يضطر بعض الأطفال والمراهقين خلال هاته الأيام المباركة من شهر رمضان، الذي تزامن مع العطلة الصيفية، لولوج عالم العمل في سن مبكرة، طمعا في جني بعض الدنانير التي تمكنهم من تحسين دخل أسرهم الفقيرة، وتأمين احتياجاتهم اليومية. وامتهن هؤلاء الذين لم تقوى سواعدهم بعد على تحمل الأشغال الشاقة، مهن مختلفة كبيع المنتجات الموسمية تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة، أو كقابضين في الحافلات، وحتى الأشغال الفلاحية كانت ملاذ بعض القرويين، فيما راح آخرون يبحثون عن الربح السريع في التسول، بينما يتمتع أقرانهم وسط أحضان أسرهم الدافئة، التي تخطط لبرنامج ثري للاجازة. خديجة.ب يعرضون سلعهم في الأسواق وعلى حواف الطرقات وجد أطفال العائلات الفقيرة، في شهر رمضان الذي تزامن مع أيام العطلة الصيفية الطويلة، فرصة مناسبة لانتزاع مصروفهم من عرق جبينهم، من أجل المساهمة في دخل أسرهم للتغلب على تكاليف شهر الصيام الكثيرة، وإنفاق بعض المال على تأمين حاجياتهم اليومية وكسوة أنفسهم، فيما يدخرون قسطا للدخول المدرسي المقبل بغرض اقتناء الكتب والأدوات المدرسية. ومن بين المهن التي اقتحموها بقوة، عرض مستلزمات المائدة الرمضانية، على غرار " القصبر والمعندوس، الديول، المطلوع....) وغيرها، في الأسواق الشعبية، وعلى حواف الطريق السريع تحت لهيب أشعة شمس الصيف التي تلفح أجسامهم الهزيلة، فيصطف هؤلاء الباعة الصغار من مدخل السوق إلى مخرجه، يعرضون بضاعتهم على ألواح خشبية، أو صناديق بلاستيكية. ومن بين هؤلاء الباعة النشيطين "سمير" صاحب السبع سنوات الذي يصرخ بأعلى صوته يوميا منذ ساعات الصباح الأولى"ديول مصنوع في المنزل ب70د.ج"، ليجلب أكبر قدر من الزبائن، وخاصة أن باعة صغار كثيرون يعرضون مثل سلعته، غير أن هذا الفتى استطاع أن يجد طريقة مناسبة يغري بها الزبون بفضل ابتسامته الدائمة وذكائه في البيع، فبمجرد اقترابك من طاولته يستقبلك هذا الفتى الصغير بابتسامة ويحييك، وان جاء موعد انصرافك، يودعك ويقول"صحا فطورك"، وهو ما جعل كثيرون يتهافتون على المنتوجات الخاصة به، أما عن سبب دخوله المبكر مجال العمل، فلم يستطع سمير الرد عنه لصغر سنه، واكتفى بالتحديق مطولا فينا، غير أن ملابسه الرثة وجسمه الهزيل وبشرته التي أحرقتها أشعة الشمس، كانت تحمل الإجابة. وغير بعيد عن سمير يجلس طفل أخر المسمى نسيم، لم يبلغ بعد وتبدو بشرته شديدة السواد، بفعل الشمس التي كانت ترسل أشعتها مباشرة نحوه، نسيم هو الابن الأكبر في العائلة٬ يعمل بائعا " للقصبر والمعدنوس" يقول "أصبحت رجل البيت بعدما فقدت والدي جراء حادث مرور السنة الماضية" وتابع: "نعم٬ "فأنا أعول أمي وإخوتي الصغار٬ وهم لا يجدون من يقدم لهم المصروف٬ ولذلك أعمل كي أستطيع أن أؤمن بعض المال لشهر رمضان، وأشتري كسوتي في المدرسة٬ لي ولهم". وأضاف "هذه أول سنة أعمل فيها٬ وقد حّصلت مبلغا معقولا٬ ولذلك سأحاول أن أستمر خلال أيام الدراسة في العمل٬ بحيث لا يتعارض ذلك مع أيام دراستي".وما كدنا أن ننتهي من لقاء نسيم٬ حتى أبصرت عيننا٬ طفلا أخر، يعمل في بيع خبز الدار أو كما يسميه "المطلوع"،حدثنا وهو يتصبب عرقا"أنه يستغل هاته الأيام التي يزداد فيها الطلب على الخبز التقليدي المحضر في المنزل، للعمل من أجل ادخار بعض المال، يمكنه من اقتناص رحلة إلى شاطئ البحر، وارتياد مقاهي الانترنت" وأردف قائلا: "لقد جمعت قسط معتبرا٬ ورغم ذلك فأنه غير كافي وسأضطر للعمل حتى انقضاء العطلة الصيفية". ويرى أن هذا العمل من باب تحمل مسئولية نفسه والإنفاق عليها٬ بدلا من طلب ذلك من والده يوميا٬ فحالته المادية ليست جيدة". وبعضهم توجه للعمل كقابض في الحافلات فئة أخرى من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، اختاروا طلب الرزق في الحافلات كقابضين لها، ويعتبر تشغيل هاته الفئة في بعض الخطوط الداخلية ، التي تقل فيها الرقابة، أمر محبب بالنسبة للسائقين، لان الراتب الذي يتقاضاه الأطفال يعد رمزيا، مقارنة مع ما يتقاضاه البالغ، ولهذا وجد هؤلاء في هذا العمل ملاذا لهم للهروب من روتين العطلة الصيفية وساعات الصيام الطويلة، وفرصة ثمينة لكسب بعض الأموال. هؤلاء العمال الصغار الذين معظمهم يدرسون في الطور الابتدائي أو المتوسط، ومنهم متسربين من مقاعد الدراسة، يجيدون عملهم وأن كانت دروس مادة الرياضيات والحساب تبدوا صعبة بالنسبة لهم، إلا أن طرح وجمع النقود يجيدونه بامتياز، فبمجرد صعودك في الحافلة، حتى يشرع القابض الصغير في تحريك بعض القطع النقدية بيده، إيذانا بوقت قبض ثمن مقعدك، والملاحظ أن هؤلاء الصبيان يتلقون نوع من العنف والشتائم من طرف بعض الزبائن. وفي هذا السياق حدثنا رمزي 11 سنة تحصل على شهادة السانكيام هاته السنة، فضل العمل في هاته الأيام ولم يجد من وسيلة سوى العمل كقابض في إحدى الحافلات التي تعمل عبر الخط الذي يقطن به، وحدثنا عن سبب ولوجه العمل في هاته السن المبكرة:" أحاول العمل في الإجازة الصيفية لملئ أوقات الفراغ الطويلة، نظرا لنقص الأنشطة الرياضية والثقافية في منطقتي، وأجمع بعض المصروف الذي يمكنني من التنقل مع أصدقائي واقتناء بعض ما أشتهيه خاصة المثلجات" ، أما عن الراتب الذي يتقاضاه فيضيف" يمنحني رب عملي أجرة يومية زهيدة، غير أنها مهمة بالنسبة لي، خاصة وأني أشعر بلذتها بعد التعب الشديد الذي ينالني طيلة اليوم، ولم يبدي رمزي شعور الخجل أو الدونية من رفاقه الذين يقضون جو العطلة وسط السمر واللعب، ولم تؤثر فيه شتائم الركاب، بل أعتبر عمله شريف ولا يستدعي طأطأة رأسه". المهن الفلاحية للقرويين أما أطفال القرى والمداشر، فلم يجدوا من وسيلة للهروب من جحيم الفراغ القاتل، وسط شح المرافق المخصصة لهم، سوى البحث عن عمل مؤقت في البساتين، حيث يعمل الكثيرون منهم في الفترة المسائية وقد جف حلقهم من العطش في شهر رمضان في جني الفواكه الموسمية على غرار "الخوخ، والبرقوق، والتين....."، مقابل حصولهم على بعض الدنانير ينفقونها على عائلاتهم، ويشترون بها بعض الحلويات والمثلجات بعد أدائهم صلاة التراويح، وأن كانت أسرهم لا تمانع هذا العمل حسب أحد الأطفال، حيث يقول" لا يعارض والدي فكرة أن أعمل في هاته الأيام، في الحقول، نظرا للملل الذي ينتابني طيلة النهار الطويل في الصيف، ولا أجد أي نشاط أقوم به بسبب بعد المراكز الرياضية عن قريتي من جهة، وضعف دخل والدي الذي لا يستطيع أن يؤمن لي وأشقائي سوى الطعام، ولهذا لم يعارضوا عملي وشجعوني بشرط أن أشتغل 03 أيام فقط في الأسبوع، وأتفرغ في باقي الأيام للعب والراحة" أما عن طرق إنفاق مدخوله فيرد " أتقاض راتب صغير يوميا، أنفق بعض منه على شراء العصائر نضرا للعطش الشديد الذي أشعر به وقت العمل، والحلويات الرمضانية التي أحبها كثيرا مثل القلب اللوز والزلابية، فيما أخبئ جزء للسهرة الرمضانية مع رفاقي لابتياع المثلجات اللذيذة". وآخرون امتنهنو التسول بموافقة أوليائهم الأشد إيلاما في ظاهرة عمالة الأطفال، هو ولوج البراءة عالم التسول الذي يعتبر بوابة الآفات الاجتماعية وتكثر خاصة في التجمعات القصديرية، وتكون الفاقة والحاجة دافعا إليه أو تكون العادة التي تطورت وأصبحت عرفا عائليا لا يمكن مخالفته، فكثيرا ما تصادف أطفالا في عمر الزهور يتسولون بمعية أوليائهم الذين يحضّرونهم نفسيا لممارسة هذه المهنة مستقبلا، وما يثير الدهشة أن هذا الطفل الذي عادة ما يحقق نتائج دراسية محتشمة، إن كان لا يزال في المدرسة تجده يجتهد في استعطاف قلوب الناس ويحفظ عن ظهر قلب مختلف عبارات التسول "ربي يحفظك"، "ربي يسترك"، ربي يوفقك"، وغيرها من الأدعية المأثورة في هذا العالم. ويستغل هؤلاء هاته الأيام المباركة من شهر رمضان، الذي يكثر فيها الصدقات من ذوي البر والإحسان، لينتشروا في الأماكن الإستراتيجية التي تدر عليهم أرباحا، يأتي في مقدمتها بيوت الله والأسواق الشعبية وفي كثير من الطرقات السريعة ومواقف السيارات، بل وحتى على أبواب المقابر، تجد أيادي صغيرة تمتد لتتوسل إليك من قبل أطفال متسولين، ولكل منهم طريقته التي ينهجها من أجل الإيقاع بفريسته، وللنظر في أماكن وأوقات تواجد العديد من هؤلاء المتسولين نجدهم يختارون أماكن عديدة ولكن الأغلبية تكون قرب المساجد التي يتوافد على أبوابها العديد منهم، حيث يكون المحسن في حالة نفسية تدفعه أكثر للعطاء، كما يختار المتسولون يوم الجمعة لوجود أعداد هائلة من المصلين يستطيعون من خلالها جمع أموال كبيرة في وقت قياسي ، أما عن هيئتهم الخارجية فيتشكلون بالهيئة الرثة والمتسخة في غالبهم التي توحي بالفاقة والعوز. أطفال وجهتهم المفضلة المساجد لحفظ كتاب الله لا تزال المساجد عبر مختلف ربوع الوطن تلعب دورها الديني والتربوي الضارب في عمق مجتمعنا ، حيث أبى القائمون عليها على تسطير برنامج بمناسبة شهر رمضان الكريم يقوم على تنظيم مسابقات لحفظ القرآن الكريم للأطفال استعدادا لليلة القدر المباركة وقد لقيت هذه المبادرة استحسان فئة أخرى من الأطفال الذين أقبلوا على بيوت الله لحفظ القرآن الكريم، و حسب أحد الأئمة فان هذه المبادرة التي تكتسي طابعا تعليميا حيث تعلم الطفل أحكام القرآن وتجويده وهو ما لا يتعلمه في المدرسة وحتى في البيت وطابعا ترفيهيا حيث يجد الأطفال متعة كبيرة في الانتقال مع أصدقائهم وجيرانهم إلى المسجد والتنافس معهم على حفظ كتاب الله الكريم وطابعا دينيا وروحيا حيث يتعلم الطفل أخلاق الإسلام وتترسخ في أذهانهم وهذا ما يجعلها أحد مقومات رجل الغد، مضيفا بأن المساجد تحمي الأطفال من أخطار الشارع، وتملى أوقات فراغهم الطويلة، كما وجد فيها الأطفال فرصة ملائمة للتنافس على فريضة الصيام، وقد سبق أن تخرج من المساجد التي اعتمدت هذا المنهج الكثير من الطلبة حفظة القران واللذين هم بدورهم يتطوعون للتدريس مجانا، ليتوج في الأخير جميع الأطفال بجوائز تشجيعية. ومثل هذه المبادرات تجعل المساجد لا تقتصر فقط على أداء فريضة الصلاة وإنما منارة تربوية وتعليمية وأخلاقية يفضلها جميع الأولياء مهما اختلفت مستوياتهم المادية والثقافية و بغض النظر عن المنطقة التي يقطنون بها لأنها تعلم أطفالهم المنهج القويم وتهديهم إلى الطريق السليم مستقبلا.