وهي التي تتسع جنباتها لهذا النوع من الشعر القليل. أهدى عرابي ثمرة جهده إلى والده الشهيد والى جميع شهداء الثورة المجيدة رحمهم الله، والى والدته التي سهرت على تربيته والى عبد القادر بن دعماش رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب والى الأستاذ طيبي محمد مدير الثقافة لولاية سيدي بلعباس والى رشا دريش رئيسة فرع الجاحظية بذات الولاية والى مشايخ وجميع عشاق الحرف من شعراء وأدباء، سي بن عبد القادر تواتي، والشاعر احمد بوزيان. يقع الكتاب في 172 صفحة ويضم ثلاثا وعشرين(23) قصيدة فيها من حظ الوطن الشيء الكثير، ولعل حظ الثورة أحضاها وأوفرها جميعا، وفيها حظ الاجتماعيات بما ضمته من طفولة وفقه لشؤون الدنيا والناس، وفيها من الحكمة صفوة ما يهذب من خبر الدنيا وأهلها، ومنها قصائد غزلية أودعها الشاعر لواعج الشوق والتباريح وعذب الحب وعذابه بين الوصل والهجر، والألفة والنسيان. ويبقى المشروع الذي يستولي على اهتمام الشاعر هو لملمة جميع أعماله ضمن ديوان ثلن وكذا التفكير فير استثمار أعمله الشعرية على الصعيد الثقافي والفني. الديوان باكورة شهية وبشارة بعطاء ثري ومونع يسد ثغرة هائلة في ساحة الشعر الملحون إذا أجيد استثماره في محافل الطرب، وتهيأ له من الاعلام ما يعرف به وعليه، ويعطف عليه إليه من يثمنوه بالنقد والتقويم ويدعمونه بما ينهض بعبء إخراجه وتحقيقه. جاء في مقدمة الكتاب بقلم إبراهيم بلقاسم من قسم الأدب العربي بجامعة مستغانم "توشية سفر شعري من هذا الطراز والاستئدان عليه بمقدمة محبرة أمر ينوء له الوجدان بحمل ثقيل، فليقى القلم من ثقله رهقا، وحسب هذا الشعور دلالة وترجمانا على ضميمة هذا المنجز الأدبي القيم، وهو اليوم إيدان بميلاد جديد، واستهلال بروح شعرية خالدة تنضاف إلى جميع الشعراء الكبار الأفذاذ نظراء مصطفى بن براهيم، الخالدي، المنداسي وغيرهم كثير. وإن صدور هذا الديوان في طبعته الأولى بشير يزف النبأ السار إلى جميع أندية الشعر الملحون وعاشقيه الذين يتشوقون شوقا الى إكتناه هذه الطاقات الفنية الوهاجة التي صابرت على درب البيان دهرا، وكابدت لتسفر عن وجهها الفاتن بعد عناء كبير، لقد عانى الشاعر عرابي عبد القادر قبل أن يعني، فاجتاز مرتبة التجريب ثم الممارسة، وحل في درجة الكتابة، ثم ها هو يستوي مبدعا تخطى وعثاء المعجم، وعتبات الوزن، وقيود الصورة الفنية، ليقع أسير الهيام والوله بالروعة الشعرية متعذبا ومستعذبا". يعتذر صاحب المقدمة للقارئ فما كان يقصد ان يشعره النكهة قبل ان يطعم من مائدة الشاعر الشهية، ويضيف "ولا يغنيك وصفي عن استجلاء الموصوف وتمليه". يكتب الشاعر عن الثورة مجدا أثيلا ومغنما تاريخيا يتيما، ويكتب عنها حرقة وأسى، ويكتب عنها حرقة منتصر، ونشوة ظافر مظفر، وبروحه المبهورة المسحورة بروعة المجد يرقص في حضرة الروعة والجلال يفعل ذلك وفاء للثورة وشماتة في أعدائها وشانئيها، وبعقله الحصيف الرزين يخطب في أبنائها، حكيما مشفقا ومحبا ناصحا. لغة الشاعر وسيطة توليفة بين العامي في جزالته البدوية والفصيح في رقته وسماحته، ولا ريب في انه سيرسو خاتمة المطاف على تلك اللغة السلسة التي تنهض برزخا لا تبغي فيه لغة على أخرى ولا تطغى. في الوطنيات تجد في الديوان قصيدة الشهيد وفيها جاء "ما عساني نقول في هذا الذكرى، إذا الذكرى واجبة علينا تذكر، وتذكرنا برجال راحوا ياحسرة، وفدونا باعمارهم في أيام الحر، وما طلبوا جزاء منا لا شكرى، أملهم ذا البلاد ترجع تتحرر، وما يبقى لا ظلم فيها لاحقرة، ولا يبقى فيها موجود فيها مستعمر، اغرس فينا حبهم غرس البذرة، وخليها فينا العفة تتكاثر". اشهد يا تاريخ مطلعها "اشهد يا تاريخ عنا وتكلم، واحكي للاجيال فينا ماذا صار، حدثنا بوضوح واشرح وفهّم، وخلي ذا التاريخ يرسخ في الأفكار، نكتبه بمداد دمعتنا والدم، وننقشه في القلوب كنقش الحجار.." مدح الأبرار وفيها "بسم الله أبديت نمدح في الأبرار، هذوا في القرآن راهم مذكورين، في سبيل الله ضحوا بالأعمار، لا تحسب أموات أحياء باليقين، من ينكر تاريخهم وجهه يصفار، ولو يأم الناس ما يسوى فلسين..". وفي الحكمة كتب قصائد عناوينها هي، الغرور، والصبر خير، وطال الحال، أصغي لي نعيدلك، ويا حالي لا تضيق. وفي الاجتماعيات كتب عن الأيام، الطفولة، والوصية. وفي الغزل كتب عن نار الفراق وجاء فيها "ضاقت روحي مشيت قاصد للصحرا عازم، قلت نفاجي خاطري في هذا المشوار، نزور احبابي وخاوتي الأوفيا الأكارم، ناس الصحرا ناسها كرما ناس خيار، معاهم نصيب راحتي وننسى كل الألم، ضيف الصحرا عندهم كسلطان الدار..". كما كتب عن طول الجفاء وعن الأقدار و الصدفة، ضيق الخاطر، نهاية الحب والقلب القاسي"القاسح". ديوان عرابي عبد القادر جدير بالقراءة وهو متوفر في السوق، ففيه جاذبية وصدق عاطفة ولا يغني ما تم ذكره لاستجلاء حقيقة الأمر. للعلم الشاعر عرابي عبد القادر ابن ابي عبد الله من مواليد 18 أوت 1952 بجديوية ولاية غليزان، بدأ رحلته مع كتابة الشعر الفصيح والقصة القصيرة وهو في سن المراهقة 15 سنة، ثم اختار كتابة الشعر الملحون وذلك من خلال احتكاكه بشعراء هذا اللون وعلى رأسهم الشيخ عبد القادر تواتي، ليشرع بعدها بكتابة الشعر الملحون باللغة الثالثة وعلى طريقته الخاصة وهي مزج بين الفصيح والملحون مع المحافظة على قواعد الملحون. نظم في الشعر الثوري بحكم علاقته القلبية الوجدانية مع ملحمة البطولة بصفته ابن شهيد، كتب في الوطنيات، الاجتماعيات والحكمة والغزل والوجدانيات. شارك داخل الوطن، حيث جال في معظم الولايات ضمن مهرجانات وعكاظيات، أسابيع ثقافية، أيام شعرية ودعوات خاصة، كما شارك في برامج إذاعية وتلفزيونية. خارج الوطن شارك لمرتين في أمسيات شعرية بتونس الشقيقة. نال عدة جوائز من بينها الوسام الشرفي من وزارة المجاهدين بمناسبة اندلاع الثورة التحريرية المباركة 1945. كان له الفخر والشرف ان تنتقى احدى قصائده الثورية التي تحمل عنوان "اشهد يا تاريخ" لتكون هدية ولاية مستغانم لرئيس الجمهورية، كما حاز على الجائزة الثانية للدكتور محمد بن شنب بالمدية، وفاز بالجائزة الثانية في الملتقى الدولي للشعر الملحون بورقلة، وظفر بجائزة أحسن القوافي.