المسيرات الرافضة للتدخل الأجنبي أمس، والمؤيدة للانتخابات والجيش، ورغم أن تنظيمها جاء في وقت سريع، وبلا تخطيط محكم مسبق، إلا أنها بعثت رسائل هامة، للداخل والخارج، وأعادت التنبيه الى وجود حقيقة أخرى على الأرض، يكون البعض قد غفل عنها. من تلك الرسائل، هو أنه اذا كان هنالك شارع رافض للانتخابات، فهنالك أيضا شارع مواز له، مؤيد لهذه الانتخابات، غير أن الفرق بين الشارعين، أن هناك شارع يستقوي بالخارج، على وطنه، حتى وإن كان فيه وطنيون وأصحاب نوايا حسنة، وهناك شارع يستقوي بجيشه على الخارج، والفرق بين الفسطاطين شاسع جدا، على الرغم من وجود عقلية بليدة انتشرت كثيرا في الآونة الأخيرة، توزع صفة “الكاشريريت” على كل من يخالفها الرأي، وتعتقد أنها تمتلك لوحدها الحقيقة، وأن الحرية والديمقراطية خلقت لها وحدها، وأن غيرها لا يستحقون صفة المواطنة، ولا حتى الآدمية. هذا يعني : أن معادلة شارع مقابل شارع، لا يمكن أن يحلها الا الصندوق، وأن لعبة تمثيل الشعب، لا يمكن أن يحتكرها أي طرف، لأن الشعب أعظم من مجموعات ومن دوائر، ومن مسيرات هنا وأخرى هناك، ولا مجال لقياس إرادة الشعب إلا عبر الانتخابات، الأسلوب الوحيد الذي توصلت اليه الحضارة البشرية الحالية، للفصل في النزاعات السياسية، والوصول الى الحكم. كما يعني، ان محاولة البعض منع البعض الآخر من ممارسة حقه في الانتخاب، هو نوع جديد من الديكتاتورية التي يدعي أصحابها محاربتها، وأن الادعاء الكاذب بأن الشعب كله، يقف اليوم في مواجهة سلطة مستبدة، لم تعد تنطلي على أحد، وأنه ليس هنالك من حل لفك هذا الاشتباك “الشعبي / الشعبي” إلا بالانتخابات فقط.