بعدما تعالت أصوات منادية بإلغاء نسبة 7 بالمائة ضرب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمطالب الطبقة السياسية عرض الحائط، ولو مؤقتا على الأقل، فيما يتعلق بتعديل قانون الانتخابات وكذا تشكيل لجنة وطنية لصياغة الدستور المرتقب، وبدا مصرّا على تركيز أولويات الحكومة الجديدة ضمن الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية. ولم يتطرق مجلس الوزراء الأول الذي جمع أول أمس الرئيس بأعضاء حكومة عبد المالك سلال، لا من قريب ولا من بعيد، إلى القضايا السياسية المطروحة على الساحة الوطنية، رغم تعالي الأصوات الحزبية في الآونة الأخيرة بضرورة تعديل القانون العضوي للانتخابات، لاسيما إلغاء المادة 66 منه، التي توصف ب«الإقصائية»، وهو المطلب الذي أصبح يشكل «شرطا أساسيا» لدى بعض الأحزاب لقبولها بخوض غمار المنافسة الانتخابية المقررة في 29 نوفمبر المقبل، بل تعدت دعوات أحزاب أخرى إلى مطلب التعديل الشامل للقانون، بما يكرس آليات الرقابة تحديدا، مثلما ذهب إلى ذلك حزب العمال وحركة النهضة والإصلاح الوطني وجبهة الجزائرالجديدة وحركة حمس والجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية وغيرها. ولم يقتصر الأمر بهذا الصدد، على تحفظات الفاعلين السياسيين، إذ إن مضمون القانون العضوي للانتخابات كان محل «ملاحظة» في التقرير النهائي لبعثة المراقبين الأوروبيين، باعتباره حسب هؤلاء لا يشجع مبدأ تكافؤ الفرص، وقد صدر القانون العضوي رقم 01 – 12 المؤرخ في 12 جانفي من سنة 2012 ، في إطار حزمة من مشاريع القوانين التي قدمتها حكومة أحمد أويحيى للبرلمان المنتهية عهدته، تجسيدا للإصلاحات السياسية والدستورية التي أقرّها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للأمة ليلة 15 أفريل العام 2011، ولم يثر النص التنظيمي المذكور ردود «فعل معارضة» آنذاك، لكن بمجرد الإعلان عن نتائج تشريعيات 10 ماي، وما ألحقته من انتكاسة مذهلة بأطياف المعارضة، جراء تطبيق نسبة 5 ٪ وفق بعض القراءات، حيث سمحت لجبهة التحرير الوطني باكتساح الغرفة السفلى ب 1،3 مليون صوت فقط، مقابل 213 نائبا في البرلمان، حتى تنادت «الأحزاب المتضررة» إلى مطلب التعديل، وتوقع مراقبون أن ترفع الحكومة الحرج عن نفسها من خلال الاستجابة لهذا الموقف، حتى زعمت بعض الجهات الإعلامية أن دحو ولد قابلية قد اقترح في وقت سابق على مجلس الحكومة مراجعة هذه المادة المثيرة للخلاف. لكن يبدو اليوم في أعقاب مجلس الوزراء الأخير، أن الرئيس بوتفليقة ربما قد أغلق هذا الملف وطواه دون رجعة، خاصة أنه لم تعد تفصلنا سوى شهرين عن موعد الانتخابات المحلية، وهو الموقف الذي توقعه بعض المتابعين للشأن السياسي في بلادنا، كون التعديل المقترح هو محل تضارب قانوني من جهة، كما أنه غير «مؤثر جدا» من الناحية الواقعية في مجريات العملية الانتخابية برأيهم، وأن التخفيض لن يغيّر في هذه الحالة من معطيات النتائج المنتظرة. من جهة أخرى، لم يحمل مجلس الوزراء أي جديد حول مسألة طرح «الدستور الإصلاحي»، والذي سبق للعربي ولد خليفة أن قال بشأنه لدى افتتاحه الدورة الخريفية إنه سيعرض على البرلمان. ومعلوم أن أغلب الأحزاب السياسية وحتى شخصيات وطنية، بما فيها فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان تتمسك بمطلب تنصيب «لجنة وطنية» من طرف الرئيس، تضم ممثلي الأحزاب وفقهاء القانون الدستوري، للإشراف على إعداد مسودة الدستور، وعرضه مباشرة على الاستفتاء الشعبي، وذلك على خلفية طعنها في الشرعية الشعبية لتشكيلة المجلس الشعبي الوطني القائم، فضلا عن انتقاصها من أهليته السياسية، حتى ذهب رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان إلى القول علنا «إنه من غير الأخلاقي أن يناقش المجلس الحالي قضية بحجم تعديل الدستور». وإذا كان من السابق لأوانه الجزم بتجاوز الرئيس لهذا المطلب، على أساس أن بوتفليقة مازال يملك الوقت الكافي لترتيب الملف، فإن البعض قرأ في عدم إدراج الموضوع أصلا على مجلس الوزراء، مؤشر على تأخير التعديل أكثر بخلاف تصريحات رئيس الهيئة التشريعية، أو ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته الدستورية، باعتماد القنوات المؤسساتية، بعيدا عن التناغم مع طروحات الطبقة السياسية.