قرار محكمة العدل الأوروبية رسالة قوية بأن كفاح الشعب الصحراوي يحظى بدعم القانون الدولي    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    المجلس الشعبي الوطني يشارك بنجامينا في دورة اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الافريقي    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    قطاع الصحة : تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    السيد بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    ملفّات ثقيلة على طاولة الحكومة    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم "قصر الباي" في أقرب الآجال    الألعاب البارالمبية-2024 : مجمع سوناطراك يكرم الرياضيين الجزائريين الحائزين على ميداليات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: الطبعة ال12 تكرم أربعة نجوم سينمائية    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المشروع التمهيدي لقانون المالية 2025- تعويض متضرري التقلبات الجوية    مدى إمكانية إجراء عزل الرئيس الفرنسي من منصبه    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    نعكف على مراجعة قانون حماية المسنّين    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد المر للحرب على الإرهاب

بينما يقومون بتصفية مجموعة من المدنيين العُزّل دون تردد ويظهر في المقطع المصور أحد الجنود بينما يصفّي مدنياً أعزل يرتدي سروالاً أزرق به خطوط بيضاء وقميصاً رمادياً عبر إطلاق الرصاص على رأسه، فيما تم قتل آخر بعد اقتياده معصوب العينين وسؤاله عن أهله وعائلته مجيباً بأنه من عائلة العوابدة من قبيلة الرميلات «أرميلي» ويسكن عند عائلة الصياح من نفس القبيلة.
وعبر مقارنة صورة القتيلين مع ما جاء في بيان نشر على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة في 6 ديسمبر عام 2016، يتضح أنهما نفس الشخصيتين اللتين ظهرت صورتهما في بيان المتحدث العسكري واتهما بأنهما من التكفيريين وتم القضاء عليهما خلال عملية مداهمة، كما أن القتيلين كانا ضد ظهرا في مقطع فيديو للشؤون المعنوية للقوات المسلحة عن مجهودات ما سمي ب«عملية حق الشهيد»، والذي أذاعته قناة المحور في شهر نوفمبر عام 2016، وقيل فيه إنهما عناصر تكفيرية مسلحة تم قتلهم خلال اشتباكات شهدت تبادلاً مكثفاً للنيران مع قوات المداهمة.
القوات 103
واجه مقطع الفيديو رفضاً واسعاً من مؤيدي النظام الحكام في مصر، إذ شكك هؤلاء في صحة المقطع، مبررين ذلك بظهور أحد الجنود طويل اللحية على عكس الهيئة المعتادة لقوات الجيش المصري حليقة اللحى، بالإضافة إلى ظهور أحد الجنود مرتدياً بعض الملابس المدنية مع الملابس العسكرية، وكذلك اختلاف اللهجة التي كان يتحدث بها أحد المتورطين في القتل مع لهجة بقية المصريين.
وأصدرت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش بيانين منفصلين تؤكدان فيهما أنهما قامتا بتحليل مقطع الفيديو، وأنه يظهر أن قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء أعدمت ما لا يقل عن 2 ولا يزيد عن 8 محتجزين عُزّل، ثم غطت على عملية القتل لجعلها تبدو وكأن الضحايا «إرهابيون» مسلحون تم إطلاق النار عليهم أثناء مداهمة، فيما طالبت الأخيرة الدول التي تقدم الأسلحة والعتاد والتدريب للجيش المصري بأن تجمد هذه المساعدات طالما القوات المسلحة المصرية مستمرة في تحمل مسؤولية انتهاكات متفشية وجسيمة لحقوق الإنسان.
وقال البيان إن مصدرين من سيناء تعرّفا على الشخص المسؤول عن الإعدام بصفته عضواً معروفاً في مليشيا محلية تعمل بأوامر من الجيش المصري، وتعرف تلك المليشيا ب«المناديب» أو قوات «103» وهم مدنيون يرتدون ملابس الجيش وفي بعض الأحيان يرتدون ملابس مدنية أو مختلطة بين هذه وتلك، ويُطلق عليهم بين أهالي سيناء ألقاباً مثل «أبو صباع» لأنهم يشيرون بإصبعهم على المطلوب أو «103»، إذ يُصنف أهالي سيناء المجموعات المسلحة إلى ثلاثة أصناف؛ 101 وهم أفراد الكتيبة 101 صاعقة المتمركزة في سيناء و102 ويطلقونها على أفراد الجماعات المسلحة من الدواعش وغيرهم، و103 وتطلق على المناديب أو المتعاونين مع قوات الأمن.
عقب تداول مقطع الفيديو، نشرت صفحة «سيناء 24» التي تديرها مجموعة من النشطاء السيناويين على موقع التواصل الاجتماعي، أسماء اثنين من المعدومين ميدانياً وهما الشقيقان «داود صبري العوابدة» يبلغ من العمر 16 عاماً، و«عبدالهادي صبري العوابدة» ويبلغ عمره 19 عاماً، وبحسب الصفحة فقد اعتقلت قوات الجيش الشقيقين العوابدة من منطقة الحرية، جنوب رفح بتاريخ 18 جويلية 2016، وتم إخفاؤهما قسرياً حتى ظهور الفيديو ومعرفة مصيرهما.
واعترف الرائد خالد أبو بكر أحد ضباط الجيش ومؤسس ما يعرف بصفحة الجيش المصري الإلكتروني على موقع «فيسبوك» بصحة مقطع الفيديو قائلاً إنه «صحيح بنسبة 100%»، مُطالباً بمزيد من التصفيات من دون محاكمات، وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات عديدة حول عشرات الحالات من القتل والتصفية التي تنشرها صفحة المتحدث العسكري باستمرار، خصوصاً أن عدد من تمت تصفيتهم بعد القبض عليهم خلال الفترة ما بعد 30 جوان 2013 في منطقة الشيخ زويد وحدها يصل إلى 100 معتقل، إلى جانب 200 شخص مختفين قسرياً لا يعرف أقرباؤهم عنهم شيئاً، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية التي تطاول المئات وتتم بصورة دورية، وفق ما أكد ناشطون حقوقيون سيناويون لموقع «العربي الجديد».
التوصيف القانوني للواقعة
تحتوي وقائع الفيديو الذي كشفته قناة مكملين جرائم عدة، وتحصي المحامية مها أحمد مديرة برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات تلك الجرائم محددة إياها في إفادتها لموقع «العربي الجديد»، ب«الاحتجاز دون وجه حق واستعمال موظف عام القسوة تجاه مواطنين والقتل العمد».
وأوضحت المحامية الحقوقية أنه في حال كان هذا التصرف فردياً من القوات التي تورطت فيه فإن المادة 91 من قانون العقوبات نصت على أنه «يُعاقب بالإعدام كل من تولى لغرض إجرامي قيادة فرقة أو قسم من الجيش بغير تكليف من الحكومة أو بغير سبب مشروع»، أما إذا كان ذلك ناتجاً عن أوامر عُليا فهو ما يُحيلنا إلى مادة 126 من نفس القانون التي نصت على أن كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً وهي الإعدام».
لكن ماذا عن الموقف القانوني للمدنيين المتعاونين مع الجيش، يجيب المحامي ناصر أمين ومدير المركز العربي لاستقلال القضاء وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بأن المتعاونين من المدنيين مع القوات العسكرية يتم اعتبارهم قوات عسكرية، وفقاً لاتفاقية جنيف، ضارباً المثل بقوات «الجنجويد» في السودان، وتابع: «تتم محاكمتهم أمام القضاء العسكري، وفي حالة عدم محاكمتهم داخل الدولة التي وقعت فيها الجريمة ينتقل الاختصاص للقضاء الدولي»، مشيراً إلى أنه في حال كانت الدولة التي وقعت فيها الجريمة عضواً في المحكمة الدولية في لاهاي وموقعة على اتفاقية روما يتم تقديم الشكوى لمكتب النائب العام في لاهاي للتحقيق والإحالة إلى المحكمة الدولية الجنائية، وفي حال لم تكن عضواً مثل مصر ينتقل الاختصاص إلى أي دولة لديها الاختصاص الجنائي العالمي في جرائم الحرب وهي أي من الدول السامية الراعية لاتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949، وتبدأ هي بالتحقيق والمقاضاة، باعتبار أن هذا الاختصاص مُنح إلى الدول الراعية لاتفاقية جنيف ويكون قضاؤها مختصاً بنظر القضايا أو الجرائم التي تنتهك اتفاقيات جنيف أو تنتهك قانون الحرب بصرف النظر عن المكان الذى وقع فيه أو جنسية المتهمين مثل النرويج وفرنسا وبلجيكا، مشدداً على أن الشكوى يجب أن يقدمها ذوو الضحايا.
التشخيص النفسي
يرى الدكتور حسين عمر، استشاري الأمراض النفسية بمستشفى جامعة سان جورج في لندن، وزميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين بإنكلترا أن كل إنسان لديه قدر من العدوانية، وفي حالة قوات الأمن يجب السيطرة عليها جيداً لأنها تتوفر لها السلطة والسلاح وتوابع السلوك العدواني لدى هذه الفئات أكبر كارثية وإضراراً بالمجتمع.
واعتبر الاختصاصي النفسي ما جاء في مقطع الفيديو نتيجة طبيعية لسقوط أو إسقاط كل الضوابط المجتمعية والمهنية والقانونية التي تحكم عمل قوات الأمن والتي من المفترض أن تمنعهم من الإظهار أو التمادي في أي سلوك عدواني تجاه المواطنين، وهو ما يأتي متسقاً مع كلام القائد الأعلى للجيش عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان قائدا عاما، بأن أي ضابط يقتل متظاهراً لن يقدم للمحاكمة، وهو نفس المبدأ الذي ظهر في الفيديو، إذ إن من قتلوا مواطني سيناء بحجة الإرهاب يعلمون أنهم يُحاكمون أيضاً.
وتؤدي تلك الحوادث إلى تعمق الإحساس بعدم الأمان والاستهداف من الدولة، إلى جانب الإحساس بالغضب والمرارة والظلم وسقوط دولة القانون بين أهالي سيناء، وفقاً للدكتور عمر، والذي أكمل: «ما حدث سيدفع الكثير من الشباب الغاضب والحانق على تصرفات النظام للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي تستثمر تلك المشاعر في تجنيد الشباب، كما أن الجنود الذين ارتكبوا تلك الجرائم لديهم قدر عالٍ من عدم الاتزان النفسي ودرجة عالية من الاستعداد الغريزي لإظهار السلوك العدواني، ومن الطبيعي أنه عندما تمر مثل تلك الجرائم بلا حساب أو عقاب ولا تتاح لهم الفرصة لإعادة النظر في سلوكهم أو إظهار أي شعور بالذنب أو تأنيب الضمير سوف تترسخ داخلهم قناعات بأن سلوكهم مقبول وأنهم محقون أو على الأقل معذورون فيما ارتكبوا من جرائم، ومن ثم فإن مثل هذا السلوك سيكون قابلاً للتكرار، ما يزيد من اضطرابهم النفسي ويزيد من خطورتهم على المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، الأمر قد تنتج عنه أفعال عدوانية تجاه آخرين مثل زملائه من الجنود وغيرهم، وقد يمتد ذلك السلوك العدواني حتى يطاول أسرهم أو أي فرد في المجتمع، لأن الرسالة التي تترسخ داخل الجندي هي أن العنف والعدوانية سلوك مقبول وهو ما سيلجأ إليه في كثير من المواقف بعد ذلك».
***************************************
مرتزقة «فاغنر»
نموذج روسي في سورية على غرار «بلاك ووتر» الأميركية
دفع العدد المتزايد من المقاتلين الروس القتلى في سورية، مجموعة المحققين المستقلين في النزاعات المسلحة ، إلى التحقق
من هويات عشرات القتلى من العناصر غير التابعة للجيش الروسي، إذ اعتادت المجموعة رصد سقوط قتيل أو قتيلين شهرياً، قبل أن يزداد العدد إلى ما بين خمسة وعشرة قتلى شهريا خلال الفترة من فيفري الماضي وحتى أفريل الماضي، بحسب ما أكده رئيس المجموعة، رسلان ليفييف، والذي يرجح انتماء هذه العناصر إلى شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة وغير المسجلة رسميا في روسيا.
وتمكنت المجموعة من التأكد من أسماء 15 قتيلا من عناصر «فاغنر» بحسب ليفييف، والذي يرى أن وقوع قتلى خارج صفوف الجيش يعد دليلا على استعانة روسيا بكيانات غير نظامية للمشاركة في العمليات البرية في سورية، بعد مرور قرابة عامين على بدء التدخل العسكري المباشر الروسي بسورية، في 30 سبتمبر من عام 2015.
تعد مجموعة المحققين المستقلين منظمة غير ربحية معنية بالتحقيق في التدخل الروسي في حربي أوكرانيا وسورية وتتخذ من موسكو مقرا لها، وعمدت المجموعة إلى رصد أنباء سقوط القتلى الروس في سورية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم التواصل مع ذويهم ومعارفهم وتوثيق معلومات تكشف ما إذا كانوا مقاتلين في الجيش الروسي أم لا، إذ يعد حجم الخسائر البشرية العسكرية في أوقات السلم سرا من أسرار الدولة منذ وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما قبل ثلاثة أشهر من بدء روسيا عملياتها في سورية، بحسب إفادة رئيس المجموعة.
تفادي إحراج السلطات
يمكن تلخيص المهمة الرئيسية لمرتزقة «فاغنر» في سورية بالمشاركة في العمليات الهجومية عالية المخاطر مثل عملية تحرير تدمر، كما يقول رسلان ليفييف، مفسرا الأمر بحرص السلطات الروسية على تفادي الضغط الاجتماعي في حال ازداد عدد القتلى في صفوف قوات الجيش، إذ لم تعترف وزارة الدفاع سوى بسقوط 34 قتيلا في صفوفها منذ بداية التدخل الروسي.
وتضمن شركة فاغنر سرية المعلومات حول نشاطها عبر توقيع المقاتل على إقرار بعدم الإفصاح عن المعلومات، حتى أن أسرته لا تعلم بنشاطه في بعض الأحيان، وفق ما وثقته مجموعة المحققين المستقلين، إذ يجري ربط صرف تعويضات القتل، والتي تصل إلى ما بين 50 ألف دولار و80 ألفا، لمصلحة ذوي المقاتلين بالالتزام بسرية المعلومات، خاصة أن الشركة غير مسجلة تحت اسم «فاغنر»، والذي يعد اسم شهرة قائدها ضابط الاحتياط دميتري أوتكين.
وتوازي قيمة التعويض السابقة ما يحصل عليه ذوو جنود الجيش الروسي من مبالغ تصل إلى 50 ألف دولار لأسرة كل قتيل، بحسب القانون الروسي. ويشير ليفييف إلى أن الفرق بين وضع شركة «فاغنر» ومثيلاتها الغربية يكمن في أن «فاغنر» تخضع للدولة بشكل مباشر، إذ تعامل على أنها وحدة خاصة وليست شركة تستهدف الربح، وهو ما يوافقه عليه الصحافي الاستقصائي دينيس كوروتكوف والذي كتب مقالة في مارس عن المرتزقة في الحروب الروسية نشرها في موقع «فونتانكا» الإخباري المستقل، أكد فيها مقتل عشرات من أفراد الشركة أثناء عملية «تحرير تدمر»، قائلا لموقع «العربي الجديد»: «هذا الكيان ليس شركة بالمعنى الحرفي للكلمة، لأنه لا يستهدف الربح، بل ينفذ أوامر من الدولة».
وقدرت صحيفة «إر بي كا» الخاصة نفقات روسيا على مشاركة المرتزقة في العمليات بسورية منذ بدايتها وحتى تاريخه بما يزيد على 150 مليون دولار في مقالة نشرتها في سبتمبر 2016.
وتبدأ أجور عناصر «فاغنر» من حوالي 1500 دولار أثناء التدريب بقاعدة «مولكينو» جنوب روسيا وتصل إلى 5 آلاف دولار أثناء المشاركة بالعمليات في سورية، بحسب الصحافي كوروتكوف، والذي يؤكد أن أي شخص له علاقة بالقوات الخاصة، يكفيه «اتصالان هاتفيان» لإيجاد طريقه للالتحاق ب«فاغنر».
ويقول كوروتكوف : «جميع أفراد القوات الخاصة يعرفون بعضهم بشكل أو بآخر من خلال مشاركتهم في مختلف التدريبات أو تولي حراسة السفن في خليج عدن إلخ، وهذه الدائرة محصورة، وباستطاعتهم الالتحاق ب«فاغنر» بسهولة بعد نهاية الخدمة».
القانون يحظر تجنيد المرتزقة
يحظر القانون الجنائي الروسي تجنيد المرتزقة، إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 359 من القانون الجنائي الروسي على أن: «تجنيد أو تدريب أو تمويل أو أي دعم مالي آخر للمرتزقة واستخدامهم في نزاع مسلح أو أعمال عسكرية، يعاقب عليه بالسجن من أربع إلى ثمان سنوات»، كما تنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن «مشاركة المرتزقة في نزاع مسلح أو أعمال عسكرية، يعاقب عليه بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات»، لكن مع زيادة ضلوع روسيا في الحرب السورية، تتجلى مؤشرات توسع نشاط الشركات الروسية الأمنية الخاصة، إذ ذكر موقع «فونتانكا» في جوان الماضي أن شركة «يورو بوليس» الروسية ذات صلة برجل الأعمال المقرب من الكرملين، يفغيني بريغوجين، والتي قد تتولى تحرير حقول ومصافي النفط في سورية من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي، مقابل حصولها على ربع الإنتاج بالإضافة إلى تعويض نفقات القتال.
ونشرت الصحيفة الإلكترونية ما قالت إنه مستخرج رسمي من السجل الحكومي الموحد للشخصيات الاعتبارية ل«يورو بوليس»، يبيّن أن لها فرعاً في دمشق، إلا أن رسلان ليفييف يرى أن «يورو بوليس» ليست سوى امتداد ل«فاغنر»، وتم تسجيلها بشكل رسمي بواسطة شخصية اعتبارية أخرى لإجراء تعاملات مصرفية دولية.
ولم يرد ذكر شركة «فاغنر» في أي قناة تلفزيونية حكومية منذ بدء العملية العسكرية الروسية بسورية، ويقتصر تناول أنبائها على الصحف ذات التوجهات الليبرالية مثل «إر بي كا» و«فونتانكا» و«نوفايا غازيتا»، وعلى صعيد رسمي، ولم يصدر غير اعتراف واحد على لسان الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي أكد شخصية ضابط الاحتياط، دميتري أوتكين، وحضوره استقبال «أبطال الوطن» في الكرملين في نهاية العام الماضي، لكن دون تأكيد قيادته مجموعة «فاغنر» في سورية.
ويؤكد المتحدث باسم الكرملين إن أي مواطنين روس يقاتلون مع القوات الحكومية في سورية عبارة عن متطوعين ولا علاقة لوزارة الدفاع الروسية بهم، بحسب ما جاء على لسانه في تصريحات صحافية، وتحصل أسر القتلى على أوسمة وفي بعض الأحيان تطلق السلطات المحلية أسماء الجنود القتلى على المدارس الذي درس فيها هؤلاء الجنود أثناء طفولتهم، وفق ما وثقته وكالة رويترز عبر إحصاء لعدد القتلى من الجنود الروس، إذ قدرت عدد القتلى من المتعاقدين الخاصين (مصطلح يطلق على المرتزقة ممن يقاتلون إلى جانب الجيش) ب 21 قتيلا إضافة إلى 17 آخرين من جنود الجيش، سقطوا جميعا منذ بداية العام وحتى نهاية يوليو/تموز الماضي.
غياب قانون الشركات العسكرية
لا تمتلك الدولة الروسية خبرة في استخدام الشركات العسكرية الخاصة، على عكس البلدان الغربية، بحسب ما يراه الخبير بمركز المتغيرات الاستراتيجية بموسكو، فلاديمير نييلوف، والذي يؤكد وجود شركات عسكرية خاصة روسية، قائلا «هذا ليس سراً». ويتابع نييلوف في حديثه لموقع «العربي الجديد» موضحا ما قصده بوجود مثل هذا الشركات: «هناك معلومات موثوق بها بأن شركتي «موران سكيوريتي غروب» و«إر إس بي غروب» الروسيتين لديهما عقود مع زبائن أجانب، وهما شركتان متخصصتان في حماية السفن من القراصنة والحراسة، كما ترددت في الربيع الماضي معلومات حول تنفيذ «إر إس بي غروب» عقدا لإزالة الألغام بمصنع في ليبيا».
ويتم تسجيل الشركات المماثلة في روسيا باعتبارها شركات حراسة خاصة، بالإضافة إلى التسجيل في مناطق «أوفشور» مثل قبرص وبليز وجزر فيرجينيا البريطانية وغيرها لتنفيذ الأعمال في الخارج» في ظل غياب قوانين تنظم عملها في روسيا، كما يقول نييلوف، والذي تابع مؤكدا أنه على عكس الشركات العسكرية الأخرى، فإنه لا توجد شخصية اعتبارية معلنة تحت اسم «فاغنر»، قبل أن يضيف: «إذا كان مثل هذا الكيان موجودا، فمن الخطأ تماما تسميته بشركة عسكرية خاصة».
ويتابع في ذات السياق: «يؤدي غياب قانون الشركات العسكرية الخاصة إلى انتشار مثل هذه الشائعات، مما يشكل في حد ذاته مشكلة. وتدفن السلطات الروسية القتلى من المرتزقة في مقبرة عسكرية جديدة تخضع لحراسة مشددة خارج موسكو ويتعين على زوارها إبراز جوازات سفرهم ويُسألون عند المدخل عن القبر الذي يريدون زيارته حسبما قال بافل بيكوف، صديق وزميل جينادي برفيلييف اللفتنانت كولونيل بالجيش الروسي والبالغ من العمر 51 عاما والذي عمل مستشارا عسكريا في سورية، وقتل في قصف خلال رحلة استطلاعية في الثامن من أبريل حسبما قاله زملاء سابقون له في مدرسة شيليابينسك العسكرية العليا لقيادة الدبابات، لرويترز، ولم يظهر اسمه في الإخطارات الرسمية لوزارة الدفاع عن القتلى العسكريين في سورية، وعلى شاهد قبر برفيلييف كانت صورته تغطي اسمه وتاريخ وفاته.
آفاق التقنين
لا ينظم القانون الروسي عمل الشركات العسكرية الخاصة بأي شكل من الأشكال، إذ تحظر المادة 359 من القانون الجنائي تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في النزاعات المسلحة بالخارج، لكن منذ عام 2012 تتصاعد نقاشات تدعو إلى تقنين عمل الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، وفق ما يقوله نييلوف والذي أكد على إطلاق عدة مبادرات لتمرير قوانين تنظم عمل الشركات العسكرية دون أن ترى النور في نهاية المطاف.
ويقلل نييلوف من فرص تقنين أوضاع الشركات العسكرية الخاصة في روسيا خلال السنوات المقبلة نظرا لاعتراض الدولة الروسية على إمكانية امتلاك عدد كبير من الشركات قوة كبيرة، ويقول في هذا السياق: «يؤثر على ذلك مثال أوكرانيا، إذ أصبح الأوليغارشيون (كبار رجال الأعمال) يمتلكون جيوشا خاصة. لكن من جانب آخر، فإنه يمكن ويجب أن يأخذ القانون، في حال إصداره، هذا الخطر بعين الاعتبار، وينص على رقابة صارمة من الدولة، ويحظر النشاط المسلح داخل روسيا».
ومع ذلك، يشير الخبير الروسي إلى أن مشاريع قوانين الشركات العسكرية الخاصة التي أحيلت إلى مجلس الدوما (النواب) الروسي، تؤكد أنه حتى في حال تقنين أوضاعها، فإنها ستكون أشبه بمؤسسات حكومية في مجال البزنس العسكري وفق النموذج الصيني، الذي تخضع فيه هذه الشركات للسيطرة الكاملة من الدولة. وفي ظل غموض آفاق تقنين الشركات العسكرية الخاصة، أدخلت روسيا تعديلات على قانون الخدمة العسكرية نهاية العام الماضي، أتاح لأصحاب الخبرة العسكرية إبرام عقود قصيرة المدى مع وزارة الدفاع وسط توجه موسكو نحو تعزيز حضورها العسكري في سورية وإطالة أمده، ما قد يعد بداية لتقنين عمل الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، بحسب ما يراه مراقبون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.