ما زالت بلدية جسر قسنطينة، شرقي الجزائر العاصمة، تسجل نقصا فادحا وتأخرا تنمويا ملحوظا على جميع الأصعدة، والبلدية ليست كما يتصورها البعض من زوارها مكانا تتوفر فيه كافة شروط الحياة العصرية أمام إغراءات صور الزخم العمراني الذي تشهده وحركة السير التي ما هي في الحقيقة إلا حالة من الفوضى وسوء التنظيم.. تبقى جسر قسنطينة في صورتها الحقيقية والأصلية، هي تلك البلدية التي مازال أبناؤها غارقين في مختلف المشاكل، كالسكن والشغل وتردي مختلف الخدمات الاجتماعية، نظرا لكونها تسجل تأخرا ملحوظا في مختلف المشاريع التنموية، رغم المحاولات المتعددة والجهود المتواصلة التي بذلتها ومازالت تبذلها السلطات المحلية بالبلدية، لتحسين المستوى المعيشي لقاطنيها، غير أنها مازالت في سباق مع الزمن لإعطاء دفعة لعجلة التنمية المحلية التي ظلت ولسنوات تسير بخطوات متثاقلة مثيرة استياء وسخط سكان البلدية، بالنظر إلى تدني نوعية المعيشة في أحيائها وكذا مختلف مؤسساتها التي تفتقر لأدنى شروط ومتطلبات الخدمات العصرية. مرافق الترفيه والتسلية من أحلام اليقظة تعرف بلدية جسر قسنطينة حالة من الفوضى العمرانية، أفرزها الغزو المستمر للرقعة الإسمنتية، خاصة منها البناءات الفوضوية التي باتت تشوّه المنظر العام للمنطقة، وكل هذا على حساب المساحات الخضراء ومرافق الترفيه والتسلية، كون البلدية تفتقر لأدنى الخدمات في هذا الإطار، بالنظر لانعدام دور الشباب، قاعات السينما والمكتبات. وهي المرافق التي تبقى، حسب بعض السكان، في آخر أولويات المسؤولين المحليين، ولم يبد على هؤلاء، حسبهم، أنهم يعتمدون اتباع إستراتيجية تضمن إحداث التوازن بين مرافق التسلية والبناءات المترامية على مستوى المنطقة، ليبقى مشروع توفير الفضاءات الخضراء، حلما بعيد المنال بالرغم من كونه عاملا ضروريا في إستراتيجية بناء المدن، ما جعل المواطنين يستغربون من عدم تدخل السلطات البلدية لوضع حد للفوضى العمرانية، وعدم توفر الأحياء على مساحة واحدة للترفيه، وهو ما يمكن أن يلاحظه كل من يقصد البلدية ويتجول بمختلف أحيائها، رغم الأصوات العديدة التي ظلّت تنادي بضرورة إنشاء حدائق ومساحات للتسلية ومنشآت رياضية وثقافية، بإمكانها سد الفراغ "القاتل "الذي يتخبط فيه شباب البلدية ومن ثم بعث الحياة الاجتماعية فيها من جديد. التلوث البيئي بالمرصاد خلال جولتنا الاستطلاعية لأحياء وشوارع بلدية جسر قسنطينة، شد انتباهنا الانتشار الواسع لأكياس القمامة المتراكمة، والتي تلقى بطرق عشوائية في مختلف الأزقة، ففي حي عين النعجة المعروف بكثافته السكانية العالية، يعيش القاطن فيه معاناة متواصلة مع النفايات المنزلية التي شوّهت الحي وأحالته على وضع لا يطاق، بسبب عدم التوافق في تقسيم العمل بين مصالح النظافة التابعين للبلدية، والهيئات الخاصة العاملة والمتعاقدة في هذا المجال، فضلا عن بعض المواطنين المتسببين في هذه الوضعية بإلقائهم للأوساخ عشوائيا وفي كل وقت. وبالقرب من تعاونية أمنية بدة وكأنه تشكل ما يشبه "مفرغة عمومية بحكم العادة"، تلقى فيها نفايات خطيرة على البيئة وصحة المواطن، ورغم قربها من روضة للأطفال وابتدائية، إلا أنه ما من أحد حرّك ساكنا لشن حملة تنظيف تنقذ المواطنين من وضعية صحية وبيئية صعبة، وهو نفس المشهد الذي يتخبط فيه حي 720 مسكنا، الذي رغم استحداث البلدية نقاط لجمع القمامة، إلا أن انعدام الحس المدني لدى بعض المواطنين، جعل الحي يغرق في أكوام من النفايات والتي اكتسحت معظم الأزقة. غياب مواقف السيارات هاجس آخر بإمكان المتجول بمختلف الأحياء والشوارع أن يلاحظ تنامي واتساع ظاهرة المواقف العشوائية لركن السيارات، حيث عبّر السكان ل"الجزائر الجديدة" وبلهجة كلها غضب، عن استيائهم الشديد من هذه الوضعية التي أفرزت مهنة جديدة يمارسها بعض الشباب البطال، إذ أصبح لزاما على أي شخص يركن سيارته في الشارع أن يدفع مقابل ذلك، دون أن يوجد أي قانون يوجب عليه الدفع، وإن رفض ذلك فإنه حتما سيضطر لسماع العديد من الشتائم من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم "مسؤولين رسميين" عن مساحات تبقى ملكا للدولة، بسبب الممارسات الناتجة عن بعض الشباب الذين حوّلوا الأرصفة إلى مواقف لركن السيارات، هي شبيهة بخم الدجاج، نظرا لركن هذه الأخيرة بطريقة عشوائية ومحشورة، وهو ما يتعذر معه وفي غالب الأحيان على صاحب السيارة، إخراجها من ذلك الموقف، مما يدفعه إلى الانتظار لساعات حتى يتمكن من ذلك، وقد تسببت هذه الوضعية أيضا في اختناق حركة السير، وذلك على مستوى الطريق الذي تمر به يوميا المئات من المركبات وحافلات نقل المسافرين، بحكم قربه من محطة الحافلات الرابطة بين حي عين النعجة والبلديات المجاورة كالقبة، بئر خادم، ساحة أول ماي وغيرها من الخطوط، وذلك كله فضلا عن انعدام أدنى شروط الأمن والسلامة المرورية في تلك المواقف العشوائية. النقل.. المشاكل حاضرة أيضا لم يسلم بدوره قطاع النقل من النقائص وجملة السلبيات، وفي هذا الصدد، يشتكي مستعملو محطة نقل المسافرين المتواجدة على مستوى البلدية، من الوضعية المزرية التي آلت إليها هذه الأخيرة، حيث تعرف كما هائلا من المشاكل أثّرت سلبا عن السير الحسن لقطاع النقل الحضري، ومن أبرز تلك السلبيات، الحالة المتدهورة التي تشهدها أرضية المحطة، والتي باتت تشكل عائقا للمسافرين والناقلين على حد سواء، وهذا لبلوغها درجة قصوى من الاهتراء، حيث تحوّلت في معظمها إلى حفر وعوائق كبيرة تسببت في حدوث أعطاب متفاوتة لمحركات الحافلات الناشطة على مستوى المحطة، ويزداد الوضع سوءا عند تساقط الأمطار، أين تعرف المحطة بأكملها بركا من الأوحال والمياه الراكدة، ناهيك عن الغياب التام لعنصر النظافة، فكل من يقصد هذه المحطة يلاحظ الانتشار الواسع للنفايات في كل ركن منها، ما يوحي بشكل قاطع أنها لا تخضع أبدا للتنظيف، وفي ذات السياق، يشتكي المسافرون من انعدام الواقيات التي تحميهم من أشعة الشمس صيفا وغزارة الأمطار شتاءا، ولعل النقطة التي أفاضت الكأس من هذه الناحية هي الحالة المتدهورة التي آلت إليها بعض الحافلات الناشطة على مستواها، فمن يستقلها سرعان ما يلاحظ أنها تتسم بالقدم والاهتراء وأنها لم تعد صالحة مطلقا لنقل المسافرين. من جانب آخر، يشتكي مواطنو البلدية من قلة حافلات نقل المسافرين المتجهة نحوالعاصمة، وهوالمشكل الذي حوّل يومياتهم إلى كابوس حقيقي، حيث عبّر هؤلاء عن استيائهم من النقص الكبير المسجل فيهذا الإطار، الأمر الذي يضطرهم دائما للبقاء في الموقف لعدة ساعات. وبخصوص هذه الوضعية أكد المواطنون أنه بالرغم من المطالب العديدة الموجهة إلى الجهات المعنية من أجل مضاعفة عدد الحافلات، إلا أن مطالبهم لم تلق، حسبهم، أي رد فعل إيجابي لتغيير الوضع، ليتحول النقل من وإلى بلدية جسر قسنطينة إلى نقطة سوداء تزداد قتامة يوما بعد يوم. نفس "الديكور" بالنسبة للنقل المدرسي حتى الأطفال المتمدرسون بالبلدية يشتكون من انعدام النقل المدرسي، الأمر الذي يجعلهم يستعملون مختلف الوسائل المتاحة للوصول إلى مقاعد الدراسة. وأمام هذه الوضعية، أكد الأولياء أن أبناءهم يتخبطون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مزرية من أجل الوصول إلى مدارسهم وذلك بسبب بعد المسافة من جهة وقلة حافلات النقل المدرسي من جهة أخرى، رغم عديد الشكاوى التي تقدم بها أولياء التلاميذ إلى السلطات المحلية من أجل توفير هذه الخدمة الهامة، إلا أنهم لم يجدوا، وفقهم، من يصغي إليهم حيث بقيت مطالبهم مجرد حبر على ورق كما يقولون دائما.