وقفنا فجأة منتصف الطريق، وضعت يدي على عيني أتقي حرارة الشمس الحارقة وأنا أمسح حبات عرق تتهاوى جانبي منخري، جلس على صخرة تشبه المعلم وقال: -دعنا نستريح. أخرج قنينة الماء وعب منها، مسح فمه بكمه وواصل: -الطريق لم ينته، لقد تعبت. -يجب أن نستمر، أحس أن نهايته ستكون قريبة. -وأنا أحس أنها بعيدة، أنا تعبت. جلست إلى جواره دفع إلي بقنينة الماء قائلا: -اشرب اشرب، تكاد تموت ظمأ. -لا تخش علي صديقي، أنا صنديد، وطريقي يجب أن أقطعها. -لا تقل هذا. ووقف مغاضبا مرددا بصوت مرتفع: -لا تقل هذا. -أزعجتك صديقي، معذرة ما قصدت إزعاجك فأنا لم أقل ما يزعج. -بل قلت. نظر إلى الخلف، كان الطريق طويييييلا يمتد خلفنا، مد بصره إلى الأمام. -لا نهاية لهذا الطريق، ولكنه طريقنا معا، وسنقطعه معا، حتى نصل إلى الهدف -صحيح طريقنا معا. -هكذا أحبك، هو طريقنا معا. وانطلقنا نسير، وقد اشتد نشاطنا، نكاد نلتصق بفرح، وفجأة ظهرت شجرة عملاقة من بعيد، صرخت فرحا. -لاح الأمل لاح الأمل. قفز فرحا كطفل صغير وقال: -حتما هذه الشجرة هي نهاية الطريق، أظنها شجرة تفاح. عدا خطوات ثم توقف يدقق فيها النظر وقال: -أجل هي، إنها بشرى خير، لقد وصلنا، وصلنا صديقي. ارتمى عند جذعها، واتكأت عليه وقلت: -نستريح تحت ظلها قليلا ثم نواصل المسير، قطف حبة وقضمها، دفع إلي بأخرى قائلا: كل كل، لم أر أحلى منها. واصل بعد لحظات متعجبا وهو ينظر إلى بعيد فزعا: -إنها الطامة يا صديقي، إنها الطامة. وقفت مندهشا وقلت: -أمازال الطريق طويلا، خيرا؟ -لا لا لا. -وإذن، لقد أخفتني؟ رميت ما تبقى من التفاحة، وقد تغيرت ملامحي خوفا، وقلت: -إنه التيه، إنه التيه، ما العمل يا رفيقي؟ -التيه، أي تيه تقصد؟ لا أرى إلا فلاة شاسعة، وهذا الطريق الممتد، وهذه الشجرة المباركة. طوقني بذراعه كأنما يشفق علي وقال: -آسف أنت لا ترى جيدا، لقد صار الأمر مختلفا. -أي أمر تقصد؟ -كان الأمر يسيرا ونحن نقطع طريقا واحدا، ظنناه يؤدي بنا إلى هدفنا، أما أن يكونا طريقين فتلك مشكلة. -طريقان؟ مددت بصري أتأكد من الأمر. -فعلا طريقان، إنهما طريقان، يجب أن نجد حلا -صدقت. وراح يعب من القنينة، ثم يدفع بها إلي. -ارتو، الحر شديد. -كيف أرتوي وقد ضاعفت الحيرة ظمئي. -الحل يا رفيقي أن نأخذ الطريق اليمنى. تبسم رفيقي ساخرا وقال: -عجيب لأنك على اليمين، اخترت لنا اليمين، وأنا أؤكد لك بأن المخرج لن يكون إلا شمالا، أنا أتشاءم من اليمين. -ما أحمقك! عقلك قاصر جدا اخترت اليمين لأنها سيدة، تمثل القوة والقدرة على تحقيق الآمال، بكل صراحة يا رفيقي أنا أتفاءل بها كثيرا. -بل أخطأت، أؤكد لك أن طريق اليسار تبلغنا أمانينا. -كم أنت عنيد! لقد أكدت لك فضل اليمين. بصراحة أنا أتفاءل باليسار، رمز التعاون واليسر، ألم تر أن اسمها فيه رنة اليسر؟ جذبني بقوة، صارخا في. -من هنا يكون الطريق. ثبت مكاني بقوة وقلت مهدئا. -عندي اقتراح آخر. -ماهو؟ -كل منا يأخذ طريقا، قد نلتقي أيضا، أو على الأقل يصل أحدنا. دفعني بقوة غاضبا وقال: -مستحيل أنت أناني، لن نفترق، بدأنا معا ويجب أن ننتهي معا، نفوز معا أو نهلك معا. صحت فيه غاضبا. -ويلك، إذن من هنا. بالغ في صرخته وهو يجذبني نحو طريقه. -بل من هنا. -بل من هنا. -اللعنة عليك من هنا. -سحقا لك يا أحمق سحقا لك، حلمنا من هنا. -حلمنا من هنا. يشتد صراخنا وتجاذبنا ونسقط صرعى دون حراك.