*فقيد الجزائر يواري الثرى اليوم بمقبرة عين تموشنت توفي صباح أمس المجاهد الكبير والشخصية الوطنية الفذة بلحاج بوشعيب المدعو »أحمد« بوهران عن عمر يناهز ال 94 سنة ، وقد سادت أمس أجواء من الحزن والأسى على فقدان هذا الرجل الثوري الذي خلد إسمه بأحرف من ذهب لمشاركته في العديد من الأحداث الوطنية التاريخية الهامة والخالدة لاسيما إبان الثورة التحريرية المظفرة . حركة غير عادية بشارع الصومام شهد شارع الصومام صباح أمس حركة غير عادية ، حيث وفور علم الجميع بوفاة المرحوم بوشعيب أحمد . قام العديد من الشخصيات الثورية والسياسية وحتى العسكرية وعبر كامل التراب الوطني بالتوجه إلى مقر سكناه بشارع الصومام بوهران لإلقاء نظرة أخيرة على هذا المجاهد الشهم والشخصية العظيمة وقد شعرنا صراحة بالحزن والأسى الذي أصاب الجميع وصدمتهم بفقدان الجزائر لهذا الرجل التاريخي ، حيث أبى العديد إلاّ أن يحضر جنازة الفقيد ، -طيّب اللّه ثراه- لاسيما وأنه كان أحد صانعي ملحمة الجزائر المجيدة إلى جانب العديد من المجاهدين الأشاوس والشهداء العظام وقد تدفقت الجموع من جميع ولايات الوطن كي تلقي النظرة الأخيرة على جثمان عمي بوشعيب هذا الأب الحنون والإنسان الطيب الذي أحبه الجميع ، كيف لا وهو من بين الرجال الذين ضحوا بالنفس والنفيس حتى تحيا الجزائر مستقلة . صدمة في صفوف الأسرة الثورية لم يمر خبر وفاة المرحوم بوشعيب صباح أمس مرور الكرام ، بل أن الجميع صدم بهذا المصاب الجلل الذي ألم بالجزائر عامة وبالأسرة الثورية خاصة حيث لمسنا صراحة ونحن نحاور العديد من المجاهدين وأصدقاء الدرب الذين عرفوا الفقيد ، بأن الكثير منهم لم يصدق نبأ وفاة عمي بوشعيب الذي كان بالنسبة لهم رمزاً للنضال وشعاراً للشجاعة والشهامة ورباطة الجأش ، قد أكد لنا المجاهد فرطاس حسين والضابط السابق في صفوف جيش التحرير الوطني ، بأن المرحوم »كان جيلا علمنا معنى الروح الوطنية ، أحترمه كثيراً لأنه أحد صناع تاريخ الجزائر الحديث« وأضاف عمي فرطاس والدموع تنهمر من عينيه »صراحة أنا معدوم لأننا إفتقدنا رجلا عظيماً أحبه الجميع ، فالفقيد كان مدرسة تخرجت على يديه أجيال وأجيال من الشباب المتشبع بالروح الوطنية ومفعم بحب الجزائر والذوذ عن حياضها« هكذا كانت أمس الأسرة الثورية بوهران وبباقي ولايات الوطن ، حزينة متألمة وغير مصدقة بأنها فقدت مناضل كبير وشخصية تاريخية أسطورية دونت إسمها في سجل الحركة الوطنية المجيدة والمظفرة . بوشعيب مدرسة في الوطنية الجميع كان متأثراً بخبر فقدان المرحوم حتى شباب الحي سارع إلى منزل عمي أحمد لتقديم العزاء لعائلته ومن بينهم السيد بن حراث قاسم ، القاطن بوسط المدينة حيث قال لنا بأن المرحوم كان بمثابة والده ، وأنه تأثر كثيراً بوفاته ، وأضاف لنا بأنه كان في الكثير من الأحيان يقوم بزيارته لما تسمح له الظروف بذلك وأنه كان يرى فيه ذلك الرجل العظيم الذي أحب الجزائر حتى النخاع والمدرسة التي أشرقت منها أنوار الوطنية الساطعة ، بل وقال لنا إنه وبالرغم من كبر سنه كان يجده بشوشاً ، محباً للشباب وناصحاً لهم وصرح لنا بأنه »على جيل الجزائر الحالي أن يتعلم من هذه الشخصية التاريخية الفذة التي قاومت رفقة العديد من الثوار والمجاهدين بسلاحي الإيمان والإدارة أعتى وأقوى دولة إستعمارية في ذلك الزمان« ، وقد بدا السيد بن حراث حزيناً ، مكروباً بهذا المصاب الجلل مثله مثل باقي شباب الحي الذي سارع إلى مجلس العزاء بشارع الصومام بوهران لتقديم التعازي لعائلة الفقيد . عضو جماعة ال 22 تنطفئ شمعته يوم 22 شاءت الصدف ، أن المرحوم أحمد بوشعيب الذي كان من أعضاء الناشطين في جماعة اللجنة الثورية للوحدة والعمل ال 22 ، أن يرحل عن هذا العالم يوم 22 جانفي تاركاً وراءه رصيداً تاريخياً ثرياً ومليئاً بالعبر والدروس والعظات ، فالمرحوم كان رسالة أزلية للشباب وأسطورة ثورية خالدة يشهد له العدو قبل الصديق بأنه كان رجلاً شهماً وقائداً مغواراً ومحارباً محنكاً ، وأكد لنا صهره قاسم عبدان (زوج إبنة الفقيد) صباح أمس بأن رحيله كان مؤلماً ومحزناً ، مضيفاً أن عمي بوشعيب كان رجلاً طيباً ومخلصاً لوطنه ، وأخبرنا بأنه وقبل أربعة أيام تدهورت صحته ، ليفارق في حدود الساعة العاشرة صباحاً الحياة ، بعد مرض أقعده منذ سنتين تقريباً (مارس 2010) وقد شكر السيد عبدان الناحية العسكرية الثانية كثيراً بإعتبارها لم تذخر يوماً أي جهد للتكفل به طبياً وصرح لنا بأن زوجته تأثرت كثيراً بوفاة والدها ، فهي اليوم تشعر بصدمتين ، صدمة رحيل والدتها 2008 ، وفقدان والدها صباح أمس الأحد ، وكشف لنا بأن المرحوم ترك وصية لأقربائه بضرورة دفنه بعين تموشنت رفقة أبيه وأخيه ، لذلك سيتم دفنه اليوم بولاية عين تموشنت مثلما أوصى به عمي بوشعيب قبل وفاته ومن المنتظر أن يحضر مراسم الدفن العديد من الشخصيات الثورية والسياسية التي عرفته في الماضي عرفاناً بما قدمه من تضحيات جسام للجزائر . من هو الفقيد بلحاج بوشعيب المدعو أحمد من مواليد 13 جويلية 1918 بولاية عين تموشنت ، زاول دراسته بالمدرسة الأهلية وتحصل منها على شهادة التعليم الإبتدائي ، إنخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري إبتداء من سنة 1937 كالكثير من أبناء جيله ، حيث تشبع بالمبادئ الوطنية والقيم النضالية وكغيره حفظ وردد نشيد »فداء الجزائر« الذي كان بمثابة النشيد الوطني ، في سنة 1938 إستدعي لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الفرنسي فإلتحق بالفيلق 137 للمشاة وفي أوج الحرب العالمية الثانية وتحديداً في 1940 تم تحويل بوشعيب إلى الجبهة الغربية لتحرير هولندا من الغزو النازي ، وبعد إنشاء المنظمة السرية في فيفري 1947 ، إتصل به أحمد بن بلة قصد الإنضمام إلى هذا الجهاز الجديد ، ونظراً لتشبعه بقيم الحزب ومبادئه ، وولائه له ، إنخرط في التنظيم دون تردد ... . تقليده مسؤوليات جسام كلف المرحوم آنذاك بالوقوف على مدى تحضير وإستعداد المنطقة التي كان مسؤولاً عنها في نفس الوقت الذي أوكلت إليه مهمة إستقبال الفارين من البوليس الفرنسي من مناضلي وأنصار حزب الشعب الجزائري وتدريبهم على السلاح تأهباً لمباشرة الكفاح المسلح بعد الضائقة المالية التي عرفها الحزب غداة إنتخابات أفريل 1948 المزورة لذلك كان حتمياً تدبير وجمع المال لتغطية أعباء الحملة الإنتخابية لذلك تم التفكير في كيفية السطو على أموال مركز بريد وهران . حادث بريد وهران لايزال في الأذهان لتنفيذ هذه العملية كلف الفقيد بالتنقل إلى وهران لترصد ومراقبة الحركة حول المركز البريدي المتواجد بوسط المدينة وقد دامت مهمة المراقبة شهراً كاملاً وهذا بأمر من أحمد بن بلة ورغم كل التحضيرات فشلت العملية في مرحلتها الأولى ، لكن هذا الفشل كان حافزاً لمحاولة ثانية تم خلالها في أفريل 1949 الإستحواذ على 3 ملايين فرنك فرنسي ، ولما إكتشفت فرنسا الأمر ، إضطر للإنتقال إلى الجزائر العاصمة رفقة سويداني بوجمعة وتم إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل لتوحيد الجهود من أجل القيام بعمل مسلح ، شارك المرحوم في الإجتماع المصيري الذي أصبح يعرف بمجموعة ال 22 حيث إلتقى بأغلبية قادة المنظمة الخاصة ، بعد فترة إلتقى بوشعيب مع ديدوش مراد وحسين لحول بأولاد يعيش (البليدة) وطلب من لحول إعطاءه أموال الحزب لكن هذا الأخير رفض ذلك مبرراً موقفه بإنتظار إنفراج الأزمة التي كان يمر بها الحزب ، هذا الرفض كان مؤشراً على ضرورة الإعتماد على النفس ،وبعد فشل عملية الهجوم على ثكنة بيزو بالبليدة والتي كان الغرض منها سياسياً ودعائياً إستقر بالمتيجة لمدة قاربت السنة إلى حين إلقاء القبض عليه في 1955 حيث تنقل بين سجون البليدة ، سركاجي ووهران وفي هذه المعتقلات الرهيبة إستمر بوشعيب في عمله النضالي دفاعاً عن قضايا المساجين وقام بشن إضراب عن الطعام خلال سنة 1958 ، ليتم إطلاق سراحه في 1962 وبعدها عين نائب عمالة وهران للمجلس التأسيسي الوطني الأول وبقي في السلك الحكومي متقلداً عدة مسؤوليات إلى غاية أن أقعده المرض ليلقى ربه صباح ذات يوم الأحد 22 جانفي 2012 .