يعد المخرج والمؤلف المسرحي بلفاضل سيدي محمد من الفنانين القلائل الذين استطاعوا المزج بين الإخراج والتمثيل والتأليف والتكوين، ومن المبدعين المسرحيين، بدأ مشواره الفني مند التسعينيات من القرن الماضي مع فرقة " مسرح عمال وهران " ، وأذكر هنا أن أول عمل لمحمد بلفاضل ،هو مسرحية " الأمواج " التي تطرقت إلى المراحل السياسية والاجتماعية التي مرت بها الجزائر، إلى جانب مسرحيات " فدائي " ، كاستينغ ، جنة مجنون الزهايمر.، و ملحمة أبطال الجزائر، مونودرام، زواج عصري، المحتال، السجينة ،زواج ارستقراطي و غيرها من الأعمال . ملحمة " أبطال الجزائر " عمل فني يطرح التاريخ الثوري للجزائر انطلاقا من الثورات الشعبية إلى ثورة التحرير المجيدة ، حيث تجنب المخرج استعمال الأسلوب السردي الملحمي ليروي للمتلقي حيثيات ، موظفا الممثلين على الخشبة بشكل يوحي للمتلقي أنه إمام ثورة حقيقية في مسرح واقعي . كما وظف المخرج في ملحمة " أبطال الجزائر" عناصر إخراجية تعتمد على جسد الممثل ، كلعبه وحركاته على الخشبة، ليغطي الفراغ الموجود ويصنع كتلا من جسد الممثلين الذين تداخلوا فيما بينهم ، مقدما صورة واحدة للمشاهد ترمز إلى الفكرة التي تحكي عنها المسرحية ،و بما أن الصورة هي أساس العرض، فإن الممثل هو الذي يخلق الصورة المركبة فوق الركح ، ويصبح جسد الممثل بنفسه صورة ،فيغيب الفراغ الموجود ، و بما أن المخرج يعتمد في عمله على مسرح الصورة، أي أنه لا يعتمد على ما يقدمه له المؤلف باعتبار أن أساس مسرح الصورة هو الممثل، وأماكن تواجده فوق الخشبة، فإن التمازج لم يكن فقط في جسد الممثلين، بل أيضا في أصواتهم وحركاتهم ، حيث استطاعوا أن يصنعوا فرجة جمالية، خاصة عندما نلاحظ أن الممثل لم يرتكز على جهة واحدة فوق الخشبة، بل كان ينتقل من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين بحركات رمزية ،وفيها علامات دلالية على الرسالة المراد إيصالها ،دون أن يقول المقصود في حواره ، وبما أن المخرج محمد بلفاضل يعتمد في إخراجه على تجربة المسرح الطلائعي الذي يقول إنه مسرح نضالي. فإن ملحمة " أبطال الجزائر " هي في الأساس عمل نضالي كونه ابتعد عن المسرح الذي يطرح المشاكل الاجتماعية بل ذهب للمسرح الذي يناضل من أجل أفكار طلائعية. الملحمة من خلال مكونات الإخراج من ملابس، أكسيسوارات وإضاءة تنقل المتلقي إلى الزمن والمكان الذي تدور فيهما أحداث المسرحية ،حيث استعمل المخرج علامات مرسلة من الممثل إلى المتلقي، بواسطة أكسيسوارات مثل العلم الجزائري الذي رفع كعلامة على بداية الثورة .وهكذا فإن " أبطال الجزائر " هي ملحمة ثورية ،عرف المخرج فيها كيف يوظف الأدوار ويقسم الممثلين على الخشبة ، كي يرسم صورة سينوغرافية جمالية لتوحيد الذات، ويرسل للمتلقي الأحداث التي مرت بها الجزائرعبر تاريخها في شكل فرجوي مبهر،عبر لعب تمثيلي تكون فيه الصورة والفرجة المسيطرة و ليس الحوار المبني على السرد دون أي حركة .