يشكل المنجز الشعري للشاعر لخضر بركة تجربة لها كل خاصيات الاستثناء و الخصوصية بكل مستوياتها و دلالاتها ، تجربة اختراق و تجلي ، تجربة وصل بالوجود ... استغراق في التفاصيل و انفصال عن الانفصال عنها ، انفصال ببلوغ مستوى تجريد المجسد و تجسيد المجرد . و هاجس الانخراط في ما يحقق هارمونيا وجودية دفع لخضر إلى تجربة الهايكو كتجربة علاقة مع الطبيعة . نصوصه مشحونة بالصور و الإيقاعات ، مسكونة بالأنطولوجي ،بمساءلة الوجود ... بالدخول في تفاصيل ما يصغنا و يشكلنا . و في صمت و بعمق يشتغل لخضر ، بعيدا عن الهوس بالخطابية المنبرية ، وبتحرر من وطأة فخاخ العابر ، و من هيمنة النسق ، و جسر التنميط . يكتب لخضر الحياة ، بكتابة تحتفي و تنتصر للشعر كتكثيف يحرر اللغة من محدودية العبارة أمام اتساع الرؤية و الرؤيا . و يكتب بحمولة التجربة و المعرفة و برؤية تمد الدال بما يشحن المدلول و بما يخصب المخيلة المتعددة بتعددية مستويات التلقي . شعر ينتصر لتجلي اللغة كامتداد و غوص و عروج ، تجليا يخترق السطح و الشكل و يمتص التفاصيل ليصغ ما يحقق اللغة كوجود في الوجود و مع الوجود . شعر يستفز الحواس و يتربص بالمخيلة و يزعزع ما احتوته الذاكرة و يخترق حجبا حجبت ما يشحن الدال . و عن منجزه نذكر ما قاله ناقدان شاعران درسا النصوص : يقول الشاعر و الناقد عبد القادر رابحي: «إنّ الشاعر الأخضر بركة، في تجربته الشعرية المتجددة، إنّما يحاول أن يتجاوز الراهن الشعري المخيم ككثير من القيم الأخرى، على المخيلة الشعرية الجزائرية، ليضع الذات الشعرية على حواف المغامرة التخييلية التي تستمد طاقتها الإبداعية من الحاضر والآني والمعيش اليومي، لا في ما يحمله من أغلفة ظاهرة عادة ما أرقت الكتابات الشعرية العادية، ولكن في ما يختزنه من عوالم باطنية تخترق عينُ الشاعر الثاقبة طبقاتها المتعددة الموغلة في عموم المعنى والمتكلسة في مكبوتات الأنفس ومكتوبات الأفهام، من أجل الوصول إلى لبّ المساءلة الشعرية، ذلك لأننا إزاء المساءلة الشعرية في جوهر اكتنازها لفيوضات المعنى وهي تتعرض لأول مرة في الشعرية الجزائرية والعربية، لما لم تتعرض له من مضايقة جمالية من طرف أي شاعر آخر من قبل". في كتابه"شعرية المفارقة في القصيدة الجزائرية المعاصرة" كتبْ الشاعر محمد الأمين سعيدي :«ينطلق الأخضر بركة في تأثيث عالمه الشعري من تربة الحياة ومن حجارة الواقع المعاش، متكئا على قدرته على ملاحظة حركة العالم بعين البصير الذي لا يفوّت كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، لتكون بعد ذلك مادّة شعريّة تتخذ من تفاصيل الحياة اليومية المختلفة سبيلا إلى صناعة المعنى وتحقيق شعريّة تقوم علاقتُها بأشياء العالم على وفاق دائم وعداوة دائمة أيضا، فالشاعر في محاريثه ينهل من قاموس الحياة كمّا هائلا من المسمّيات والموجودات المادية، ليتخذها مشروعا لتركيبته الشعرية، لكنه في الوقت ذاته، يستمر في عداوته مع الواقع، أو مع النسق المرجعي للغة، عن طريق ترحيل أشياء العالم ومسمياته إلى عالم الشعر، وتجريدها من معانيها السابقة، وتتويجها بمعانٍ جديدة تقتضيها الجغرافيا الشعرية المغايرة التي أصبحت تنتمي إليها..".