قال ابن القيم يصف فتح مكة الذي تم في 20رمضان سنة 8 هجرية ((هو الفتح الأعظم الذي اعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من ايدي الكفار والمشركين وهو الفتح الذي استبشر به اهل السماء وضربت اطناب عزه على مناكب الجوزاء ودخل الناس به في دين الله افواجا وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا)) كتاب زاد المعاد لقد كان صلح الحديبية مقدمة لهذا النصر العظيم فقد اعترفت قريش بقوة المسلمين ومكانتهم وأصبح بإمكان أي قبيلة عربية ان تنضم إليهم وبذلك فقد قريش زعامتها على العرب كما ان الهدنة سمحت بالتنقل والدعوة الى الإسلام فزاد معتنقوه بكثرة وفي السنة الموالية 7هجرية أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة أما الذين أسلموا وطالبت قريش بردهم اليها فقد فروا الى ساحل البحر واعترضوا تجارتها مع الشام فناشدت الرسول صلى الله عليه وسلم ان يضمهم اليه وفي الحديبية نزلت سورة الفتح مبشرة بفتح مكة وقد اعتدت قبيلة بني بكر حليفة قريش وبمساعدة منها على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين وقتلوهم في الحرم وبذلك نقضت قريش صلح الحديبية وقد أسرع عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على الرسول في المدينة وناشده بمناصرة قبيلته فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (( نصرت يا عمرو بن سالم )) وشعرت قريش بالخطر فأرسلت الى المدينة لتجديد الصلح وتمديد الهدنة فرفض الرسول مقابلته وامتنع الصحابة عن التوسط له لديه فرجع الى مكة خائبا وقد أمر رسول الله زوجه عائشة رضي الله ان تجهزه ثلاثة أيام قبل وصول خبر الاعتداء على خزاعة ولما تأكد الخبر امر المسلمين بالاستعداد واخبرهم انه متوجه الى مكة وقال (( اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها )) وبعث سريتين في الاتجاه المغاير للتعمية وكتب حاطب بن ابي بلتعة رسالة الى قريش يعلمها بتحر المسلمين واعطاها لامرأة فبعث الرسول عليا والمقداد والزبير بن العوام في اثرها فانتزعوا منها الكاتب وفي العاشر رمضان 8هجرية غادر الرسول المدينة في عشرة آلاف من الصحابة واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري وواصل الجيش مسيره حتى نزل بمر الظهران ليلا فأوقدوا النيران (10 آلاف نار) وكلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحراسة وخرج أبوسفيان يستطلع الخبر فالتقى بالعباس واتى به الى الرسول فاسلم وقال الرسول مقالته المشهورة (( من دخل دار ابي سفيان فهو ءامن ومن اغلق عليه بابه فهو ءامن ومن دخل المسجد الحرام فهو ءامن )) وفي صباح الثلاثاء 17رمضان تحرك الجيش نحو مكة مار ا بابي سفيا ن الذي قال ((ما لاحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ))ودخل الجيش الإسلامي مكة ظافرا ثم دخل) رسول الله (ص) المسجد الحرام و استلم الحجر الأسود وطاف بالبيت وفي يده قوس فجعل يطعن الاصنام (360 صنما)قائلا ((جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) ثم صلى في الكعبة وخطب امام قريش ثم قال (( يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ )) قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لأخوته لا تثريب عليكم اليوم فاذهبوا فأنتم الطلقاء)) وفي اليوم الثاني من الفتح خطب قائلا ((أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فلا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الاخر ان يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما حلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب) ثم بايعه اهل مكة على السمع والطاعة ولم يتعرض لأموال قريش وكان أعظم فتح لم تزهق فيه الأرواح ولم تنهب فيه الأموال أما دعاة الحضارة والديمقراطية وحقوق الانسان فقد نصبوا لأعدائهم المشانق والمحاكم وعمروا السجون واستولوا على الأموال وانتهكوا الاعراض ثم ينتقدون الإسلام ويلصقون باهله تهمة الإرهاب ج س