يناير هو أحد الشهور الأمازيغية ويتزامن حلوله مع اليوم الثاني عشر من بداية السنة الميلادية وقد إرتبط هذا الشهر بكثير من المعتقدات منها أن عجوزا إستهانت بقوى الطبيعة فاعتزت بنفسها فسارت ترجع صمودها في وجه البرد والشتاء إلى قوتها ولم تشكر السماء فغضب يناير وطلب من فورار أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها وإلى يومنا لا يزال الإعتقاد سائدا ويتم إستحضار »يوم العجوز« ويعتبر يوم حيطة وحذر وبفضل عدم الخروج للرعي أو الزراعة مخافة يوم عاصف . في سنة 950 قبل الميلاد إنتصرت إرادة الشعب الأمازيغي عندما نجح ملكهم شيشونك في معركة دارت وقائعها على ضفاف نهر النيل وإنتصر على الفراعنة وتولي الأمازيغ سدة الحكم في تلك المنطقة من ثامزغا والتأسيس لبداية عودة الإنسان الأمازيغي للمصالحة مع ذاته ومحيطه وبناء تجربة سياسية تاريخية عرفت بازدهارها الحضاري يعد التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي إستعملها البشر على مر العصور وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري فإن هذا التقويم غير مرتبط بأي حدث ديني أو عقائدي بل بواقعه هزم أجدادنا الأمازيغ للمصريين القدامى وإعتلاء الملك البربري شيشونك (شيشناق) العرش الفرعوني سنة 950 ق .م الإنتصار كان على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة في معركة ضارية دارت رحاها في منطقة بني سنوس جنوبتلمسان حيث يقام إلى يومنا إحتفال »ايرار« والذي يعني الأسد حيث قارن الشعب آنذاك ملكهم بالأسد في قوته وسلطانه . وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة في معبد الكرنك في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث هذه الآثار بالتفاصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين التي حكمت مصر قرنين من الزمن وبعد ذلك بدأ الأمازيغ في بلاد المغرب (تونس. ليبيا. الجزائر المغرب. موريتانيا) يخلدون كل سنة ذكرى هذا الإنتصار التاريخي ومنذ ذلك أصبحت ذكرى المعركة رأس السنة الجديدة حسب تقويم خاص بحيث إقتبس الأمازيغ عن الرومان أصل تقويمهم وعدلوه فظهرت الشهور الأمازيغية رمز الإرتباط بالأرض وفي العديد من الروايات فقد صادف هذا الإنتصار سنة فلاحية جيدة أعطت ثمارها بعد سنوات عجاف قاسى خلالها السكان الفقر والجوع فكان الإحتفال مزدوجا وكان لهذا الإحتفال رمزا لإرتباطهم بالأرض وخيراتها وهذا ما يتجلى في الطقوس المرتبطة بالإحتفال حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من الأكلات والوجبات التقليدية المتعارف عليها والتي تختلف بإختلاف المناطق وأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها فيتم إعداد »أمنسي« وهو عشاء تقليدي إحتفالا بدخول العام الجديد ويجب أن تعتبر هذا الطعام على خصوبة ووفرة المحصول ويتكون أساسا من الكسكس بسبع خضر و»البسيس« و»تاكلا« و»إيراكمن« وهو خليط من القطاني والبركوكس وهو طحين يخلط ويفتل بالماء ويمزج بزيت الزيتون أو زيت آرڤان أو العسل حسب المناطق وهي أشهر الأكلات وذات رمزية عميقة في الثقافة الأمازيغية والتي يتم إعدادها بمناسبة رأس السنة وتعبر عن تشبت الإنسان بالأرض وجرت العادة منذ القديم أن تناول هذه الوجبات في هذه المناسبة يكون مصحوبا بطقوس ثقافية من أهمها إختيار رجل أو إمرأة السنة وهو صاحب الحظ السعيد الذي يجد أثناء الأكل بدرة تمر يتم إخفاؤها في الطبق المحضر . و»يناير« كلمة أمازيغية مركبة من كلمتين »يان« وتعني الأول (أيور) وتعني الشهر أي الشهر الأول ويطلق البعض على المناسبة (تاكورت أو سكاس) وتعني باب السنة و(إض أسكاس) وتعني رأس السنة وعليه فيناير هو الشهر الأول في اللغة الأمازيغية وأول الشهور في هذا التقويم . وعليه فإن رواية إنتصار الملك شيشناف على رمسيس الثالث هي الأكثر تداولا بين المؤرخين ولا تزال الأبحاث والقراءات التي أنجزت حول هذا الموضوع قليلة وغير كافية ولا تجيب على كل التساؤلات ليبقى المجال مفتوحا للبحث التاريخي والتنقيب الأنتروبولوجي لتفسير هذه التظاهرة المرتبطة بسكان إفريقيا الشمالية خاصة أن هؤلاء السكان يعتبرون هذا الحدث يوما جديدا في تاريخهم وكل حياتهم ولا يزال السواد الأعظم من مختلف ربوع تامزغا (بلاد شمال إفريقيا) يحتفلون ببداية السنة الأمازيغية ويصنعون لها مظاهر خاصة مما يسمح لكثير من الهيئات تنظيم أنشطة ثقافية وترفيهية ويهنئ الأمازيغ بعضهم بعض بقول (أسكاس ذامكاس ذامينو) ويمتزج الإحتفال بالفرح والإعتزاز ويغتنم الفلاحون وأصحاب الأرض بداية السنة الجديدة لإطلاق وإنجاز الأشغال الفلاحية بين فترتين فترة البرد القارس وفترة الإعتدال وتشير مصادر كثيرة أن سكان شمال إفريقيا ربطوا معظم عاداتهم بالأرض فجعلوها الغاية ومارسوا خدمتها بشكل تلقائي عادات مختلفة ومن عادات الإحتفال إجتماع أفراد الأسرة حول مائدة عشاء رائدها ديك ضخم يذبح في بهو المنزل مصحوبا بمرق يفتت فيه التريد (ويعرف لدى العامة عندنا بالرڤاڤ يقطع قطعا صغيرة ويغمس في المرق الذي صنع باللحم والحمص ... في حين تلجأ نسوة آخريات إلى صناعة الشرشم) وهو طبق مرق مصنوع من القمح المهروس المصفى يضاف إليه لحم الدجاج وبعض البقول الجافة منها الفول والحمص وهنا أيضا إختلاف في مواعيد تقديم هذه الأكلات فمن العائلات من تفضل هذه المأكولات زوالا والإحتفاظ بالمكسرات إلى الليل وهناك من تتناول كل ذلك عند العشاء حيث تقدم مأذبة العشاء ثم المكسرات وعن المكسرات توضع سلة كبيرة تكون في الغالب (ميدونة) مصنوعة من الحلفاء ويوضع فيها اللوز والفول السوداني والتين الجاف والزبيب والتمر ورأس الدومة والفستق وغير ذلك وتقسم إلى حصص لينال كل واحد نصيبه وتعمد بعض العائلات إلى تفريغ هذه »الميدونة« المملؤة على رأس صبي صغير تفاؤلات بمستقبل زاهر له ويتم أيضا الإحتفاظ بحصص في أكياس صغيرة مصنوعة خصيصا بالمناسبة من قماش يشد من فوق بخيط سميك ويحتفظ بها لكل شخص غائب من الأسرة ويتبادل الجيران والأهل هدايا تكون من الطعام والمكسرات . ويكون موعد هذا العشاء فرصة لمراجعة حصيلة سنة من النشاط والإنجاز فتحرص العائلات على إصطحاب أبنائها لأول مرة إلى السوق وشراء الملابس الجديدة ومشاركة الآباء في إقتناء ضروريات الحياة إعلانا ببداية بلوغ سن الرجولة وتحمل المسؤولية.