تقول الحكاية : أن حوتا أزرقا ظهر فجأة ، وفي غفلة منا ، تسلّل إلى قلوب فلذات أكبادنا و شغل عقولهم و ملك مشاعرهم في البيوت و في قاعات الدرس ، هيمن على وجدانهم و استهوى عواطفهم ، و سلب لبّهم ، وراحوا ينقشون على أجسادهم الطرية بالدم ألواحا تستلهم موج البحر ، و تنتهي بهم إلى شواطئ لا أمان فيها حتى قادهم إلى حافة الموت، و رمى بأحلامهم البريئة إلى الانتحار. هذا الحوت الغريب الذي يخطف الأطفال و الشباب و يلقي بهم إلى المجهول ، حوت غريب يغزو صحراءنا التي كنا نخالها جنة خضراء . من عادة الحوت أنه إذا خرج من الماء مات ، بيد أن هذا الحوت النافذ من ثقوب الفضاء و جد في صحراءنا القاحلة حياة له يتغذى فيها من براءة أطفالنا المهملة. هل يكفي أن نعمّر الصحراء بالإسمنت المسلّح ؟، وهل يكفي زينةً ملء الشوارع ورودا بلاستيكية ؟ و أشجارا محنّطة ؟ إن خلاء الصحراء في إحدى جوانبه جمال وبهاء و عمارٌ للنفس و الروح ، فمن ثمّة انبعثت بدايات الصفاء ، وإليها أيضا العودة عند الانتهاء لدى أهل الحكمة و العقلاء . ولكن ماذا نصنع في هذا الحوت المتوحش الذي يبدو أنه تربّع على عقول الكبار قبل الصغار ، و أبقاهم متشبثين بالمرايا الافتراضية بينما رمى الصغار إلى الموت المحقق. حينما لا تربي على عينك حوتك يسهل على حيتان البرّ والبحر و الجوّ أن تحتلك ، حين لا تبني نفسك من الداخل ، من اليسير أن تغزوك الحيتان و الديدان. وهنا لبّ الحكاية ، أين هي أفواج الكشافة الإسلامية ؟، والجمعيات الثقافية و الرياصية ؟، وأين هي الكتاتيب والمدارس القرآنية؟ ، إن الفراغ الرهيب الذي يسود حياتنا السياسية و الدينية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية هو الحوت الأسود الذي يأتي على أخضرنا و يابسنا.