على غير العادة اقتصر التعديل الجزئي، في أكثر الحكومات تعديلا (حكومة سلال الخامسة)، على خمسة مناصب، ثلاثة منها لها أكثر من دلالة في الوقت الراهن، الذي صار فيه الدينار وبرميل البترول يلعبان دور مشنقة، لا تنتظر حكما من قاض لتفعيل دورها، في ظل أزمة مالية خانقة.. تركيز التعديل الحكومي على وزراء المالية والطاقة والسياحة له أكثر من دلالة بالنسبة لحكومة تبحث كيفية تنويع مداخيلها بكل الطرق، بين الداخل والخارج، من حيث المطلوب من وزير المالية الجديد حاجي باب عمي تفعيل آليات استقطاب مالي داخليا بضرائب جديدة تعوض الجباية البترولية، وإيجاد مخرج للقرض السندي الذي راح ضحية تصريحات عابرة من سلفه بن خالفة، ومطلوب من الوزير الجديد تبسيط إجراءات الاستثمار إلى درجة يستقطب فيها ما استعصى من رؤوس أموال تخاف "المغامرة الجزائرية. وبنفس الريتم يكون وزير الطاقة، وهو ابن القطاع ترعرع في "سونالغاز" ويعرف نقاط ضعف وقوة المنظومة الطاقوية، مطالب برفع قدرة الجزائر في الغاز، وتثمين آبار نفط تراوح مكانها إنتاجيا، وأكثر من هذا عليه الدخول في سباق مراطوني لتحفيز الإنتاج الطاقوي بما يضمن مداخيل تقي البلاد أزمة خانقة في المدى القصير، ويكون عليه الإشراف على الخطوات الأولى من برنامج الطاقات المتجددة، الذي خصصت له الحكومة ما يوازي احتياطي الصرف من العملة الصعبة، ولم ينطلق لأسباب، أولها خوف من المغامرة في هذا الاتجاه، خصوصا بعد الاحتجاجات العارمة ضد الاستثمار في الغاز الصخري.. أما السياحة التي قيل فيها وعنها الكثير ولم تنجح في الحصول على "موسم سياحي مثمر" واحد، يؤشر لبداية في عالم العملة القادمة من جنوب السياح الأجانب، فيكون على عبد الوهاب نوري، (الذي انتقل في السنوات الأخيرة من تسيير قطاعات ولائية إلى قطاع وزاري بما يتطلبه من إلمام اكبر من "عقلية" الوالي المنفذ فقط،) تحريك ما كان يعبر عنه عمار غول ب"خطاب مسجدي دعوي" في السياحة، ويختم كلامه بإن شاء الله، والنفاذ إلى حلول تستقطب السياح الأجانب، أو على الأقل تستقطب السائح الوطني و"تحتجزه" في البلاد يصرف ما عليه صرف في الخارج هنا، وهو رهان صعب، وأصعب منه كيف يوصل الخدمات الفندقية والسياحية إلى درجة المقبول أولا، ثم حلحلة العوائق الذهنية لدى من ينتظرون نهاية الشهر لقبض الأجرة ولا يهمهم إن رضي الزبون.. أو خبط راسو في الحيط، علما أن السياحة التي وجهت لها الحكومات أموالا طائلة لتهيئتها، حتى تدر المال المطلوب منها ليست "بريستيج" في الوقت الحالي بقدر ما هي رافد من روافد المالية، وعليها ينبني بقاء الوزير وسلال وغيره.. ونظرا للشظف الذي مس ميزانية الحكومة وبرامجها، أدمجت وزارتي النقل والأشغال العمومية في وزارة واحدة يقودها بوجمعة طلعي، وهو يعلم ما في النقل من مشاكل ومعوقات وما المنتظر منه، خصوصا في علاقته بالأشغال العمومية التي يجري فيها تجسيد طرق سيارة ومزدوجة وربط بالموانئ والمطارات، لما له من تسهيل للحركة التجارية في البلاد مستقبلا، وتقليص لنفقات النقل مع خطوط سكك حديدية جديدة، مساعدة للراغبين في الاستثمار. ويكون على بوجمعة طلعي متابعة الأشغال التي لم تجمد تحت طائل الأزمة المالية، والمسجد الأعظم رفقة وزير السكن عبد المجيد تبون. وفي التعديل الجزئي على فريق سلال، إشارات أخرى للرأي العام خصوصا بالنسبة للوزراء الذي كثر فيهم القيل والقال، وعلى رأسهم نورية بن غبريط وعبد المجيد تبون، الأولى بسبب فضائح في التربية تتوالى آخرها تسريب مواضيع امتحان البكالوريا، وما خلفه من صدمات لدى التلاميذ وأوليائهم، والثاني بسبب سكنات "عدل"، التي فجرت عيونا من الاحتجاجات خصوصا لدى مكتتبي "عدل" 2001 و2002، والمخاوف المرتبطة بعجم استكمال المشاريع المبرمجة والإضافية، وهي مخاوف مرتبطة أيضا بندرة الاسمنت وما له من تاثير على الرزنامة العامة في الانجاز. وبقاء هذين الاسمين في الفريق الحكومي يشكل في حد ذاته تحديا ليس للأحزاب التي طالبت في وقت ما برحيلهما، بل تحد لهما لاستكمال البرامج المودعة "أمانة" لديهما، لما للقطاعين من حساسية، عطفا على إصلاحات الجيل الثاني في التربية، والبرامج السكنية التي تلعب عليها الحكومة والرئيس لإسكات الأصوات المعارضة، ولتجسيد وعود بوتفليقة في الإسكان، مهما تأخرت تواريخ التسليم، وهي ملاحظة لصيقة بنهاية العهدة الثالثة والعهدة الرابعة الجارية. وفي الشؤون الخارجية لا تغيير، ما يعني بقاء لعمامرة ومساهل، ونفس الأمر ينطبق على وزير الشؤون الدينية الذي يبدي مغالبة لتيار تكرس في المؤسسة المسجدية، وهذا الوزير يساير الزوايا بمنطق "علماني" يستفيد منها، ولا يعاديها، ويضعها في باب المرجعية، وهو ما لم يفصح عنه وزير قطاع من قبل، اللهم ما شاع عن بوعبدالله غلام الله. من هي الأسماء الجديدة في الرفيق الحكومي أجرى رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، يوم السبت تعديلا جزئيا في حكومة عبد المالك سلال مس عشرة قطاعات. ومس هذا التعديل قطاعات إقتصادية واستحدثت وزارة منتدبة مكلفة بالاقتصاد الرقمي وعصرنة الأنظمة المالية. وعُيّن شلغام عبد السلام وزيرا للفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري خلفا لسيد احمد فروخي. وسبق لشلغام أن شغل مناصب، بينها الأمين العام لوزارتي الفلاحة والنقل. وعُينت غنية الدالية نائب جبهة التحرير الوطني ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني وزيرة للعلاقات مع البرلمان خلفا لطاهر خاوة. وعين بوضياف معتصم وزيرا منتدبا لدى وزير المالية مكلفا بالاقتصاد الرقمي وعصرنة الأنظمة المالية. وكان بوضياف الخبير في الإقتصاد الرقمي والأنظمة البنكية يشغل منصب المدير العام لمجمع المنفعة الإقتصادية للنقد. وكان الوزير الأول تطرق إلى استحداث هذا القطاع خلال زيارته الأخيرة إلى ولاية تيزي وزو. من جهة أخرى عين بوعلام بسايح وزيرا للدولة ومستشارا خاصا وممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية.