أهم ما يلفت الانتباه في نتائج الانتخابات المحلية الني جرت أول أمس هو استمرار عجز الأحزاب السياسية في تجنيد وتعبئة الناخبين, وتجلى ذلك من خلال نسب المشاركة التي ظلت دون ال50 % رغم ارتفاعها الطفيف في استحقاق أول أمس (44,96 %) مقابل (42,92%) في الذي سبقه, حتى و إن حاولت الأحزاب في كل مرة تحميل مسؤولية ظاهرة العزوف للسلطة, وهو ما يرفضه المنطق السليم والتحليل الموضوعي, لأن من صالح السلطة ارتفاع عدد المصوتين لا تناقصهم, فضلا عن أن السلطة وفرت كل ما كان في استطاعتها ماليا, بشريا, ماديا, تشريعيا وتنظيميا, لتمكين كل ناخب مسجل على القوائم الانتخابية من أداء واجبه الانتخابي وفي أحسن الظروف الممكنة وبالضمانات التي نص عليها القانون بغض النظر عن النقائص المحدودة المسجلة هنا أوهناك بفعل تصرفات وسلوكات معزولة لا تؤثر على سلامة العملية الانتخابية كما علق على ذلك وزير الداخلية خلال إعلانه النتائج الأولية. والملاحظ كذلك, أن نسبة الممتنعين عن التصويت هي نسبة تكاد تكون ثابتة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية, سواء قل أو كثر عدد الأحزاب المشاركة, أي أن أصوات "الأقلية الناطقة" المعبرة عن اختيارها تتوزع على هذه الأحزاب المتنافسة, الأمر الذي يجعل تبني هذا الطرف أو ذاك لنسبة "الأغلبية الصامتة" (55,04 %) أو نسبة الأصوات الملغاة (14,68% (مجرد ادعاء يفتقر إلى ما يثبته. ومن الملاحظات أيضا أن "الوعاء الانتخابي النشيط" أي الذي يشارك باستمرار في المواعيد الانتخابية, هو كذلك شبه ثابت حجما و توجها حزبيا و يتوزع هذا الوعاء على نفس التيارات السياسية بأطيافها المختلفة و إن تعددت أحزاب كل تيار في السباق الانتخابي. حيث يقتطع كل تيار نصيبه من المقاعد البرلمانية, فللأحزاب الوطنية حصتها وللأحزاب الإسلامية نصيبها وللأحزاب العلمانية حظها, وأي تغيير في عدد المقاعد فهو تغيير ضمن أطياف نفس التيار . وهو أمر معقول ما دام الذي تعود على التصويت لصالح حزب معين لا يمنح صوته لحزب آخر إلا لظرف قاهر كأن يكون الحزب الآخر قدم قائمة يتصدرها قريب, كون رابطة القرابة ما تزال أقوى من الالتزام الحزبي, حتى لدى النخبة المثقفة. وهذه الملاحظات العابرة من شأنها أن تبطل تحجج أحزاب المعارضة في كل مرة بالتزوير, بسبب القراءة القاصرة لنتائج الانتخابات. وهذا القصور لا يحتاج إلى دليل, ما دام وزير الداخلية و الجماعات المحلية, قد ألمح إليه عند تقديمه نتائج الانتخابات التشريعية أمس, بإشارته إلى العجز المزمن لمعظم الأحزاب في توفير العدد الكافي من المراقبين على مستوى مكاتب التصويت, وهو عجز مزمن تحاول الأحزاب في كل مرة إخفاءه برفع بطاقات الاتهام للغير. ولن يتم تجاوز هذا الوضع , إلا بأحزاب تملك من الشجاعة ما يدفعها إلى تقييم مشوارها السياسي سنويا, بالقياس إلى نتائجها في استمالة الناخبين , ببرامج قابلة للتجسيد, لا بالخطب الجوفاء وتحميل مسؤولية الفشل للغير, أي بترك الفاشلين مناصبهم لقياديين جدد, يقدمون حلولا مبتكرة, توسع الوعاء الانتخابي لحزبهم من "الأغلبية الصامتة", لأن "الأقلية الناطقة المصوتة "أصبحت وفية لخياراتها في كل المواعيد الانتخابية تقريبا, إذ كرست الهيمنة لأحزاب الموالاة سواء على مستوى البلديات, أو المجالس الولائية رغم ما بين تشكيلاتها من تنافس شرس في مثل هذه الاستحقاقات, التي تمثل الأرضية التي تبنى عليها التحضيرات للرئاسيات المقبلة. أما أحزاب المعارضة فعليها مراجعة أوضاعها جذريا إن أرادت مواجهة هذه الهيمنة التي تفرضها الموالاة من خلال انتشارها في جميع بلديات الوطن بشريا وهيكلة.