مكونات الخطاب الإسلامي يمكننا أن نرُدَّ مكونات الخطاب الإسلامي إلى نوعين: المكون الشرعي وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية صحيحة وهو أصل الخطاب الإسلامي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة، لكونه صادرا عن الله سبحانه الذي أبدع الوجود كله. والمكون البشري وهو ما فهمه واستنبطه البشر من النصوص الشرعية وما نتج عن ذلك فكرا كان أو فقها أو علوما وأدبا. لذلك فهو فرعٌ للمكون الأول ومؤسس منه وإليه. وبما أن المكوّن الشرعي قد أكسبه مصدره الرباني خصائص الربانية والشمول والثبات والتوازن والمرونة والصلاحية لكل زمان ومكان، فباستطاعتنا أن نكتشف بمعاييره كلَّ خلل واضطراب في واقع الحياة القائم. وإذا كان الخطاب، أي خطاب رهينا للتطوير والتبديل، دون تحفظ أو اشتراط فإن خطابنا الإسلامي له وضعه الخاص، فهو لا يتغير ولا يتبدَّل في جوهره، أي في ثوابته الأساسية المرتكزة على مكونه الشرعي مهما تغير الزمان والمكان والملتقى، وبغير هذه الثوابت، أو بالمساس بها لا يكون إسلاميا، ولا يمثل حقيقة الإسلام وخصائصه، وأما المكوّن الآخر ففيه يكون الاجتهاد والتطوير بما يراعي المخاطبين وظروففهم العامة والخاصة زمانا ومكانا، يقول الدكتور يوسف القرضاوي:"وإذا كان المحققون من أئمة الدين وفقهائه قد قرَّروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، والفتوى تتعلق بأحكام الشرع فإن نفس هذا المنطق يقول: إن تغيير الدعوة أو الخطاب يتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال أحق وأولى. مستويات الخطاب: بالنظر إلى مستويات الخطاب ومتلقيه نجد أن هناك فضاءات متنوعة يمكن أن تتناول على مستويين: أ- الفضاء الداخلي أو المحلي: وفيه يتوجه الخطاب إلى فئات متفاوتة، فيما: الطفل والشاب والفتاة والمرأة والرجل، كل بحسب مستواه التعليمي أو الثقافي، وبحسب موقعه ومهنته وظروفه الخاصة، وما نلاحظه على هذا الخطاب هو عدم مراعاته أحيانا طبيعة هذه الفئات والشروط المتطلبة لذلك، ويتجلى هذا في مظاهر كثيرة منها: 1- غياب الرؤية الفكرية المتحدة، والمشروع الدعوي الموَّحد، ومن ثم افتقاد الخطاب الإسلامي المتفق عليه بين كثير من مؤسسات الدعوة ورجالات الفقه والشريعة، وكذلك غياب الفتوى المتفق عليها في كثير من الأمور التي تهم الأمة وتمس شؤون دينها: مثل رؤية الهلال، وتحديد العيدين، والفوائد المصروفية...الخ. 2- تعطيل المؤسسات والمنابر المتخصصة والمؤهلة لتقديم المعرفة الإسلامية الصحيحة في بعض البيئات الإسلامية أو عرقلتها أو توظيفها لخدمة المآرب السياسية. 3- التقوقع داخل مذهب فقهي أو عقدي معيّن، وفرضه في التعليم ووسائل الإعلام والثقافة وإصدار الفتاوى الدينية من خلاله، ثم تصدير هذا التوجه المذهبي الضيق إلى عامة المسلمين في العالم، بمختلف الوسائل والأساليب. 4- التشبث برأي واحد في المسألة ومصادرة جميع ما عداه من وجهات النظر، والتشبث بالانفراد بالفهم والمسؤولية عن الدين 5- تجاهل أولويات القضايا في التأليف والكتابة فيما يعالج أزمات الأمة ويعمل على توحيدها وإصلاح ذات البين فيها، والعمل على التقدم والرقي بها، والاشتغال بدلا من ذلك في بعض الأوساط الإسلامية بالفتن المذهبية، وإيقاد نار الصراع والتنابذ والاتهامات بالزندقة أو الفسوق أو التكفير من خلال تأليف الكتب والمقالات وإصدار الأشرطة والبرامج المرئية الساخنة. 6- التشديد والتضييق في فتاوى بعض العلماء فيما فيه سعة ومجال للاجتهاد 7- تحميل النصوص القرآنية والنبوية غير ما تحتمل وإساءة فهمها. 8- مجابهة بعض التيارات التي تنتقد الإسلام مجابهة ساذجة من دون بيان الحجج المقنعة. 9- التأكيد المبالغ فيه من قبل الكثير من الوعاظ وخطباء المساجد على موضوعات الترهيب بأصناف العذاب الأخروي والتزهيد في تعمير الحياة والإبداع فيها، وإهمال بعضهم تناول قضايا المجتمع والإنسان من معاملات وعلاقات وآداب. 10- فراغ كثير من الساحات والمنابر من المتخصصين القادرين وانكماشهم على أنفسهم نتيجة أوضاع سياسية معينة في بعض البيئات الإسلامية وإسناد هذه المهمة أو تولِيّها من قبل آخرين غير مؤهلين. ب – الفضاء الخارجي أو العالمي: بالنظر إلى تلك الأوضاع التي عليها الخطاب الإسلامي محليا، أي في الداخل، وما يسودها من اضطراب وغياب للتخطيط والتعاون، ومن افتقاد –كما تقدم- للرؤية الشاملة الموحدة والأهداف الموحدة وإخلاص العمل لله سبحانه، فإن هذا الخطاب على مستوى العالم ضعيف ومتخلف جدا عن منطق العصر وآلياته ومناهجه، بل لولا الجهود القليلة المتناثرة لقلنا إنه غائب في إجازة غير محدودة عن عالم اليوم، ومع صعوبة تشخيص هذا الوضع وتحديد ملامحه فإنه يمكن إدراك الملاحظات الآتية: 1- على الرغم من امتلاك الدول الإسلامية عددا من الثروات الطبيعية الهائلة كالنفط والغاز والحديد والفوسفات والنحاس واليورانيوم...الخ، والطاقتين الشمسية والمائية، والثروات البحرية والزراعية، وعلى الرغم من تعدادها السكاني الذي يتجاوز المليار وأربعمائة مليون، فإن ما تخصصه هذه الدول من أموال ومن برامج ومشروعات لتبليغ رسالة الإسلام إلى شعوب العالم وإنقاذها من ظلمات الضلال في الدنيا وسوء المصير في الآخرة، وللتعبير عن قضايانا في المعترك الدولي، هو أمر مؤسف جدا، إذا ما قورن بما تحظى به المسيحية والماسونية وسائر المذاهب والحركات الهدامة من جهود للانتشار والتمكين في العالم). 2- الحوار الإسلامي المسيحي هو أحد السبل التي حاولت من خلالها عدة منظمات ومؤسسات منذ عدة عقود إيصال خطابها الإسلامي في عدة ملتقيات معروفة، وهو امتداد سنة حميدة لذلك الذي كان يجريه أسلافنا مع أهل الكتاب عبر عصور السيادة الفكرية والحضارية في توليها المنظمات المسيحية لذلك العرض). 3- قليلة تلك الجهود التي اتجهت إلى شعوب العالم بخطاب إسلامي علمي وموضوعي وخالص لوجه الله ومعظم هذه الجهود فردية وعِصَامية، وقد باركها الله بسبب إخلاص أصحابها وأشهر مثال في هذا المجال ما قدمه وقام به الداعية المرحوم: "أحمد ديدات" في مناظراته مع أقطاب المسيحية، وكذلك ما قدمه المفكر الإسلامي "وحيد الدين خان" وآخرون أسهموا بتقديم آثار علمية جليلة بأكثر من لغة أجنبية، كلها جديرة بإعادة النشر في طبعات متميزة، ليتم توزيعها في مختلف أنحاء العالم، وخاصة غير المسلم. 4- يعد حادث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك المعروف منعطفا بارزا في نظر الغرب بخاصة وفي نظر العالم بعامة إلى الإسلام والمسلمين، وبقدر ما ترتب على هذا الحادث من نتائج وخيمة على الإسلام والمسلمين، فقد حفَّز الحدث كثيرا من الأجانب في مختلف بقاع العالم للتعرف على حقيقة هذا الدين الذي تخيلوا أنه هو كما جزموا –الباعث الأساسي على ما أسموه بالإرهاب. ولا شك أن أثرياء العرب والمسلمين الذين جمَّد الغرب ملياراتهم بعد ذلك الحادث المذكور، والذين وظفوا شطرا منها قبل ذلك في مشروعات يهودية، وسخَّروا بعضها في ملذاتهم الشخصية وهواياتهم المفضلة، كان في وسعهم لو أنهم اتقوا الله في دينهم وأنفسهم، بتسخير أكبر وسائل الإعلام والنشر العالمية وشراء كبريات الصحف والقنوات الفضائية لخدمة الخطاب الإسلامي بكل أنواعه ومستوياته، وإبلاغ البشرية في كل ديارها وبمختلف لغاتها رسالة الهدى والحق. أنواع الخطاب الإسلامي: انعكاسا لما مر ويمر بأمتنا ظروف غامضة وهزات مروعة ومآس مؤسفة، ولا سيما بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر تعددت أنواع الخطاب الإسلامي بخاصة والعربي عامة، معبرة عن وجهات النظر الرسمية وغير الرسمية وممثلة لمختلف التيارات والانتماءات، والمتتبع للخطاب الإسلامي بخاصة يمكنه أن يلاحظ –كما يرى الدكتور محمد عمارة- فرقا مبدئيا بين البيئتين السنية والشيعية وهو أنه لاعصمة لعالم دين ولا لمؤسسة العلم الديني لدى مسلمي السنة. وأما أنواع الخطاب التي يمكن استخلاصها من مجموع الملاحظات والملامح السابق ذكرها فهي الآتية): خطاب الوسطية الإسلامية : الذي تمثله مدرسة الإحياء والتجديد والجمع بين الأصالة والمعاصرة ومواجهة الأحداث بواقعية ومرونة وحكمة ويتصدر هؤلاء: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عمارة، والشيخ محمد الغزالي، وآخرون. خطاب الاتجاهات الصوفية: الذي يرتكز على التجارب الروحية وعلم القلوب والتأملات ويصدر عن فرق متعددة، ويشوب هذا الخطاب شوائب من الدروشة والخرافات والانحرافات. الخطاب السلفي النصي: وهو ما يصدر في بعض البيئات التي تلتزم بمذهب معين يتبناه النظام القائم ويوظفه لصالحه. خطاب الرفض والاحتجاج والعنف والتخريب: وتمثله نسبة ضئيلة من الناس، وأكثرهم من شباب المغرر بهم من العاطلين والمحبطين في حياتهم أو المتعرضين الاعتقالات أو المفتونين في ذويهم بالتصفية، ومعظمهم متحمسون ومن ذوي ثقافة سطحية في الشريعة الإسلامية. صور الخطاب الإسلامي: إن للخطاب الإسلامي صورا متعددة بين مقروء ومسموع ومرئي، وتتمثل في خطبة الجمعة والوعظ والإرشاد والصحف والمجلات الشرعية والكتب العلمية، بالإضافة إلى الأشرطة الدينية والأقراص الممغنطة والقنوات المسموعة كالإذاعة، والمرئية كالتلفزيون لما تقدمه من برامج دينية، والشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت"، واللقاءات العلمية والندوات والمؤتمرات، وأخيرا الدراما التي تقدم الخطاب الإسلامي على شكل مسلسلات وأفلام دينية، وهي من أكثر الوسائل قبولا عند الناس. نور الدين بوكرديد