محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد المر للحرب على الإرهاب

بينما يقومون بتصفية مجموعة من المدنيين العُزّل دون تردد ويظهر في المقطع المصور أحد الجنود بينما يصفّي مدنياً أعزل يرتدي سروالاً أزرق به خطوط بيضاء وقميصاً رمادياً عبر إطلاق الرصاص على رأسه، فيما تم قتل آخر بعد اقتياده معصوب العينين وسؤاله عن أهله وعائلته مجيباً بأنه من عائلة العوابدة من قبيلة الرميلات «أرميلي» ويسكن عند عائلة الصياح من نفس القبيلة.
وعبر مقارنة صورة القتيلين مع ما جاء في بيان نشر على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة في 6 ديسمبر عام 2016، يتضح أنهما نفس الشخصيتين اللتين ظهرت صورتهما في بيان المتحدث العسكري واتهما بأنهما من التكفيريين وتم القضاء عليهما خلال عملية مداهمة، كما أن القتيلين كانا ضد ظهرا في مقطع فيديو للشؤون المعنوية للقوات المسلحة عن مجهودات ما سمي ب«عملية حق الشهيد»، والذي أذاعته قناة المحور في شهر نوفمبر عام 2016، وقيل فيه إنهما عناصر تكفيرية مسلحة تم قتلهم خلال اشتباكات شهدت تبادلاً مكثفاً للنيران مع قوات المداهمة.
القوات 103
واجه مقطع الفيديو رفضاً واسعاً من مؤيدي النظام الحكام في مصر، إذ شكك هؤلاء في صحة المقطع، مبررين ذلك بظهور أحد الجنود طويل اللحية على عكس الهيئة المعتادة لقوات الجيش المصري حليقة اللحى، بالإضافة إلى ظهور أحد الجنود مرتدياً بعض الملابس المدنية مع الملابس العسكرية، وكذلك اختلاف اللهجة التي كان يتحدث بها أحد المتورطين في القتل مع لهجة بقية المصريين.
وأصدرت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش بيانين منفصلين تؤكدان فيهما أنهما قامتا بتحليل مقطع الفيديو، وأنه يظهر أن قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء أعدمت ما لا يقل عن 2 ولا يزيد عن 8 محتجزين عُزّل، ثم غطت على عملية القتل لجعلها تبدو وكأن الضحايا «إرهابيون» مسلحون تم إطلاق النار عليهم أثناء مداهمة، فيما طالبت الأخيرة الدول التي تقدم الأسلحة والعتاد والتدريب للجيش المصري بأن تجمد هذه المساعدات طالما القوات المسلحة المصرية مستمرة في تحمل مسؤولية انتهاكات متفشية وجسيمة لحقوق الإنسان.
وقال البيان إن مصدرين من سيناء تعرّفا على الشخص المسؤول عن الإعدام بصفته عضواً معروفاً في مليشيا محلية تعمل بأوامر من الجيش المصري، وتعرف تلك المليشيا ب«المناديب» أو قوات «103» وهم مدنيون يرتدون ملابس الجيش وفي بعض الأحيان يرتدون ملابس مدنية أو مختلطة بين هذه وتلك، ويُطلق عليهم بين أهالي سيناء ألقاباً مثل «أبو صباع» لأنهم يشيرون بإصبعهم على المطلوب أو «103»، إذ يُصنف أهالي سيناء المجموعات المسلحة إلى ثلاثة أصناف؛ 101 وهم أفراد الكتيبة 101 صاعقة المتمركزة في سيناء و102 ويطلقونها على أفراد الجماعات المسلحة من الدواعش وغيرهم، و103 وتطلق على المناديب أو المتعاونين مع قوات الأمن.
عقب تداول مقطع الفيديو، نشرت صفحة «سيناء 24» التي تديرها مجموعة من النشطاء السيناويين على موقع التواصل الاجتماعي، أسماء اثنين من المعدومين ميدانياً وهما الشقيقان «داود صبري العوابدة» يبلغ من العمر 16 عاماً، و«عبدالهادي صبري العوابدة» ويبلغ عمره 19 عاماً، وبحسب الصفحة فقد اعتقلت قوات الجيش الشقيقين العوابدة من منطقة الحرية، جنوب رفح بتاريخ 18 جويلية 2016، وتم إخفاؤهما قسرياً حتى ظهور الفيديو ومعرفة مصيرهما.
واعترف الرائد خالد أبو بكر أحد ضباط الجيش ومؤسس ما يعرف بصفحة الجيش المصري الإلكتروني على موقع «فيسبوك» بصحة مقطع الفيديو قائلاً إنه «صحيح بنسبة 100%»، مُطالباً بمزيد من التصفيات من دون محاكمات، وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات عديدة حول عشرات الحالات من القتل والتصفية التي تنشرها صفحة المتحدث العسكري باستمرار، خصوصاً أن عدد من تمت تصفيتهم بعد القبض عليهم خلال الفترة ما بعد 30 جوان 2013 في منطقة الشيخ زويد وحدها يصل إلى 100 معتقل، إلى جانب 200 شخص مختفين قسرياً لا يعرف أقرباؤهم عنهم شيئاً، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية التي تطاول المئات وتتم بصورة دورية، وفق ما أكد ناشطون حقوقيون سيناويون لموقع «العربي الجديد».
التوصيف القانوني للواقعة
تحتوي وقائع الفيديو الذي كشفته قناة مكملين جرائم عدة، وتحصي المحامية مها أحمد مديرة برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات تلك الجرائم محددة إياها في إفادتها لموقع «العربي الجديد»، ب«الاحتجاز دون وجه حق واستعمال موظف عام القسوة تجاه مواطنين والقتل العمد».
وأوضحت المحامية الحقوقية أنه في حال كان هذا التصرف فردياً من القوات التي تورطت فيه فإن المادة 91 من قانون العقوبات نصت على أنه «يُعاقب بالإعدام كل من تولى لغرض إجرامي قيادة فرقة أو قسم من الجيش بغير تكليف من الحكومة أو بغير سبب مشروع»، أما إذا كان ذلك ناتجاً عن أوامر عُليا فهو ما يُحيلنا إلى مادة 126 من نفس القانون التي نصت على أن كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً وهي الإعدام».
لكن ماذا عن الموقف القانوني للمدنيين المتعاونين مع الجيش، يجيب المحامي ناصر أمين ومدير المركز العربي لاستقلال القضاء وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بأن المتعاونين من المدنيين مع القوات العسكرية يتم اعتبارهم قوات عسكرية، وفقاً لاتفاقية جنيف، ضارباً المثل بقوات «الجنجويد» في السودان، وتابع: «تتم محاكمتهم أمام القضاء العسكري، وفي حالة عدم محاكمتهم داخل الدولة التي وقعت فيها الجريمة ينتقل الاختصاص للقضاء الدولي»، مشيراً إلى أنه في حال كانت الدولة التي وقعت فيها الجريمة عضواً في المحكمة الدولية في لاهاي وموقعة على اتفاقية روما يتم تقديم الشكوى لمكتب النائب العام في لاهاي للتحقيق والإحالة إلى المحكمة الدولية الجنائية، وفي حال لم تكن عضواً مثل مصر ينتقل الاختصاص إلى أي دولة لديها الاختصاص الجنائي العالمي في جرائم الحرب وهي أي من الدول السامية الراعية لاتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949، وتبدأ هي بالتحقيق والمقاضاة، باعتبار أن هذا الاختصاص مُنح إلى الدول الراعية لاتفاقية جنيف ويكون قضاؤها مختصاً بنظر القضايا أو الجرائم التي تنتهك اتفاقيات جنيف أو تنتهك قانون الحرب بصرف النظر عن المكان الذى وقع فيه أو جنسية المتهمين مثل النرويج وفرنسا وبلجيكا، مشدداً على أن الشكوى يجب أن يقدمها ذوو الضحايا.
التشخيص النفسي
يرى الدكتور حسين عمر، استشاري الأمراض النفسية بمستشفى جامعة سان جورج في لندن، وزميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين بإنكلترا أن كل إنسان لديه قدر من العدوانية، وفي حالة قوات الأمن يجب السيطرة عليها جيداً لأنها تتوفر لها السلطة والسلاح وتوابع السلوك العدواني لدى هذه الفئات أكبر كارثية وإضراراً بالمجتمع.
واعتبر الاختصاصي النفسي ما جاء في مقطع الفيديو نتيجة طبيعية لسقوط أو إسقاط كل الضوابط المجتمعية والمهنية والقانونية التي تحكم عمل قوات الأمن والتي من المفترض أن تمنعهم من الإظهار أو التمادي في أي سلوك عدواني تجاه المواطنين، وهو ما يأتي متسقاً مع كلام القائد الأعلى للجيش عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان قائدا عاما، بأن أي ضابط يقتل متظاهراً لن يقدم للمحاكمة، وهو نفس المبدأ الذي ظهر في الفيديو، إذ إن من قتلوا مواطني سيناء بحجة الإرهاب يعلمون أنهم يُحاكمون أيضاً.
وتؤدي تلك الحوادث إلى تعمق الإحساس بعدم الأمان والاستهداف من الدولة، إلى جانب الإحساس بالغضب والمرارة والظلم وسقوط دولة القانون بين أهالي سيناء، وفقاً للدكتور عمر، والذي أكمل: «ما حدث سيدفع الكثير من الشباب الغاضب والحانق على تصرفات النظام للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي تستثمر تلك المشاعر في تجنيد الشباب، كما أن الجنود الذين ارتكبوا تلك الجرائم لديهم قدر عالٍ من عدم الاتزان النفسي ودرجة عالية من الاستعداد الغريزي لإظهار السلوك العدواني، ومن الطبيعي أنه عندما تمر مثل تلك الجرائم بلا حساب أو عقاب ولا تتاح لهم الفرصة لإعادة النظر في سلوكهم أو إظهار أي شعور بالذنب أو تأنيب الضمير سوف تترسخ داخلهم قناعات بأن سلوكهم مقبول وأنهم محقون أو على الأقل معذورون فيما ارتكبوا من جرائم، ومن ثم فإن مثل هذا السلوك سيكون قابلاً للتكرار، ما يزيد من اضطرابهم النفسي ويزيد من خطورتهم على المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، الأمر قد تنتج عنه أفعال عدوانية تجاه آخرين مثل زملائه من الجنود وغيرهم، وقد يمتد ذلك السلوك العدواني حتى يطاول أسرهم أو أي فرد في المجتمع، لأن الرسالة التي تترسخ داخل الجندي هي أن العنف والعدوانية سلوك مقبول وهو ما سيلجأ إليه في كثير من المواقف بعد ذلك».
***************************************
مرتزقة «فاغنر»
نموذج روسي في سورية على غرار «بلاك ووتر» الأميركية
دفع العدد المتزايد من المقاتلين الروس القتلى في سورية، مجموعة المحققين المستقلين في النزاعات المسلحة ، إلى التحقق
من هويات عشرات القتلى من العناصر غير التابعة للجيش الروسي، إذ اعتادت المجموعة رصد سقوط قتيل أو قتيلين شهرياً، قبل أن يزداد العدد إلى ما بين خمسة وعشرة قتلى شهريا خلال الفترة من فيفري الماضي وحتى أفريل الماضي، بحسب ما أكده رئيس المجموعة، رسلان ليفييف، والذي يرجح انتماء هذه العناصر إلى شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة وغير المسجلة رسميا في روسيا.
وتمكنت المجموعة من التأكد من أسماء 15 قتيلا من عناصر «فاغنر» بحسب ليفييف، والذي يرى أن وقوع قتلى خارج صفوف الجيش يعد دليلا على استعانة روسيا بكيانات غير نظامية للمشاركة في العمليات البرية في سورية، بعد مرور قرابة عامين على بدء التدخل العسكري المباشر الروسي بسورية، في 30 سبتمبر من عام 2015.
تعد مجموعة المحققين المستقلين منظمة غير ربحية معنية بالتحقيق في التدخل الروسي في حربي أوكرانيا وسورية وتتخذ من موسكو مقرا لها، وعمدت المجموعة إلى رصد أنباء سقوط القتلى الروس في سورية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم التواصل مع ذويهم ومعارفهم وتوثيق معلومات تكشف ما إذا كانوا مقاتلين في الجيش الروسي أم لا، إذ يعد حجم الخسائر البشرية العسكرية في أوقات السلم سرا من أسرار الدولة منذ وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما قبل ثلاثة أشهر من بدء روسيا عملياتها في سورية، بحسب إفادة رئيس المجموعة.
تفادي إحراج السلطات
يمكن تلخيص المهمة الرئيسية لمرتزقة «فاغنر» في سورية بالمشاركة في العمليات الهجومية عالية المخاطر مثل عملية تحرير تدمر، كما يقول رسلان ليفييف، مفسرا الأمر بحرص السلطات الروسية على تفادي الضغط الاجتماعي في حال ازداد عدد القتلى في صفوف قوات الجيش، إذ لم تعترف وزارة الدفاع سوى بسقوط 34 قتيلا في صفوفها منذ بداية التدخل الروسي.
وتضمن شركة فاغنر سرية المعلومات حول نشاطها عبر توقيع المقاتل على إقرار بعدم الإفصاح عن المعلومات، حتى أن أسرته لا تعلم بنشاطه في بعض الأحيان، وفق ما وثقته مجموعة المحققين المستقلين، إذ يجري ربط صرف تعويضات القتل، والتي تصل إلى ما بين 50 ألف دولار و80 ألفا، لمصلحة ذوي المقاتلين بالالتزام بسرية المعلومات، خاصة أن الشركة غير مسجلة تحت اسم «فاغنر»، والذي يعد اسم شهرة قائدها ضابط الاحتياط دميتري أوتكين.
وتوازي قيمة التعويض السابقة ما يحصل عليه ذوو جنود الجيش الروسي من مبالغ تصل إلى 50 ألف دولار لأسرة كل قتيل، بحسب القانون الروسي. ويشير ليفييف إلى أن الفرق بين وضع شركة «فاغنر» ومثيلاتها الغربية يكمن في أن «فاغنر» تخضع للدولة بشكل مباشر، إذ تعامل على أنها وحدة خاصة وليست شركة تستهدف الربح، وهو ما يوافقه عليه الصحافي الاستقصائي دينيس كوروتكوف والذي كتب مقالة في مارس عن المرتزقة في الحروب الروسية نشرها في موقع «فونتانكا» الإخباري المستقل، أكد فيها مقتل عشرات من أفراد الشركة أثناء عملية «تحرير تدمر»، قائلا لموقع «العربي الجديد»: «هذا الكيان ليس شركة بالمعنى الحرفي للكلمة، لأنه لا يستهدف الربح، بل ينفذ أوامر من الدولة».
وقدرت صحيفة «إر بي كا» الخاصة نفقات روسيا على مشاركة المرتزقة في العمليات بسورية منذ بدايتها وحتى تاريخه بما يزيد على 150 مليون دولار في مقالة نشرتها في سبتمبر 2016.
وتبدأ أجور عناصر «فاغنر» من حوالي 1500 دولار أثناء التدريب بقاعدة «مولكينو» جنوب روسيا وتصل إلى 5 آلاف دولار أثناء المشاركة بالعمليات في سورية، بحسب الصحافي كوروتكوف، والذي يؤكد أن أي شخص له علاقة بالقوات الخاصة، يكفيه «اتصالان هاتفيان» لإيجاد طريقه للالتحاق ب«فاغنر».
ويقول كوروتكوف : «جميع أفراد القوات الخاصة يعرفون بعضهم بشكل أو بآخر من خلال مشاركتهم في مختلف التدريبات أو تولي حراسة السفن في خليج عدن إلخ، وهذه الدائرة محصورة، وباستطاعتهم الالتحاق ب«فاغنر» بسهولة بعد نهاية الخدمة».
القانون يحظر تجنيد المرتزقة
يحظر القانون الجنائي الروسي تجنيد المرتزقة، إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 359 من القانون الجنائي الروسي على أن: «تجنيد أو تدريب أو تمويل أو أي دعم مالي آخر للمرتزقة واستخدامهم في نزاع مسلح أو أعمال عسكرية، يعاقب عليه بالسجن من أربع إلى ثمان سنوات»، كما تنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن «مشاركة المرتزقة في نزاع مسلح أو أعمال عسكرية، يعاقب عليه بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات»، لكن مع زيادة ضلوع روسيا في الحرب السورية، تتجلى مؤشرات توسع نشاط الشركات الروسية الأمنية الخاصة، إذ ذكر موقع «فونتانكا» في جوان الماضي أن شركة «يورو بوليس» الروسية ذات صلة برجل الأعمال المقرب من الكرملين، يفغيني بريغوجين، والتي قد تتولى تحرير حقول ومصافي النفط في سورية من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي، مقابل حصولها على ربع الإنتاج بالإضافة إلى تعويض نفقات القتال.
ونشرت الصحيفة الإلكترونية ما قالت إنه مستخرج رسمي من السجل الحكومي الموحد للشخصيات الاعتبارية ل«يورو بوليس»، يبيّن أن لها فرعاً في دمشق، إلا أن رسلان ليفييف يرى أن «يورو بوليس» ليست سوى امتداد ل«فاغنر»، وتم تسجيلها بشكل رسمي بواسطة شخصية اعتبارية أخرى لإجراء تعاملات مصرفية دولية.
ولم يرد ذكر شركة «فاغنر» في أي قناة تلفزيونية حكومية منذ بدء العملية العسكرية الروسية بسورية، ويقتصر تناول أنبائها على الصحف ذات التوجهات الليبرالية مثل «إر بي كا» و«فونتانكا» و«نوفايا غازيتا»، وعلى صعيد رسمي، ولم يصدر غير اعتراف واحد على لسان الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي أكد شخصية ضابط الاحتياط، دميتري أوتكين، وحضوره استقبال «أبطال الوطن» في الكرملين في نهاية العام الماضي، لكن دون تأكيد قيادته مجموعة «فاغنر» في سورية.
ويؤكد المتحدث باسم الكرملين إن أي مواطنين روس يقاتلون مع القوات الحكومية في سورية عبارة عن متطوعين ولا علاقة لوزارة الدفاع الروسية بهم، بحسب ما جاء على لسانه في تصريحات صحافية، وتحصل أسر القتلى على أوسمة وفي بعض الأحيان تطلق السلطات المحلية أسماء الجنود القتلى على المدارس الذي درس فيها هؤلاء الجنود أثناء طفولتهم، وفق ما وثقته وكالة رويترز عبر إحصاء لعدد القتلى من الجنود الروس، إذ قدرت عدد القتلى من المتعاقدين الخاصين (مصطلح يطلق على المرتزقة ممن يقاتلون إلى جانب الجيش) ب 21 قتيلا إضافة إلى 17 آخرين من جنود الجيش، سقطوا جميعا منذ بداية العام وحتى نهاية يوليو/تموز الماضي.
غياب قانون الشركات العسكرية
لا تمتلك الدولة الروسية خبرة في استخدام الشركات العسكرية الخاصة، على عكس البلدان الغربية، بحسب ما يراه الخبير بمركز المتغيرات الاستراتيجية بموسكو، فلاديمير نييلوف، والذي يؤكد وجود شركات عسكرية خاصة روسية، قائلا «هذا ليس سراً». ويتابع نييلوف في حديثه لموقع «العربي الجديد» موضحا ما قصده بوجود مثل هذا الشركات: «هناك معلومات موثوق بها بأن شركتي «موران سكيوريتي غروب» و«إر إس بي غروب» الروسيتين لديهما عقود مع زبائن أجانب، وهما شركتان متخصصتان في حماية السفن من القراصنة والحراسة، كما ترددت في الربيع الماضي معلومات حول تنفيذ «إر إس بي غروب» عقدا لإزالة الألغام بمصنع في ليبيا».
ويتم تسجيل الشركات المماثلة في روسيا باعتبارها شركات حراسة خاصة، بالإضافة إلى التسجيل في مناطق «أوفشور» مثل قبرص وبليز وجزر فيرجينيا البريطانية وغيرها لتنفيذ الأعمال في الخارج» في ظل غياب قوانين تنظم عملها في روسيا، كما يقول نييلوف، والذي تابع مؤكدا أنه على عكس الشركات العسكرية الأخرى، فإنه لا توجد شخصية اعتبارية معلنة تحت اسم «فاغنر»، قبل أن يضيف: «إذا كان مثل هذا الكيان موجودا، فمن الخطأ تماما تسميته بشركة عسكرية خاصة».
ويتابع في ذات السياق: «يؤدي غياب قانون الشركات العسكرية الخاصة إلى انتشار مثل هذه الشائعات، مما يشكل في حد ذاته مشكلة. وتدفن السلطات الروسية القتلى من المرتزقة في مقبرة عسكرية جديدة تخضع لحراسة مشددة خارج موسكو ويتعين على زوارها إبراز جوازات سفرهم ويُسألون عند المدخل عن القبر الذي يريدون زيارته حسبما قال بافل بيكوف، صديق وزميل جينادي برفيلييف اللفتنانت كولونيل بالجيش الروسي والبالغ من العمر 51 عاما والذي عمل مستشارا عسكريا في سورية، وقتل في قصف خلال رحلة استطلاعية في الثامن من أبريل حسبما قاله زملاء سابقون له في مدرسة شيليابينسك العسكرية العليا لقيادة الدبابات، لرويترز، ولم يظهر اسمه في الإخطارات الرسمية لوزارة الدفاع عن القتلى العسكريين في سورية، وعلى شاهد قبر برفيلييف كانت صورته تغطي اسمه وتاريخ وفاته.
آفاق التقنين
لا ينظم القانون الروسي عمل الشركات العسكرية الخاصة بأي شكل من الأشكال، إذ تحظر المادة 359 من القانون الجنائي تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في النزاعات المسلحة بالخارج، لكن منذ عام 2012 تتصاعد نقاشات تدعو إلى تقنين عمل الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، وفق ما يقوله نييلوف والذي أكد على إطلاق عدة مبادرات لتمرير قوانين تنظم عمل الشركات العسكرية دون أن ترى النور في نهاية المطاف.
ويقلل نييلوف من فرص تقنين أوضاع الشركات العسكرية الخاصة في روسيا خلال السنوات المقبلة نظرا لاعتراض الدولة الروسية على إمكانية امتلاك عدد كبير من الشركات قوة كبيرة، ويقول في هذا السياق: «يؤثر على ذلك مثال أوكرانيا، إذ أصبح الأوليغارشيون (كبار رجال الأعمال) يمتلكون جيوشا خاصة. لكن من جانب آخر، فإنه يمكن ويجب أن يأخذ القانون، في حال إصداره، هذا الخطر بعين الاعتبار، وينص على رقابة صارمة من الدولة، ويحظر النشاط المسلح داخل روسيا».
ومع ذلك، يشير الخبير الروسي إلى أن مشاريع قوانين الشركات العسكرية الخاصة التي أحيلت إلى مجلس الدوما (النواب) الروسي، تؤكد أنه حتى في حال تقنين أوضاعها، فإنها ستكون أشبه بمؤسسات حكومية في مجال البزنس العسكري وفق النموذج الصيني، الذي تخضع فيه هذه الشركات للسيطرة الكاملة من الدولة. وفي ظل غموض آفاق تقنين الشركات العسكرية الخاصة، أدخلت روسيا تعديلات على قانون الخدمة العسكرية نهاية العام الماضي، أتاح لأصحاب الخبرة العسكرية إبرام عقود قصيرة المدى مع وزارة الدفاع وسط توجه موسكو نحو تعزيز حضورها العسكري في سورية وإطالة أمده، ما قد يعد بداية لتقنين عمل الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، بحسب ما يراه مراقبون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.