يشفع تاريخ مدينة تلمسان لها في أن تحتل صدارة الحواضر الإسلامية التي أثرت الحضارة الإنسانية بالعديد من المنجزات في مجال الفن و الكتاب ة و التصنيفات الكبرى ،تاريخ الحافل بالتطورات التاريخية وتعاقب الخلافات عليها جعل منها ماضي عريق يتحدث اليوم عن نفسه عبر ما تزخر به من فضاءات ومعالم أثرية هائلة، هذا على غرار ما تتغنى به من مقريات سياحية جمة. " الجزائرالجديدة " اغتنمت فرصة تواجدها بتلمسان لتغطية فعاليات الأسابيع الثقافية ضمن التظاهرة لزيارة بعض هذه المواقع بداية بمساجدها القديمة ومعالمها الأثرية، وكذا الاطلاع على أهم النشاطات الثقافية مع تسليط الضوء على بعض عادات وتقاليد سكانها. المنصورة ...ذاكرة المرينيين المنصورة واحدة من هذه المعالم التي تعتبر إحدى الشهادات الحية التي تثبت الوجود المريني بتلمسان أسسها السلطان المديني أبو يعقوب سنة 1299، خلال حصاره على المدينة، تقدر مساحتها ب 101 هكتار تحيط بها صور ضخم لازالت بعض أجزائه قائمة ليومنا هذا. كانت المدينة تضم إلى جانب المسجد قصورا فخمة، محلات، حمامات، وحدائق لم يبق من هذه المدينة التي عاشت فترة قصيرة سوى بقايا أسوارها وممتازة مسجدها. وفي قلب تلمسان ووسط ساحة الأمير عبد القادر يتربع المسجد الكبير بناه الشيخ يوسف بن تاشفين في عهد المرابطين سنة 1102م، ووسع في بنائه ابنه على عام 1136، يعتبر الجامع الكبير بتلمسان ثالث أكبر مسجد على المستوى الوطني من حيث شساعة المساحة يضم سبعة أبواب وثمانية وعشرين رواقا، إذا ما خرجنا من الواجهة الأولى للمسجد متجهين نحو الداخل فسنجد ساحة المسحد المتربعة على عشرين متر مربع مخصصة للوضوء مزينة بفسيفساء رائعة بأبواب متعددة ومنقوشة تتخللها نافورة برخام تركي آية في الجمال، صومعة المسجد شامخة في الأفق حاملة في طياتها صفحات من التاريخ الاسلامي كشهادة عن ماضي علمي كبير عرفته المدينة وهناك في أعالي المدينة، يتربع مجمع سيدي بومدين الذي يتشكل من المسجد ذو الطابع المهيب والنسق المعماري الممتاز، يفتح بابه على صحن مربع جذاب به أروقة يعلوها صومعة وتتوسطه نافورة للوضوء، مصنوعة من الرخام الخالص، كما يضم ضريحا وبئرا مباركا يقال أن ماؤه يعالج أكثر من داء، تعلوه تيجان في غاية الإتقان، ضريح الولي الصالح الذي يزوره الكثير من الناس والسياح، هو الشيخ أبو مدين بن الحسين الأندلسي، كان شاعرا كبيرا فقيها ومحدثا صوفيا ولد بأشبيلية عام1126، درس كتاب السنن في الحديث، ودرس علوم الصوفية استوطن ببجاية وهناك ذاع صيته ولما بلغت شهرته كل المدائن، وعلم به فقهاء "بنوعبد المؤمن" بمراكش، دعاه السلطان إليه وأوصى حاشيته به كثيرا ولما بلغ من العمر عتيا اتجه نحو المكان المسمى بالعباد وهناك قال كلمته الشهيرة "ما أحلى الرقاد في العباد" يضم المجمع أيضا مدرسة العباد كانت تلقن فيها العلوم الإسلامية أيام محمد بن يوسف كما درس فيها العلامة ابن خلدون وتخرج منها حيث لا تزال المدرسة قائمة ليومنا هذا لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، كما يحتوي على دار السلطان هي عبارة عن بقايا أسوار لا تزال شاهدة على فترة الزيانيين الذين طبعوا معالم المدينة بفن عمرانهم المتميز وأضافوا عليها طابعا جماليا. "المشور"...قلعة الأسرار "المشور" هو معلم آخر من المعالم الحامية لثقافة المدينة فهو عبارة عن قلعة مربعة الشكل كانت تضم القصور الملكية، المسجد، وكذا الحدائق والعديد من المباني به أقام الأمراء من بني زيان قواعد نظامهم بعقد المجالس مع وزرائهم للتشاور في أمورهم ومن ثم اشتق اسمه المشور الذي لم يبق منه اليوم سوى سوره الضخم، ومئذنة المسجد وفضاء فني ومطعم تقليدي كوجهة سياحية تستقطب العديد من السياح بأكلاته الشعبية وحلوياته التقليدية. وفي البحث دائما عن الإرث الثقافي لمدينة تلمسان أخذتنا الوجهة ببلدية ندرومة لتطل علينا الجمعية الموحدية كرمزا فعال يساهم بقوة في تنشيط المروث الثقافي للولاية والحفاظ عليه، الجمعية التي تم تدشينها في الثالث والعشرين من مارس 2006، تتكون من غرفة للاستقبال قاعة لتعليم الموسيقى الأندلسية، قاعة لإقامة الضيوف وكذا فضاءا للانترنيت بتجهيزات جديدة للطلبة والباحثين في تاريخ وتراث المنطقة إضافة إلى مكتبة تضم بين رفوفها أكثر من عشر آلاف عنوان كتاب. الموسيقى الأندلسية ...أنغام تحكي الموسيقى الأندلسية هي الأخرى تراث أصيل بالولاية التي تعتبر مظهرا من مظاهر الحياة بها، ثروة تلمسان تتجلى كذلك من خلال صناعتها التقليدية المتوارثة عبر الأجيال فصناعة الفخار بصمة فنية بأنامل ذهبية تفنن فيها سكان ندرومة. وعلى الرغم من طغيان الآلة الحديثة إلا أن أيادي الحرفيين التلمسانية لازالت تبدع في نسيج الكثير من التحف الفنية المتوارثة أبا عن جد، فصناعة الزربية حاضرة بقوة كرمز آخر يشير إلى العقدة العروبية بالمنطقة فالصوف الطبيعي الذي تنسج بخيوطه يضفي عليها طابعا مميزا بألوان وأشكال إيجابية تعبر عن ثقافة وتراث المنطقة فالعائلة التلمسانية لا تستغني عن هذه الزربية التي لها مكانة خاصة في بيتها، بالإضافة إلى صناعة الزربية نجد صناعة الجلد والبلغة التي أخذت حيزا معتبرا من الصناعة التقليدية حيث تزين المقاعد الجلدية الصالونات وتعتبر مفخرة لكل التلمسانيين علاوة على صناعة البلغة. و للباس منافع أخرى أما الجلابة فهي واحدة من رموز "الرجلة" بمدينة تلمسان المصنوعة من وبر الجمل التي تميزت ندرومة بصناعتها وهي الصناعة المهددة بالزوال، حيث لم نعثر سوى على محل واحد بقي محافظا عليها، وإذا ما تحدثنا عن المجبود فإننا بلا شك نتحدث عن المجبود التلمساني العريق فالجبة والكاراكو والشدة، من أساسيات جهاز العروس التي تتزين بها ليوم زفافها فالشدة التلمسانية كزي تقليدي متميز تتجلى من خلالها لمسات المرأة التلمسانية من خلال التاج العبروق، الجوهر، المريشات، والسخاب، فهذا الزي ومنذ أن ألبسه ملك الأندلس لابنته عند زفافها بقي موروثا تقليديا للمرأة التلمسانية. هي إذن عادات متميزة وصناعات تقليدية ومعالم أثرية ومناظر طبيعية ساحرة جعلت جوهرة الغرب تستقطب اليوم العدد الهائل من السواح نحوها ومغارات بني عاد بين هذه المناظر الطبيعية التي جعلتنا نقف وقفة خشوع وتسبيح لروعة الخالق فعلى مسافة 16 كلم تقريبا من مدينة تلمسان ومرورا بعين فزة نصل إلى مغارات بني عاد أين وجدنا المادة الكلسية تتصلب بشكل عجيب مكونة نوازلا وصواعدا تسحر وتسر الناظر، تلمسان وبفضل موقعها الجغرافي والاستراتيجي أصبحت قطبا مهما وهمزة وصل بين جميع أنحاء الوطن نتيجة نشاطها المتنوع واشعاعها الفني الحرفي والثقافي. لتبقى جوهرة الجزائر ومفخرة أبنائها بعمقها الحضاري وارثها السياحي ما أهلها لأن تكون هذا العام عاصمة الثقافة الاسلامية فاتحة أبوابها لزائريها مضيافة كما عودتنا عليه دائما. بن خليل مليكة