تعتبر المهيبة من التقاليد التي لم تستطع العائلات الجزائرية التخلي عنها في أي ظرف من الظروف، بل تحافظ وتواظب عليها، وهي عبارة عن هدية يحضرها أهل العريس إلى عروس المستقبل في مختلف المناسبات الدينية، ما يدخل السرور في قلبها. المهيبة تصغير لكلمة هدية، وقد اعتاد الجزائريون على ممارستها منذ زمن بعيد إلى غاية اليوم، ورغم كل المصاريف التي يتكبدها أهل العريس، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الحفاظ عليها، إلا أنه بالمقابل هناك من يعترض عليها بسبب المصاريف الإضافية التي يضطر العريس إلى تحملها، خاصة وأنه يكون بصدد تجهيز نفسه لذلك فهو مجبر على حساب كل ما سيصرفه. عادة قديمة كان لابد لنا في هذا الموضوع من أن نستسقي بعض الآراء من أجل الإلمام بجميع جوانب الموضوع، فكان حديثنا الأول مع السيدة "بهية"، 58 سنة، التي رحبت بفكرة الحديث إلينا وراحت تصف المهيبة وكأنها شيء مقدس فقالت:" المهيبة من التقاليد الجزائرية التي لا يمكن التخلي عنها، كما أنها تخلق الألفة بين أهل العروسان، وهي تقليد يمارسه الناس منذ زمن، وتقول بأنها تستقبل أهل عريس ابنتها في كل مناسبة دينية منذ أن قاموا بخطبتها وكان ذلك منذ ثلاث سنوات، في حين قامت هي الأخرى بتقديم المهيبة لأول مرة في عيد الفطر الذي احتفلنا به منذ أيام من أجل خطيبة ابنتها". تقليد أصبح سنة أما السيدة "عايدة" فقد عبرت في حديثها إلينا بأن المهيبة من التقاليد الموروثة منذ القديم، ولا يمكن التفريط فيها الآن، وتضيف بأنه رغم أن العروس القبائلية لا تشترط شيئا، إلا أن ذهاب العريس في مناسبتين دينيتين فقط ، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى من أهم التقاليد ولا يشترط أن يكون محملا بالهدايا، وتضيف السيدة "عايدة" بأنها لم تسمع من قبل عن أي عائلة في مختلف ولايات الوطن لا تقدم مهيبة إلى عروس العائلة المستقبلية، فهي فرصة لا تفوت من أجل تثبيت الروابط بين العائلتين. موروث جميل والسيدة "رفيقة"، قالت بأن المهيبة من الأشياء الجميلة التي تركها الأجداد، وإن تغيرت الأوضاع عن الماضي من الناحية المادية، إلا أن ذلك لا يمنع من القيام بهذه الزيارة فهي ليست كل يوم بل في مناسبات معينة، فلا يعقل أن لا ترى العائلتان بعضهما إلا في يوم الخطبة ويوم التفاهم على المهر إلى غاية يوم العرس، فأيام المهيبة فرصة لترابط العائلتان كما أنها من أجمل الأشياء التي تزين الأيام. الناس لا يرضون بالقليل وإن كانت المهيبة من الأشياء الجميلة التي يؤيد معظم الجزائريين أن تبقى، إلا أن هناك من له رأي آخر في هذا الموضوع، ف "إلياس"، 36 سنة، يرى بأن المهيبة مصاريف إضافية وأكمل قائلا:" صحيح بأن المهيبة من التقاليد الموروثة عند الجزائريين، إلا أن الأوضاع تغيرت عن الماضي، فالظروف ليست نفسها ولا القيم المادية نفسها، فكل شيء غال الثمن وبالكاد يستطيع الشاب تجهيز نفسه من أجل إحضار عروسه، فمصاريف المهيبة اليوم يحتاجها ليضيفها إلى ما يحتاجه في المستقبل، كما أن الفتيات اليوم طلباتهم كثيرة. أما "سليم"، 31 سنة، فيقول بأن الفتيات اليوم لا يرضون بالقليل، فيشترطن في المهيبة الذهب زيادة على اشتراطهن في المهر، فيطلبن في كل زيارة خاتما أو سلسالا أو سوارا، وهذا أمر كثير. وقالت "فائزة" بكل صراحة بأن المهيبة لم يعد لها أي قيمة أو معنى، فقد أصبحت المطالبة بالكثير من العوائق التي تحد من استمرار مثل هذه التقاليد الموروثة، وتحكي فائزة كيف أن خطيبة ابن عمها لم تعجبها المهيبة الأولى التي قدموها لها وكانت عبارة عن قارورة عطر وقطعة قماش وبعض الملابس الداخلية، وأقنعته بأن ذلك ينقص من هيبته، ولم تسكت حتى قام بإهدائها الذهب في المهيبات التالية، ولم يهمها إن كان يستطيع أم لا. المهيبة مرتبطة بالمادة المهيبة من التقاليد الجميلة التي يتباهى بها المجتمع الجزائري، بالإضافة إلى التقاليد الأخرى التي تترابط ببعضها ترابطا كبيرا، إلا أنها وبمرور الوقت أصبحت تفقد قيمتها المعنوية ومصداقيتها لطغيان المادة عليها، والجانب المادي هو الذي يفكك كل العلاقات الاجتماعية، ولم تعد العروس تلك الفتاة البريئة والبسيطة التي تطير من الفرح بمجرد رؤية هدية بسيطة من قبل خطيبها التي تتمثل عادة في قارورة من العطر وفستان منزلي أو قطعة قماشية ترافقها بعض القطع من الصابون المعطر، بل تغريها واجهات الذهب الذي يسيل لعابها كلما مرت بها، فلا تجد فرصة في كسبها إلا من خلال فرضها على خطيبها في المهر وفي المهيبة، ما جعل هذا التقليد يفقد قيمته ويفقد الكثير من معانيه التي تعتمد أساسا على تمتين الأواصر بين العائلتين اللتين تنويان الاستمرار سويا في الحياة. الهدية مهمة في العلاقة وتقاس بقيمتها المعنوية من الناحية الدينية يقول أستاذ العلوم الشرعية "ب.ن"، بأن المهيبة ليست حراما من جهة وليست ضرورية، وليست كذلك فرضا لابد منه وإنما هي تقليد تعود عليه الجزائريون، فأصبح بالتالي من المستحيل التخلي عنه، ولكن لا يعني هذا المبالغة فيها فالهدية لا تقيم بما تحمله بل تكمن في معناها، لذلك لا يجب أن تنسى الفتاة وأهلها القيمة المعنوية التي تحتويها المهيبة، فليس عيبا أن تكون بسيطة، فالمهم أن الرجل تذكرها، فهو من جهة يدخل الفرحة في قلبها، ومن جهة أخرى لا تشكل المهيبة البسيطة عائقا في إتمام المصاريف الخاصة بالعرس، والتي تعتبر أكثر أهمية لأن العروسان سيقضيان كل حياتهما معا. زينب.ب