إن محمد مفلاح يوقظ المدينة المتسربة من غفوة أشباحها وأساطيرها من سباتها ليحاكي الزمن الفلاقي الموشوم بالثورة وشخوصها وبطولتها بعيدا عن هذا الزمن الجاف الموحوش لصلافته ووحوشه وهي تلهوا بالجسد تنهشه في أزمنة الذئاب الجائعة وولائم الموت الجاهزة والخرائب. محمد مفلاح يحاكي الحمراء وزمن الانهيار والنبذ والتشتت القاتل،. فضاء غليزاني أصبح موغلا في التشرد وجدرات الهامش وأصوات التنافر وركامات الضياع المبثوثة كسلاسل عنكبوتية لا تبقى ولا تذر، الثورة جلال البهاء والبطولات والقيم التي كافح من أجلها سلالة الأجداد المتعاقبة بعيدا عن المسخ الحضاري رواية "خيرة والجبال" التي تحمل رائحة الأرض الشامخة وأنفة الوطن، خريطة على اتساع قرون سكبت دماء موغلة في اليقين والكاتب لم ينسى أن يحكي عن تاريخ غليزان العبق بكرامات أولياءها وشطحات مجانينها ومتشرديها، صاحب رواية بيت الحمراء ،والإنهيار ينطلق من فئات مهمشة ليوظفها توظيفا جماليا، وهو يحاول قراءة هذا المجتمع من خلال الفئة التي تكد وتجتهد من أجل وجودها، إن "الروجى" و"عواد: و"المزلوط" كلها شخصيات حركت معالم الرد في لغة هادئة تكتنفها جمالية بلاغية بعيدة عن الإفراد في الغموض/ وإننا لمقصرين بحق في قراءة هذه الروايات ،ونقل ما يكتب روائيينا ولو مقاطع من نصوصهم إلى الكتاب المدرسي، وإنا لنشهد أن محمد فلاح روائي كبير كما شهد له الراحل الطاهر وطار وكذلك اشتغل الروائي على شخصيات المنطقة غليزان وعلمائها، والروائي في لقاء خاص بيننا يتأسف على إنهيار القيم التي كانت تربط المجتمع ونحن ننتظر من صاحب رواية "الوساوس الغريبة" عملا لسيرته يتحدث فيه عن الطفولة ويسرد ويخترق الطابوهات والمحرمات ويحاول الولوج إلى عمق مكبوتاته وصرخاته لإخراجها إلى العلن والكتابة هي أول وأخير بحث عن اليقين ليس إلا.