في إطار نشاطها الأسبوعي نزل أول أمس الأستاذ بوزيد عمور ضيفا على الجاحضية أين حاضر حول مسار الأغنية الأمازيغية، وتجذرها في التاريخ القديم مفندا بذلك الإدعاءات القائلة بتخلف الجزائريين، وبافتقادهم للأصالة والعراقة، فقد أكد خلال المداخلة التي استعرض فيها أهم المحطات التي وقفت عندها الأمازيع عموما والأغنية الأمازيغية على وجه الخصوص أنهم ساهموا في بناء مدينة مصر، التي خضعت لحكم القائد الأمازيغي شيشنق، الذي بقيت عائلة بالمنطقة لمدة قرنين كاملين والتاريخ لا يزال محفورا بأحرف من ذهب في "المسلات الفرعونية" وفي تلك الفترة ظهرت للعيار أولى المحاولات الغنائية الجماعية ممثلة في طابع "السبيبة" أدته فرقتين من النسوة احتفالا بهزيمة الفرعون رمسيس من طرف النبي موسى عليه السلام، في القرن 13 قبل الميلاد وهذا يقول بوزيد عمور دليل على عراقة الغناء الأمازيغي، الذي ظل محافظا على خصوصيته وأدائه المتميز على الرغم من مرور ألاف السنين، حيث ولحد الآن لا يزال غناء السبيبة تقليدا قارا بمنطقة تيميمون مرتبط أساس بموسم عاشوراء، من جهة أخرى أكد الأستاذ بوزيد عمور على رقي الغناء الأمازيغي القديم انطلاقا من السبيبة، مرورا بأغاني أهليل، الشدي والأمزاس بتيميمون والأهقار، التاكوكة بورقلة، الرحابة والأسابيح وأهازيج الشناوة بتيبازة موسيقى هوغرار بالنعامة، موسيقى تاريه التي تتفنن فيها نساء الازجر، وطبع الدانيان في جبال الظهرة وتيبازة وصولا إلى موسيقى الرواوة بمنطقة القبائل، فكل هذه الطبوع الغنائية لم تتأثر بالحضارات المتنوعة التي عرفها الشمال الإفريقي، من الفنيقيين، القرطاجيين واليونانيين الذين اعترفوا على لسان "هيرودوث" بجمال الموسيقى الأمازيغية، وروعة وصلاتها التي تأسر الألباب، وهي شهادة تدعم المستوى الراقي الذي بلغته الأغنية الأمازيغية لأنها صدرت ممن لهم باع طويل في الموسيقى والفن الراقي، فالطرب الأمازيغي أبهر الرحالة والمؤرخ هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، لأنه زواج بين الصدق في التعبير ودقة الوصف، الخاصية التي حافظ عليها على مر العصور والأزمنة. من جهة أخرى، أكد ذات المحاضر أن الإسلام لم يكسر شوكة الموسيقى الأمازيغية كما يدعي البعض، بل ساهم في ظهور طبع جديد كالأنشودة الدينية، تضاف إلى الأنواع الكثيرة والطبوع المتنوعة التي تندرج تحت لواء الأغنية الأمازيغية، على غرار أغاني التويزة، واسويقن التي تؤديها النساء أثناء القيام بالمحاصيل الزراعية، وأغاني الأطفال، أين أعرب عن أسفه الشديد لاختفاء هذه الأنواع الغنائية بعدما طغت الإذاعة والتلفزيون على الحياة الاجتماعية للأشخاص، وفي هذا الصدد نوه الأستاذ بضرورة تسجيل ما تبقى من التراث الموسيقى الأمازيغي، وعدم استعارة الآلات من الغرب إلا ما يخدم الثقافة والهوية المحلية للمجتمع الأمازيغي، مع رد الاعتبار لمختلف الطبوع التي يعاني بعضها التهميش والتناسي، على غرار "الداينان".