من يزور مدينة قسنطينة لا يمكنه أن يجول بشوارعها ويكتشف أزقتها القديمة دون أن يمر بجسورها، ومن يسأل عن المدينة العتيقة يقال له بعبارة مقتضبة»عليك بزيارة السويقة»، نعم هي التي ألهمت الفنانين والكتاب والشعراء والرسامين ورسخت في «ذاكرة الجسد» للأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي وغيرها من الكتاب الذين تشبثوا بالمدينة وألهمتهم الكثير. حي «السويقة» عبارة عن تجمع سكاني وتقاطع شوارع ضيقة تتواجد به محلات تقليدية يباع فيها كل ما لذ وطاب من مأكولات شعبية وألبسة تقليدية مثل «جبة الفرقاني» وحلي والنحاس أيضا، ولكنه يبقى في قلب الذاكرة العميقة لمدينة «سيرتا . «السويقة» العتيقة هي القلب النابض في قسنطينة على اعتبار أنها تدب بالحياة وطول النهار. كما تتواجد في «السويقة» العديد من الأحياء القديمة من بينها «القصبة» العتيقة التي تشبه إلى حد بعيد قصبة الجزائر العاصمة وكذا «سوق العصر»، الذي يدب بالحياة ويقصده الزبائن من كل حدب وصوب. شوارع «السويقة» العتيقة ضيقة بلاطها من الحجارة الملساء التي تذكرنا بالمدن القديمة ودون أن يشعر الزائر، فإنه يجد نفسه في كل مرة يدخل إلى حارة أخرى، فكلها تتشابه من حيث البناء وتختلف في التسميات فقط. فمن «السويقة» العتيقة نلج مباشرة إلى سوق العاصر وهو من الأسواق القديمة في قسنطينة تباع فيه الخضر والفواكه في وسطه، بينما تحيط به محلات بيع القماش والأدوات المنزلية والملابس والأحذية، هذا السوق سمي ب«سوق العصر» لأنه في السابق وقبل عشرات السنين كان تجار الخضر والفواكه يوقفون البيع عند سماعهم لآذان العصر، حيث يتركون كل ما بقي من سلعهم ليستفيد منها الفقراء ولهذا تغنى به مختلف الفنانون وخصوصا في أغاني موسيقى «المالوف» الطابع الفني القسطيني، فكلما تغنى فنان بمدينة الجسور المعلقة تجده يذكر سوق العصر، بل ويطلق عليه «سوق العصر حبيب المسكين»، لأن الفقراء كثيرا ما يلجأون اليه بعد صلاة العصر ليأخذوا ما تبقى من الخضر دون دفع الثمن. ولكن في يومنا هذا لم يبق السوق على حاله، لكنه مايزال يستقطب مختلف الشرائح وخاصة الفقراء فالأسعار المتداولة بين الباعة منخفضة بالمقارنة مع وسط المدينة، بل ويحن له سكان قسنطينة الأصليون، لأنه مايزال يحفظ ذاكرة المدينة العتيقة. واللافت للانتباه أن من يدخل المدينة العتيقة تخطف آذانه رنات وألحان موسيقى المالوف وهي الموسيقى المعروفة في المنطقة والمتجذرة فيها، وهناك من توارثها أبا عن جد، والمالوف موسيقى أندلسية معروفة في الجزائر دون غيرها من المدن الجزائرية. وبالرغم من أن مدينة الصخر العتيق فقدت عراقتها منذ سنوات عندما تركها سكانها وغادروها ليسكنوا الأحياء الجديدة إلا أننا هنا بقلب «قصبة» قسنطينة تأكدنا أن أغلب المدن الجزائرية تتشابه، خصوصا تلك التي ما تزال تحمل آثار وبصمات البناء التركي وكذا البناء الفرنسي، خصوصا في حارات قسنطينة التي تشبه بناءاتها قصبة الجزائر إلى حد بعيد، وكأننا أمام عمارات «باب عزون»و»زوج عيون» بالجزائر العاصمة وقلب القصبة أيضا، فالصور تتشابه والديكور هو نفسه، لكن الاختلاف يكمن فقط في اللهجة التي تختلف من منطقة إلى أخرى وكذا نوع الموسيقى التي تنبعث من المنازل القديمة ومن المحلات في الحارات، فهناك في الجزائر العاصمة موسيقى الشعبي لبوجمعة العنقيس والحاج الهاشمي ڤروابي وهنا في قسنطينة مالوف محمد الطاهر الفرڤاني.