المرأة في القصيدة تقليد فنّيّ، أم ركيزة جمالية، أم حاجة إنسانية للشّاعر؟ هل يمكن لنا أن نرى قصيدة عربيّة دون امرأة تطلّ عميقا من بنائها، أو هي التي تنسج البناء؟أزمنة الشّعر العربيّ الطويلة تقول لنا: إنّ المرأة صارت أصلا في النصّ الشّعريّ، ولا يمكن لمخيّلة شاعر أن تعمل دون امرأة، فإن لم تكن هناك امرأة، فثمّة عطب وعطل في الاستقبال والكتابة، إذ إنّها تظهر بخفاء، وتختفي في ظهور، وتتجلّى بأشكال .المرأة أكبر من أن تكون موضوعا للغزل وكفى إنّ المرأة ليست قيمة مضافة في النصّ؛ لأنّها القيمة، فليست مضافة إلى الشّاعر فهي الشعر بعينه ؛ لأنّها لا تتجاوز.لا يهملها شاعر، ولا يترفّع عنها، فهي المذكورة في كتاب الشّعر، بصفتها موضوعا، ومحرّضا، وقبلة، وأساسا، ومكمن التفكير.وليس شرطا أن تأتي – فقط – في صورة التغزّل بها، لأنّها صارت أكبر من أن تكون موضوعا للغزل بصوره المختلفة. فهي غالبا ما تأتي في صورة المثال المرتجى والنموذج المحلوم به من قبل الشّاعر، الذي يبلور الواقع في المثال.فمنذ النصّ الشّعريّ العربيّ في الجاهلية أو لدى الفرس أو اليونان، والمرأة في سمو من المكانة. ذات شأن ومنزلة وعلو ورفعة، واستمر ذلك عبر عصور الشّعر إلى يومنا هذا.وهذه المكانة أتت إلى النصّ، من كونها تحتلّها – من قبل – في الحياة الاجتماعية، إذ لا أحد ينسى أنّ العرب كانوا ينسبون قبائلهم إلى المرأة "الأم" أو "الحاضنة". كما أسموا آلهتهم بأسماء إناث. إذن المرأة مادّة شعريّة، لأنّها – قبلا – هي مادّة للتفكير والحبّ وانشغال الرّوح بها، ومنها تبتكر لغة، وتصاغ صور، وتبتدع أخيلة، وليس من الشّطط أو المبالغة، أن أقول إنّ الّلغة العربيّة اغتنت بدخول الشّاعر دين المرأة حسّيّا وروحيّا، فبها شقّ أنهارا جديدة في الّلغة، ونحت أشكالا وصورا، فلولا المرأة ما وصلت الّلغة إلى ما عليه الآن من حياة وثراء وغنى وتجدّد. إنّ وجود المرأة في الّلغة – عبر القصيدة – جدّدها وغيّرها وأغناها وجعلها حديثة خصبة تعبيرا ومفردات وصورا وأساليب.