداولا «الحمد لله أنا مع إخوتي». ويؤكد كل من توقفنا عندهم، أن التعب قد زال والظمأ قد ولى، نتيجة التآزر والإخوة والتضامن التي طبعت كل شبر داخل المخيم، رغم قصر مدة تعارفهم. شكرا سكان بوفاريك… شكرا لكل الجزائريين بقدر النظرة السلبية التي يحملها الحرس البلدي على السلطات العمومية، خاصة وزارة الداخلية والأمن الوطني، الأولى لوعودها الكاذبة على حد تعبيرهم، والثانية لتدخلها العنيف أثناء مسيرة 9 جويلية الماضي خلفت 60 إصابة في صفوفهم حسب أقوالهم فإنهم لقوا كل العناية والمؤازرة من عموم الجزائريين بعد مسيرتهم الأولى، زيادة على الدعم من أهالي بوفاريك، وطلب منها المعتصمون عبر «البلاد» أن نسدي الشكر الجزيل لسكان بوفاريك الطين لم يبخلوا عليهم وأغدقوا عليهم بالطعام في أول أيام رمضان. عبدالسلام. س المنسق الوطني للحرس البلدي حكيم شعيب ل«البلاد» «إما أن يستجيب الرئيس وإلا فلن نعود إلى الخدمة» قدر المنسق الوطني للحرس البلدي حكيم شعيب، عدد المعتصمين لحد الساعة (أمس السبت) ب8000 عنصر ويتوقع أن يصل العدد بداية من اليوم إلى 15 ألفا. ونفى محدثنا معلومات تفيد بخروج الحرس البلدي في مسيرة باتجاه رئاسة الجمهورية اليوم الأحد. وتحفظ شعيب، في لقاء ب«البلاد»، على تقديم تاريخ معين للمسيرة الثالثة، فقال «نحن نخطط لكل تحركاتنا، وقد نخرج في أي وقت»، مضيفا «هذا راجع إلى الظروف المحيط بنا». وينفي شعيب الاتهامات الموجهة إليهم من السلطات العمومية بأنهم قطعوا الطريق، ويلصق الاتهامات تلك بالأسلاك الأمنية، ويزيد على ذلك أنهم تعرضوا للضرب أثناء المسيرة من الأمن الوطني. وأبدى حكيم شعب، تذمرا من تصرف المندوب الولائي للحرس البلدي بالعاصمة، الذي قرر بطريقة استثنائية تجميد صرف رواتب 850 منتسبا للحرس البلدي، والأمر نفسه على مستوى ولاية بومرداس، وتلقى عدد من زملائهم إشعارا بالفصل من السلك دون وجه حق على حد تعبيره. يؤكد شعيب أن الحل بيد رئيس الجمهورية، بعدما أغلقت الأبواب في وجههم، ويقول «لم يبق لنا إلا رئيس الجمهورية، ونحن ننتظر ما يقوله لنا فحينها سنعود إلى بيوتنا ولن نعود للحرس البلدي».