قالت إنها صدمت بجمال الجزائر، غير أن الأميرة الدمشقية صدمتنا هي الأخرى بجمالها الأخاذ، تحدثت لنا عن المرأة العربية التي ترى أنها لا تزال تحمل عبء التقاليد الشرقية، تحدثت عن تجربتها الروائية التي يقول عنها النقاد إنها أقوى صوت نسائي عربي، وبين هذا وذاك، يرى الزائر لطبيبة العيون الأشياء بشكل أجمل.. وأروع.. عرفت بكتاباتك الجريئة عن المرأة، أليس الأمر صعبا في المجتمع الشرقي الذي يرفض هذه الأمور؟ صحيح أن جزءا كبيرا من كتاباتي عن المرأة، لكن لا نستطيع التناقش حول المرأة بمعزل عن موضوع الرجل والمجتمع، فالمرأة كائن له علاقات مع محيطه، وبالنسبة لي حين أتناول موضوع المرأة فأنا أتطرق الى شبكة من العلاقات والعقليات الاجتماعية والعادات والتقاليد والقوانين. لكن ألم تواجه طروحاتك الجريئة والصدامية مشاكل مع بيئتك؟ بالطبع واجهت صعوبات ولا أزال، لكني أجدها عادية وطبيعية، لأن الكتابة كما أفهمها هي فعل ثوري، فما فائدة الكتابة إن لم تكن عملا شجاعا يهدف الى تغيير المجتمع. التغيير بمعنى التكسير؟ لا، بل بمعنى فهم واقعنا فهما دقيقا وتحليله، وبالتالي حين تعرف المشكلة تكون قد توصلت إلى نصف الحل، وعليه، كما قلت لك، فإن كل كتاباتي ثورية في عمقها لأنها تهدف إلى التغيير وتطوير المجتمع والى حياة أفضل وأكثر كرامة. * المفاهيم الشرقية ترى أن المرأة جوهرة يجب الإغلاق عليها في صندوق يصونها.. هذه المقولة خاطئة في رأيي، وفيها احتقار للمرأة، لا أؤمن أن هناك رجلا وامرأة، بل هناك إنسان يجب أن يتمتع بالاحترام وشعوره بكرامته وإنسانيته وأنا أؤمن أيضا بأن الرجل والمرأة كائنان متساويان تماما. يعني مساواة غير محدودة؟ لا، لا يوجد شيء في الحياة غير محدود، لأن الناس ترتبط مع بعضها بمجموعة من العلاقات والاعتبارات، فأنا مثلا أم لا تستطيع أن تتخذ قرارا خاصا بها دون الأخذ بالاعتبار انعكاس هذا القرار على ابنتيها وأسرتها أو عملها، فلا توجد هناك حرية دون الإحساس بالمسؤولية ودون مراعاة للمجتمع وعاداته أنا لا أحب التكسير كما قلت لك، أحب التغيير عن طريق خطط مدروسة وعقلانية وبأقل أذى ممكن لأن التكسير لا يؤدي إلا للحطام وليس إلى بناء جديد. ألا ترين أن تعرضك للمرأة بتلك الطريقة ميز أعمالك الروائية؟ أحب أن أقول لك إنه لدي 09 روايات و12 مجموعة قصصية ومعظمها تحكي عن نساء وشخصيات مهمشة ومسحوقة، غير قادرة على إيصال وجعها وصوتها، لأنه لا أحد يلتفت إليها، أنا أعتبر نفسي كاتبة المهمشين وأظن أن عملي في مشفى حكومي ساعدني على ذلك. كيف ذلك؟ لأن المشفى الحكومي عينة صغيرة عن المجتمع، ترى فيه كل الحالات، يعني كتبت عن الممرضات والمرضى وعن مواقف إنسانية، فاستطعت تقمص هذه الشخصيات والتعبير عنها، أقول لك إني أرغب أن يكون لدي دور في هذا المجتمع، وأن أكون شاهدة عصر على الحقبة التي أعيش فيها وأن أنقلها بنزاهة وصدق وعمق. تلجئين دوما لاختيار العناوين الصدامية والمثيرة كضجيج الجسد، ما فائدة مثل هذه العناوين؟ أولا سأعترف لك بشيء، لم أختر عنوان ضجيج الجسد بل اختارته "دار النهار" التي نشرت الطبعة الأولى. وماذا عن مجموعة "الساقطة" التي تحصلت على جائزة أبي القاسم الشابي؟ طبعتها لأول مرة عند "رياض الريس" وهو من اختار الساقطة وكنت قد وضعت الصرخة كعنوان للمجموعة، أما رواية "يوميات امرأة مطلقة"فاخترت عنوانها لأنها روايتي الأولى وهي أشبه بسيرة ذاتية ناقصة. أي أنها تعكس تجربتك الشخصية؟ هي مسيرة ذاتية عن تجربة شخصية تماما، ولكنها سيرة ذاتية ناقصة، وعادة، السيرة الذاتية هي آخر ما يكتبه الكاتب، وأنا حدث معي العكس لأني كنت أعاني من مشاكل مؤلمة ومزمنة مع المحاكم الروحية المسيحية، فكتبت يوميات مطلقة ولا أظن أن العنوان مثير، وتعليقا على سؤالك فأنا لا مانع عندي أن يكون العنوان مستفزا، فالعناوين المستفزة والملفتة تثير القارئ وإلا لما سعت إليها دور النشر. لو نعود للحديث عن جائزة أبي القاسم الشابي، فماذا قدمت لك؟ الكثير، لأنها جائزة على مستوى الوطن العربي وتعطى لعمل واحد وشاركت ضمن 150 مخطوط قدمه كتاب مهمون جدا، وأرى أن الجائزة تمثل اعترافا بإبداع امرأة جريئة وبنظرة جديدة للأمور فمواضيع الحب والكره والغيرة والانتقام مطروحة منذ الأزل، لكن ما يميز الكتابة عنها هو الرؤية الجديدة وأعتقد أني في "الساقطة" تناولت مواضيع كثيرة وحساسة وجريئة لكن من وجهة نظر عصرية. برزت في المشهد الأدبي العربي نساء يكتبن بجرأة أكثر من الرجل، ألا توافقين؟ اسمح لي، فأنا أخالفك الرأي، فأنا مطالعة نهمة، وهناك كتابات لرجال جريئة فوق ما تتصور، وأعتقد أن الكتابة النسوية غير جريئة إلا في حالات نادرة جدا، يعني أرى أن الكاتبات يستعملن أساليب المواربة والى حد ما الأساليب المكتوبة لإيصال أفكارهن وهمومهن، ويحسسن بالكبت العاطفي والنفسي ويستفضن في التعبير عن هذا الكبت. * لكن معظم الكتابات النسوية لا تخرج عن إطار الجنس والمحظورات المجتمعية.. أعتقد أن كتابة المرأة يجب أن تعبر عن المجتمع في كل جوانبه، وليس فقط تلك المشاكل العاطفية والجنسية مع الرجل، صحيح أن هذا الموضوع مهم لكنه لا يجب أن يكون الوحيد، وأنا أجد أن معظم كاتباتنا وقعن في هذا المطب. ما هو صدى الكتابات النسوية الجزائرية في المشرق العربي؟ صدقا.. لا أعرف.. لأن هناك نوعا من العزلة الثقافية، فهناك كتب كثيرة تصدر في الجزائر لا نحصل عليها في سورية أو لبنان. ما هو السبب؟ بالإضافة للعزلة الثقافية، أعتقد أن دور النشر غير قادرة على إيصال إصداراتها، وبالنسبة لي أنتظر معارض الكتب كي أحصل على الكتب الجزائرية أو المصرية الجديدة، وأرى أن الشراكة بين الدار العربية للعلوم ببيروت ومنشورات الاختلاف الجزائرية نموذج رائع يجب أن يتحدى به من قبل دور النشر العربية، لأن ما يطمح إليه المبدع هو أن توزع كتبه في كل مكان، وأقول لك من جهة ثانية أني رغم امتلاكي ل 10 أعمال مطبوعة فإنه آلمني أنني لم أكن معروفة لدى المبدعين التونسيين إلا بعد حصولي على جائزة أبي القاسم الشابي وأنا بدوري لم أسمع عن هؤلاء المبدعين، وحدث هناك نوع من الاهتمام، بما أكتب، وأنا أحمل المؤسسات الرسمية من وزارات ثقافة وإعلام مسؤولية كسر هذه العزلة قلت إن الشراكة بين العربية للعلوم و"الاختلاف" نموذج رائع، ألا ترين أن مثل هذه الشراكة تبدو مستحيلة في ظل الخلافات السياسية بين الدول العربية؟ معك حق، ولكني أطمح لأن تلعب الثقافة دورا في تخفيف حدة الخلافات السياسية، وأظن أن هذا ممكنا لأن الثقافة هدفها دوما التقارب والتسامح بين الشعوب والثقافات. كيف استطعت الجمع بين الطب الذي لا يعترف بالمشاعر والكتابة الإبداعية؟ أولا الطب لا ينفي المشاعر على الإطلاق، الطب والأدب موضوعها الإنسان، فكما أن المريض يبوح للطبيب بوجعه الجسدي والنفسي، فالمرضى أيضا يبوحون بأسرارهم للأطباء إن كان الطبيب متفهما وإنسانيا وبالنسبة لي حدث معي تزاوج رائع وجميل بين طب العيون والأدب لأن الطب جعلني كاتبة واقعية، فهناك كتاب يعيشون في الأحلام ويتخيلون أشياء لا صلة لها بالواقع وبطبيعة النسيج الاجتماعي والنفس البشرية. كيف تنظرين ككاتبة وطبيبة إلى هذه النفس؟ عملي كطبيبة عيون خاصة في مشفى حكومي وعيادتي جعلني أفهم أن الإنسان كل متكامل فهناك عشرات القصص القصيرة التي كتبتها وهي من وحي لقطات إنسانية أو مواقف كنت شاهدة عليها، كما أن لدي رواية عن إحباط جيل كامل من الأطباء، وهي رواية "نسر بجناح وحيد" التي قدمها لي الروائي جمال الغيطاني تقديما رائعا وقال إن أدب هيفاء البيطار شهادة عصر متميزة وإن صوتها هو أقوى صوت نسائي حتى الآن، وأضيف لك أني أمارس عملي كطبيبة بعين الكاتبة والعين المحبة التي تغوص فيما وراء الأشياء. زرت سابقا الجزائر، فهل صورت لك الزيارة مشروع كتابة جديدة؟ أنا أكتب عن أي مكان أذهب إليه، وهذا واجب الكاتب ثم إنه لدي زاوية أسبوعية في صحيفة الثورة السورية وبعد الندوة التي أقمتها بالمكتبة الوطنية لدى زيارتي الجزائر لم أستطع النوم لأني كنت بحالة انبهار شديد فكتبت ثلاث صفحات عن هذه الزيارة والندوة وأرسلتها لجريدة "الثورة" السورية. أخيرا.. أيهما أحلى، ياسمين الجزائر أم ياسمين دمشق؟ لا أستطيع الاختيار، أنا فعلا أحسست بحب كبير للجزائر، وصورت 40 أفلام كاميرا من شدة افتناني بها..