و نحن نتجول في شوارع العاصمة، نتفاجأ بمظاهر الهشاشة التي تطغى على العشرات من الحافلات التي تقل المسافرين، بعضها من تعدت سن العشرين و أخرى لا تزال تصارع زحمة الطرقات وسط الميترو و الترمواي و السكك الحديدية المشاريع التي غيرت وجه العاصمة في الآونة الأخيرة ، بعد أن صار أغلب المواطنين يعتمدون عليها كوسائل أساسية في تنقلاتهم بسبب ظروف الراحة التي توفرها و إن كانت أسعارها باهضة نوعا ما. و الغريب في الأمر و أو الأخطر من كل هذا ، أن تلك الحافلات آو كما يسميه البعض "بعلبة التونة" تحمل مواطنين من مختلف الأعمار برئاسة سائق ينوب عنه القابض الذين من المفروض أن يكونا المسئولين الأولين عن سلامة المسافرين و راحتهم ، غير أن الواقع الذي شاهدناه مغايرا تماما لحقيقة ما يجب أن يكون ، فالسائق لا يبالي بوضع الحافلة إن كانت سليمة و القابض لا يهمه سوى جمع اكبر عدد من المسافرين الذين يراهم في أعينه "قطعة دنانير" يزيدها لحصالته حتى تفيض، في حين يبقى المواطن الضحية الأول و الأخير لمثل هذه التجاوزات التي ما فتأت أن تمسح من واقعنا، إلا و تتزايد مع مرور السنوات في ظل تجاهل السلطات المحلية و عدم إدراكها لما هو حاصل في محطات نقل المسافرين ، بما فيها وضعية حافلات النقل التي يستقلها المواطنون للخدمة آو قضاء الشغل ، و كذا غياب التنظيم الذي يبقى السبب الأول في مثل هذه التجاوزات ناهيك عن اللاخلاقيات التي تحدث بين المسافرين بمشاركة السائقين و القابضين ضد الفتيات و النسوة ، دون أن ننسى تأثيرها على وجه العاصمة و جمالها التي أصبحنا للأسف لا نراها إلا و نحن تحت الأرض بفضل مشروع الميترو الذي انتظره الجزائريون لأزيد من 25 عاما..
مسلسل فضائح النقل لا ينتهي و لان سيناريو فضيحة النقل يتكرر كل سنة بالعاصمة ، ارتأينا القيام بجولة قصيرة لرصد أهم المحطات التي تعاني من هذا المشكل مع القيام باستطلاع حول وضعية النقل عامة في الجزائر العاصمة و بالتحديد واقع حافلات نقل المسافرين و كيف هي بنظر المسافر الجزائري ؟ أول ما يلفت الانتباه و نحن في محطات العاصمة ، تلك العلب الحديدية المصدأة التي تمشي على أربعة عجلات و على متنها أضعاف العدد من الركاب التي من المفروض أن تحملهم ، تسير في الطريق بكل حرية و أمام أعوان المراقبين دون أن يتم إيقافها آو مراقبتها ، فنراها تارة تخرج منها دخان اسود و تارة أخرى تحدث اصواتا غريبة ناجمة عن اهتراء محركها حتى تكاد تنطق ، مثلما أشار لنا احد المسافرين الذي لم يجد ما يقال سوى أنها " عجوز" و لم يبقى لها إلا القليل على الهلاك و الفناء ، و لكن في نظر سائقها تبقى شابة لا تزال تحمل الكثير و الكثير من المسافرين على متن خطوط عدة دون إدراك بالواقع المريب الذي يحدق بالمسافرين جراء الحوادث المرورية التي صرنا نسمع عنها كل يوم بالإضافة إلى مقتل و إصابات العشرات من الركاب اثر اصطدام الحافلة و احتراقها ، و هي الواقعة التي تكررت في العديد من المرات بقلب العاصمة بعد احتراق حافلتين و سقوط أخرى من أعلى الجسر أو توقف مفاجئ بسبب عطب لحقها إلى غير ذلك من الحوادث التي صارت كالمسلسل اليومي الذي يدور في شوارع العاصمة و على مرأى من وزارة النقل و مديريتها و المراقبين الذين لم يجدوا حلا ردعيا لهذه الظاهرة سوى بميلاد قانون جديد يفرض على السائقين حتى تقل المخاطر بالمقابل يبقى أصحابها بالطبع غير مبالين لا بالقانون ولا بسلامة المسافرين التي تبقى حياتهم على المحك، ولكنهم في جميع الأحوال مجبرين على اقتنائها لمن غابت عنه السيارة أو لم يستطيع اقتناء سيارة أجرة قبل فوات الأوان أو حلول الظلام. حتى القوانين لم تتمكن من وضع حد من لأخطارها و على الرغم من إجبارية بعض القوانين التي عمدت الدولة الجزائرية على وضعها لتفادي أي نوع من المخاطر كقانون مراقبة السيارات و المركبات بمختلف أصنافها، إلا أن الكثير من أصحاب الحافلات لا يحترمونه سيما القديمة منها التي تعدت عتبة 20 و30 عاما من الخدمة ، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الوضع العام وقطاع النقل خاصة ،بالمقابل لا يجد المسافر المسكين من وسيلة إلا ركوبها ، في حين تبقى الحافلة تتمتع بالحصانة من قبل رئيسها الذي يألف لنفسه قوانين خاصة به تتماشى مع فائدته كنظام الطابور المفروض في محطات نقل المسافرين وإجبارية امتلائها عن الآخر حتى تقلع بالإضافة إلى غياب التذاكر والفوضى التي تعم الحافلة سواء من الجهة الخارجية من خلال مظهرها الذي يوحي من بعيد انك في حظيرة الخردة أو من الناحية الداخلية التي يشبهها الكثير من المسافرين بخم الدجاج وذلك بالنظر إلى مظهرها المقزز و المرعب بسبب الحالة التي تؤول إليها من جانب النظافة أو السلامة أو حتى الخدمة التي تبقى في جميع الأحوال غائبة بالحافلات. خط تافورة -اسطاولي ... حدث ولا حرج وكعينة من واقع الحافلات في العاصمة، استطلعنا حالة أو وضعية النقل على مستوى خط تافورة-اسطاوالي أين لفت انتباهنا مشاهد غريبة تعود بنا إلى السنوات الماضية ،بداية من وضعية حافلات النقل المهترئة ثم حالة التنظيم التي تميز المحطة وصولا إلى موضوعنا والمتمثل في واقع حافلات الخط المذكور سابقا ، حيث شاهدنا حافلات من نوع ”سوناكوم” قديمة ، يعود تاريخها إلى سنوات السبعينيات والثمانينيات تمشي و تقلع بالركاب وكأنها جديدة ،و الأغرب من ذلك أن الركاب يتهافتون عليها وهم في حالة اقل ما يقال عنها أنهم كعلبة سردين وسط الروائح الكريهة المنبعثة من داخل الحافلة جراء الأوساخ التي يخلفها المسافرون وعدم تنظيفها من قبل مالكيها بالاضافة إلى حالة الكراسي التي تكاد تندثر بسبب انكسارها وخروج الأسلاك والمسامير منها وسط عدد هائل من الركاب من كلا الجنسين، حتى يكاد يخيل إلينا أننا في عز ألازمة بسبب عدم احترام السائق للعدد المسموح بها ما ينجم عنه مناوشات و ملاسنات بين الشباب والفتيات بسبب المعاكسات التي يتلقينها دون أن يتدخل احد لفكه فتتحول الحافلة إلى حلبة مصارعة يتشارك فيها الكل سواء بأحاديثهم المملة أو صراخ النسوة والأطفال ، إلى جانب السرقة التي يقع ضحيتها العشرات من المواطنين بسبب حالة التدافع بين المسافرين . وما زاد الطين بلة ، هو سيطرة أصحاب الحافلات على بعض المحطات وامتناعهم الدخول إليها حتى لا يقعوا في الزحمة المرورية فنراهم يجتازونها كالسهم تاركين المواطن البسيط يقطع كيلومترات للعودة إلى المحطة الموالية ، ضف إلى انتظاره الطويل على شبه المحطة التي تنعدم فيها الكثير من شروط الراحة فيبقى ساعات واقفا على قدميه في انتظار الحافلة العجوز ليزيد عذابه عندما تصل ولا يستطيع الجلوس على كرسي بسبب كثرة المسافرين بينما يقابله صراخ القابض بالتنحي جانبا حتى يزيد من عدد المسافرين دون أن يقدم أي ضمان لهم ولأرواحهم التي تبقى تترامى بين اليمين و الشمال بسبب وضعية الحافلة و هي تسير. هو إذن واقع ،لا يمكن الهروب منه ولا يمكن تجاهله حول موضوع النقل في الجزائر العاصمة الذي يبقى وضعيته تتأرجح بين التدهور في ظل سيطرة الخواص بخردتهم وتماطل وزارة النقل في إيجاد حل كفيل يقضي على هذا المشكل الكبير والخطير في نفس الوقت ، في حين نجد أن المسافر هو الضحية الأكبر من كل هذا الواقع المحرج سيما وأنها تتموقع بقلب العاصمة التي من المفروض أن تتمتع بجمال خاص لما تتوفر عليه من مؤسسات ووزارات وشركات. . إيمان ق