تطرح مشكلة النفايات نفسها باستمرار في مجتمعنا، سواء من حيث انتشارها أو ركسلتها، غير أن البعض وجد ضالته فيها ، حتى أنها باتت تشكل مكسبا للرزق لديهم، فيما اتخذها آخرون عادة بعيدة عن الحاجة ، من خلال نبش حاويات و أكياس النفايات، و هو ما يعقدُ مهمة عمال النظافة ، و يتحوّل إلى أحد أسباب الإساءة لجمال المحيط و تلويثه . زهية بوغليط الساعة العاشرة و النصف صباحا ، المكان .. مدخل سوق " كلوزال " بالعاصمة ، الرائحة تخنق كل الأنفاس إلا أنفاس ثلاث عجائز تعودن عليها لكثرة قدومهن إلى عين المكان ، تواجدهن اليومي فيه لفت انتباهنا ، خصوصا و أن إحداهن كانت تفتش في حاوية مدخل السوق لرمي الفضلات ، كان منظرها يحرّك الإحساس و تشمئز له الأنفس ، كانت تمسك بعظام دجاجة مسلوخة من لحمها و تفتش بداخلها عن " القلب " الذي يستغني عنه بائع الدواجن حينما يفرغها من أحشائها ، جمعت من تلك "القلوب" الصغيرة ما يزيد عن ال 1 كلغ ، في منافسة شرسة مع مرافقاتها ، من يضفر بالقدر الأكبر ليطعم به عياله ؟ و من التي تبتسم لها حاوية القمامة و تمنحها ما تسكت به البطون الجائعة ، اقتربنا من إحداهن ، كانت عجوزا في العقد السابع ، سألناها .. ماذا تبحثين هنا.. فسارعت إلى لفّ ما كانت تحمله في قطعة جرائد ، و ردّت بالقول " بعض الطماطم و البطاطا التي يرميها الخضار" ، ردينا عليها : و لكنها القمامة يا أمي ، فقالت بنبرة مختنقة " أنا أم اليتامى ، و لي شابة معاقة و لا دخل لي .. ماذا أطعمهم ؟؟؟ " ، كلمات ألزمتنا الصمت .. من بعد جملة واحدة : ماذا نشتري لك ؟ : قالت " قطعة صابون " أجل الكل يجمع على بخص ثمنها ، إلا أنها على دراية تامة بأنها لن تعثر عليها في أكياس القمامة ، هي صورة واحدة من بين عشرات الصور التي تفرض نفسها في وضح النهار منتزعة نقاب الحياء أمام الجميع . جمع القارورات البلاستيكية من النفايات تتحوّل إلى تجارة هي فئة أصبحنا نلاحظها كل صباح ، تتعلق بنبش حاويات و أكياس النفايات و البحث عن القارورات البلاستيكية الفارغة ، بحاويات نفايات . خلال تواجدنا بحي 2004 ببراقي ، وقع بصرنا على رجل في منتصف العمر ، و هو يقف داخل إحدى حاويات يجمع ما يجده مفيدا بالنسبة له بصورة سريعة قبل أن يلاحظه أحد ، و كأنه سارق يخشى أن يتم توقيفه متلبسا، أخذ من تلك الحاوية دراجة قديمة ووسادة وذهب مسرعا، حاولنا استدراجه في الكلام لكنه رفض التحدث إلينا و ذهب مسرعا، و في حاوية أخرى ليس بعيدة من الأولى ، التقينا بمجموعة من الشباب لا يتعدى سنهم 18 سنة، كانوا في مهمة التنقيب في الحاويات و كأنهم ينقبون عن البترول أو في صدد البحث عن الذهب، لنكتشف أنهم كانوا يبحثون هن قارورات المياه المعدنية بعدما كانوا يضعونها في شاحنة صغيرة كانت بجانبهم، استدرجنا سفيان، 16 سنة ، الذي كانت تبدو على ملامحه البساطة و الفقر ، صرح لنا أنها مهنة يعتمد عليها في العيش، بعدما فصل عن المدرسة و صدت الأبواب في وجهه.، قائلا:"أنا لا أسرق و لا أتعدى على ممتلكات الغير ، و إنما هي مهنة أكتسب أجرها من عرق جبيني ، بفضل ما أجنيه من حاويات النفايات، و إذا وجدت وسيلة أخرى للعيش لما لجأت إلى هذه المهنة المذلة "، ويقول حميد، 31 سنة: «مضى أكثر من خمس سنوات على عملي في تنقيب القمامة واستخراج المواد البلاستيكية والحديدية والكرتونية ، وبيعها للتجار بأسعار جيدة ، و هذه المهنة هي التي مكنت عائلتي من العيش"،أما وليد، 17 سنة فقد صرح لنا أنه لم يجد أمامه مهنة غير نبش الحاويات في العطل، ليشتري الكتب و الأدوات المدرسية بعدما توفي والده ، وهو لا يستحي من عمله لأنه بالنسبة له ليس سرقة و لا نهب، هذا و تكتسح البحث عن القارورات الفارغة انتباه الكثيرين من هواة هذه المهنة المذلة ، بسبب كثرة الطلب عليها و إعادة ركسلتها ، دون اعتبار لإيجاد طريقة مثلى و سليمة لجمعها، هذا ما صرح لنا به أغلب المواطنين الذين استجوبناهم عن رأيهم في الظاهرة، حيث يضيف صالح، مهندس معماري قائلا:" ليس الخطأ في جمع القارورات الفارغة، بالعكس فهي مهنة جديدة نأمل تطويرها مستقبلا ، و هذا ما تعمد عليه الدول المتطورة، لكن الخطأ في إيجاد وسيلة ناجحة لجمعها دون الإساءة للبيئة و المحيط" . حاجة تتحول إلى عادة.. العيش على فضلات الغير أصبحت عادة لدى فئة تعيش على فضلات الغير، حيث يسعدهم أن يزداد الناس غنى و تبذيرا، لتدري عليهم نفاياتهم مزيدا من المال، يبحث فيها البعض على أشياء ثمينة كالأجهزة الكهربائية والملابس و الأفرشة، فيما يبحث آخرون على قطع النحاس و الحديد و بيعها مرة أخرى للخردوات، واللافت أن عددا كبيرا من نابشي الحاويات هم راشدون، يبدون كأشخاص عاديين لتفاجأ بهم و هم ينقبون في النفايات، حتى أن هذا السلوك تحوّل لديهم من حاجة إلى عادة، هذا ما صرح لنا به رشيد، عون نظافة ببلدية براقي، قائلا:" بحكم وظيفتي و معرفتي لسكان البلدية ، لاحظت أن محترفي هذا السلوك ليسوا بالضرورة محتاجين و إنما هي عادة باتت تسري في عروقهم كمجرى الدم ، بدل البحث عن عمل"، هذا و لم تسلم الأحياء الراقية أيضا من هذه الظاهرة ، أين تلاحظ و أنت تسير في شوارع العاصمة أشخاصا عاديين و ليسوا متسولين ، و هم ينبشون حاويات النفايات ، على أمل أن يعثروا على غنيمة تثريهم، في هذا الصدد تقول الحاجة مسعودة، من العاصمة:" لقد سئمنا من هذا التصرف التي يتبعه أشخاص يحومون كل صباح على حاويات النفايات فيتسببون في بعثرتها، وهم أشخاص عالة على المجتمع، ليس لهم أي عمل سوى ترصد فضلات الغير و العيش عليها" ، هذا و قد صرح لنا أغلبية مواطني بلدية براقي في هذا الموضوع عن استيائهم الشديد لهذا السلوك ، الذي وصفوه بغير الحضاري ، و طالبوا السلطات المعنية بوضع حد لهذه الظاهرة ، خاصة في غياب نص قانوني يعاقب هذه الفئة. تصرف يعقدُ مهمة عمال النظافة حاورنا في هذا الصدد بعض عمال النظافة الذين لهم دراية في هذا المجال، حيث صرح لنا عمي صالح، 54 سنة، عون نظافة ببلدية براقي ، أنهم يصادفون باستمرار هذه الفئة ، يقول عنها أنهم أناس ينبشون النفايات غير مكترثين للفوضى التي تحدث حول الحاوية، وبالتالي يتسببون في استخراج النفايات من الحاويات و بعثرتها بعدما جمعها المواطن في أكياس، و هذا الأمر يضيف عمي صالح قائلا أنه يعرقل و يصعب على عون النظافة مهمته ، بل يتسبب في كثير من الأحيان إلى دفع عمال النظافة إلى جمع النفايات بأياديهم، في حين لو كانت في أكياس لما صعب عليهم الأمر. و يضيف أن هذه الظاهرة تكثر في الأعياد و المناسبات و الأفراح، كون الحاويات تكون زاخرة بأشياء ثمينة وتكون النفايات متنوعة ومردودها المالي كثير، كما أدلى لنا حسين، 47 سنة، عون نظافة منذ عشر سنوات، صرح لنا أن هذه الظاهرة منذ سنوات ماضية غير أنها عرفت انتشارا أكبر في هذه السنوات الأخيرة، و صعبت على عمال النظافة مهمتهم و جعلتهم يواجهون عراقيل في مع النفايات من الحاويات التي يجدونها في صورة مبعثرة تصعب عليهم مهمة جمعها، حيث يعمد محترفي هذه الظاهرة من نبش أكياس النفايات في الصباح الباكر حتى لا يجلبون انتباه الغير من جهة و من جهة أخرى يسارعون نبش الحاويات قبل غيرهم فيضفرون بأثمن غلّة و يقومون بإخراجها من الأكياس غير مبالين بالمشهد القبيح الذي يخلفونه وراءهم، هذا و ما يسببه هذا السلوك من مخاطر صحية بسبب مخاطر النفايات الطبية و المنزلية.