هي رحلة شاقة و متعبة واجهتها ياسمينة، التي تطلق بسرعة بعد زواجها في سن السادسة عشر و إنجابها للطفلة نعيمة، لكن يشاء القدر أن تتخذ رحلة ياسمينة منعرجا آخرا عندما تلتقي سنة 1963 بالممثل محمد حلمي الذي قال أنه تمكن منذ الوهلة الأولى أن يكتشف في ملامحها براعة التمثيل، و التنكيت المغذية ببساطة الروح و سحر الجمال كان الكل يتكامل ليصنع منها فنانة متميزة، هو ما جعل "محمد حلمي" يعرض عليها دون أدنى تردد أن تشاركه في مسرحية "الخميرة " و كانت بطلتها، ثم في مسرحية "قفاز العدالة"، هي العدالة التي أنصفتها حقها و منحتها المكانة التي استحقتها فما يقال اليوم عنها يؤكد "محمد حلمي" للجزائر الجديدة قليل جدا في حق أيقونة المسرح الجزائري. عطاء الراحلة و حبها للتمثيل لم يتوقف عند الخشبة، فقد تمكنت من ولوج السينما من بابها الواسع وتشارك سنة 1964في فيلم " المزاح يتحول إلى حقيقة"، هي الشهرة التي حققتها عبر الشاشة يؤكد هذا المسرحي "جمال مرير" عندما قال أن شهرتها عبر الشاشة التلفزيونية سبقت شهرتها في المسرح، مؤكدا على أن أدائها المتميز جعل الكل يحاول التقرب منها، نظرا لتفوقها في الأدوار التي كانت تضفي عليها بعدا إنسانيا و نفسانيا خاصا مستدلا بشخصية "غروشة" التي مثلتها في مسرحية دائرة الطباشير القوقازية" للمؤلف الألماني برتولد برخت" وإخراج الحاج عمر، سنة 1969، المسرحية التي يتفق الكثير ممن حولها أنها تفوقت في أداء دورها الرئيسي هو ما اعترف به الممثل "محمد رابية" الذي قال أن تميز أدائها لهذا الدور سنة1969 مكنها من إفتكاك الجائزة الكبرى اثر تنقلها لتمثيل ذات الدور في سوريا و تفوقها على المصرية سميحة أيوب، و هو ما ابهر المصريون، هي مؤهلات خارقة عرضها محمد رابية عند استحضاره لأعمال الراحلة ياسمينة التي لعبت دورا كبيرا أمام عمالقة المسرح وقتها، تركت مجموعة أعمال تشهد على لمستها الإبداعية سواء في السينما على غرار فيلم مصطفى بديع المطول " الليل يخاف من الشمس "، بعدها في" الهجرة والكلاب "، " حكاية حورية "، "أبناء نوفمبر" و"حسان الطيرو"، لتلتحق بالمسرح الوطني، وهناك تعرفت إلى وجوه فنية كبيرة وأثرت تجربتها المتنوعة، فبعد نجاح مسرحية "دائرة الطاباشير القوقازية"، كان لها أن مثلت سنة 1970 في "البوابون" من إخراج مصطفى كاتب، ثم "باب الفتوح" لطه العامري، و مسرحية "العقرب"، ثم "اللسان الطيب" لهاشمي نور الدين، إلى أن جاء الدور للعمل المسرحي "زعيط و معيط و نكاز الحيط" كآخر أعمالها، رحلت عندما كانت بصدد العودة نحو وهران بعد عرضه في منطقة آرزيو، وهنا يشاء القدر أن يخطفها الموت اثر حادث مرور سنة 1977و هي في أوج عطائها رحلت ياسمينة في السادسة والثلاثين، الفاجعة التي صدمت الكثيرين، عرضوا الواقعة بحزن و حنين كل من رفقاء دربها فضيلة حشماوي، حميد رماس، عبد العزيز قردة، نادية طالبي و آخرون ممن استحضروا روح فقيدة المسرح هته و أيقونته ياسمينة التي عبقت بأعمالها أركان خشبته، وزينت بطلتها زوايا شاشة التلفزيون، أعطت الكثير في وقت قصير، سجل المهرجان الوطني للإنتاج المسرحي النسوي لتلك اللحظات هي ليست بالعادية جعلت الدمعة التي سبقت الكلمة تصنع الحدث و تقل ما لم يستطع اللسان بوحه، الحالة التي طبعت الحضور و نجلتها "نعيمة" على وجه الخصوص البراءة التي ودعت أمها وهي في سن 12 لم تستطع اليوم قول الكثير و اكتفت بعد تجهشها بالبكاء بكلمة رحمة الله عليك أمي.