في تطور لافت ومفاجئ، جنح مسؤولو كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، للتهدئة، وسقطت من أجندتهم الصراع على قيادة الوزارة الأولى، وذلك بالرغم من أن هذه المسالة صنعت الجدل بين الطرفين، على مدار نحو أزيد من نصف السنة.. فما الذي جرى؟ في آخر تصريح للمتحدث الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي، النائب شهاب صديق، قال إن حزبه غير معني بالسباق من أجل الظفر بمنصب الوزير الأول، وهو الأمر الذي لم يخفيه أمينه العام، أحمد أويحيى، على مدار الأشهر الأخيرة، وترك شهاب الأمر للرئيس بوتفليقة، باعتباره الجهة المخولة دستوريا بالحسم في المسألة. وفي تصريح مشابه بل يكاد يكون مطابقا، خرج عضو المكتب السياسي بحزب جبهة التحرير الوطني، بعجي أبو الفضل، عن سياق التصريحات التي صدرت في الآونة الأخيرة عن قادة ومسؤولي القوة الحزبية السياسية الأولى، ليؤكد أيضا أن اختيار الوزير الأول من الصلاحيات الحصرية للرئيس بوتفليقة. وجاءت تصريحات شهاب صديق وبعجي أبو الفضل التي جنحت إلى التهدئة بين حزبي السلطة، في أعقاب تصعيد وجدال بين الأفلان والأرندي حول من يقود الحكومة، بدأه الأمين العام للحزب العتيد، عمار سعداني، منذ أن عاد أويحيى لنيابة الأمانة العامة في حزبه الصائفة المنصرمة، في أعقاب استقالة عبد القادر بن صالح منها. ومما زاد من حدة ذلك الجدال هو ما تضمنته مسدودة تعديل الدستور، التي تركت الأمر غامضا في الكيفية التي يتم بها اختيار الوزير الأول، بحيث تحدثت عن الأغلبية البرلمانية ولم تقتصر على الحزب الفائز، وهو ما حاول التركيز عليه، أمين عام الأرندي، عندما عرض المسودة باعتباره مدير لديوان الرئاسة، وهي النقطة التي توقف عندها بعد ذلك، عمار سعداني مطولا في إحدى الندوات الصحفية التي أعقبت اجتماع المكتب السياسي، بحيث لم يتردد في انتقاد أويحيى، متهما إياه بأنه كان يتحدث كرئيس حزب وليس كمدير للديوان برئاسة الجمهورية. وكان معلومات غير رسمية قد تحدثت عن أوامر "من فوق" قد وجهت لقيادة الأفلان، تدعوها من خلالها لوقف التصريحات المهاجمة والمنتقدة لأمين عام الأرندي ومدير الديوان بالرئاسة، وذلك قبل التهدئة التي جنح إليها الطرفين لاحقا. وإذا صحت تلك التسريبات، فكيف يمكن قراءتها، هل تنم عن تأكيد من الجهات الآمرة، بأن أويحيى سوف لن يكون وزيرا أولا، وبالتالي كانت رسالة تطمين للأفلان، سيما وأن شهاب صديق قال إن حزبه لا يجري وراء ذلك المنصب، أم أنها كانت بمثابة تنبيه لقيادة الحزب العتيد، مفاده أنه يجب التوقف عن التصعيد بخصوص قضية من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده، ولا يمكن أن يضغط عليه أي طرف مهما كان يملك الأغلبية؟ الأيام المقبلة وحدها هي الكفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.