شيع، أمس، جثمان نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، بمربع الشهداء في مقبرة العالية، في جنازة رسمية وشعبية تاريخية، شهدت تنظيما أمنيا مُحكما. آلاف المواطنين قدموا من مختلف ولايات الوطن، تدفقوا منذ الساعات الأولى لصبيحة أمس، إلى قصر الشعب بالعاصمة، لمرافقة الموكب الجنائزي للراحل الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني، لكن رغبة الكثيرين لم تتحقق، وسط إجراءات أمنية مشددة بمحيط قصر الشعب ومسلك سير الموكب الجنائزي إلى غاية مقبرة العالية، حيث عرفا كل الطرق والمسالك المؤدية إليها نشر المئات من أفراد الجيش الوطني والحرس الجمهوري والشرطة والدرك وعناصر الأمن بالزي المدني الذين انتشروا في المسار الذي سلكه الموكب الجنائزي. وكان أول من سار في الرواق المؤدي إلى القاعة التي وضع فيها جثمان الفقيد المجاهد الفريق أحمد قايد صالح، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي ظهر مُتأثرا أثناء وقوفه أمام نعش الراحل، إلى درجة الإجهاش بالبكاء، لحقه تباعا كل من رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح ورئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قوجيل والوزير الأول بالنيابة صبري بوقادوم ورئيس أركان الجيش الشعبي بالنيابة سعيد شنقريحة. من بين المتوافدين على قصر الشعب أيضا، الرئيس السابق اليامين زروال ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي كان مرفوقا بوفد قيادي من حركة مجتمع السلم، إضافة إلى وفود دولية أخرى بينهم الفريق الأول صدقي صبحي مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع الذي حضر مراسيم الجنازة ممثلا للرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي حدود الساعة الحادية عشرة ونصف صباحا، حمل جثمان الفريق أحمد قايد صالح، ليوضع في عربة عسكرية غطتها ورود حمراء وبيضاء، شبيهة بالعربة التي وضع فيها جثمان الراحل بن بلة والشادلي بن جديد، لتخرج من باب قصر الشعب تحت هتافات المواطنين التي دوت في الشوارع التي سلكها الموكب الجنائزي، ومن أبرز الشعارات التي دوت ” جيش شعب خاوة خاوة، والقايد صالح مع الشهداء ” وشعارات أخرى لخصت صورة جنرال عسكري صان الأمانة ومنع إراقة دماء الجزائريين خلال عشرة أشهر من المظاهرات، وأعلن عن مرافقة الجيش والتزامه بتأمين المظاهرات، وشكل هذا الموقف تحولا بارزا في سلوك المؤسسة العسكرية مع الاحتجاجات الشعبية مقارنة بمحطات سابقة. ولم يكن نقل جثمان الراحل الفريق أحمد قايد صالح إلى مثواه الأخير بمقبرة العالية، بالأمر الهين، حيث وجد أعوان الأمن بينهم رجال الشرطة والحرس الجمهوري والدرك الوطني، الذين تولوا تأمين الجنازة الرسمية التي اكتست طابعا شعبيا، صعوبة كبيرة في صد تدافع الجموع الغفيرة أمام مدخل المقبرة. وبمجرد وصول عربة عسكرية على جنباتها باقات من الورود، تجر عربة صغيرة على متنها جثمان الراحل، تعالت الزغاريد والتكبيرات. واضطرت مصالح الأمن إلى تشييد سياج أمني محكم لمنع المواطنين من الوصول إلى مربع الشهداء. وفي حدود الساعة الثانية والنصف زوالا جيء بجثمان الراحل، وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يسير خلفه رفقة رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح وكبار قادة المؤسسة العسكرية بينهم خليفة القايد صالح سعيد شنقريحة وأبناءه الأربعة، وشرع عناصر الحرس الجمهوري في إطلاق البارود، بينما كان شيوخ وشباب يطلقون تهاليل وتكبيرات خارج أسوار المقبرة مترحمين على روح الفقيد. وكان قبر قايد صالح على بعد أمتار فقط من قربي مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر والرئيس الراحل هواري بومدين الذي يرقد قبالة الرئيس الراحل محمد بوضياف، وأمام قبره كان يقف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جانب أبناءه الأربعة، واصطف مسؤولو الدولة ممن نجحوا في الوصول إلى مربع الشهداء، في لحظة وداع تأثر لها كل من كان شاهدا على تلك اللحظات. تأبينية الراحل الفريق أحمد قايد صالح، قرأها اللواء بوعلام ماضي، ذكر فيها خصال الرجل، حيث قال: ” الفريق أحمد قايد صالح من الرجال الذين بذلوا النفس والنفيس لترتجع الجزائر مجدها، لبى نداء الوطن منذ نعومة أظافره، صدق النية مع الشعب والبلاد، بعد مخاض عسير، فلقي حسن الخاتمة “. وأضاف: ” تفقد اليوم الجزائر رجلا من خيرة الرجال، نذر عمره كاملا لخدمة الشعب، إبن بار، رجلا حمل دوما هموم الوطن، لم يضعف أمام الهزات، صافيا طاهرا في الوطنية “. وأورد اللواء بوعلام ماضي: ” الفقيد قايد صالح وعد فوفى، وحافظ على أرواح الجزائريين، وكأن الله مدى اجله القايد حتى تأدية الواجب، وأمهله حتى يرى الدولة آمنة مستقرة، ويضعها بين يدي رئيس منتخب شرعيا، ذهب علينا مطمئن القلب ومرتاح البال، رحلت بعد أن أديت الأمانة، وتركت الجزائر سائرة اكثر قوة وثقة على درب الرقي، كونت جيشا احترافيا قويا رحمة الله عليك أيها الاب الكريم “. وقال: ” نجدد عهدها أننا سنبقى أشبال وأسود الجزائر كما عهدتنا، متخدين من قيم نوفمبر المعلم والنبراس، لن نحيد مهما كانت الظروف والأفعال، كلنا عزم وفداء للوطن، سنواصل على عهدك، أيها القائد سنجعل الجزائر وشعبها قرة أعيننا، نعاهدك على السير على دربك سنذكرك جيلا بعد جيل”.