سنة 2006 كانت سنة حزن الحركة المسرحية في العراق .. المخرج والدراماتورج الدكتور عوني كرومي المخرج الدكتور كرومي يغيبه الموت مقهورا في برلين، الخبر كان كالصاعقة على كل من عرفوه والذين عملوا معه ، برلين التي واصل دراسته بها بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل والإخراج وكذا تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة بغداد سنة1969. برلين التي أكمل دراسته فيها تخصص مسرح ويحوز من جامعة «هامبلدت ماستر» علوم مسرحية سنة 1972 ثم دكتوراه نفس التخصص سنة1976 عاد عوني كرومي إلى الوطن ليواصل العمل في المسرح الذي بدأه سنة 1965 مع الهواة وكذلك ليدرس في الجامعات العراقية ، بلغ عدد الأعمال التي أخرجها عوني للمسرح في العراق70 عملا ، يعد الدكتور عوني كرومي الذي قهرته الغربة ومات غريبا ودفن في أرض غريبة من أهم الأسماء التي تعاملت مع نصوص «برتولد بريخت » ومن أكثر الذين اهتموا به، ولا غرابة في ذلك، فهو أنهى دراسته في موطن بريت وتعرف عليه عن قرب وشاهد نصوصه معروضة في مسارح برلين، افتك مرومي العديد من الجوائز بأعماله المسرحية في مهرجانات بغداد و القاهرة و قرطاج ، وكذا مهرجان برلين، في الدورة الرابعة لمهرجان قرطاج حاز كرومي على الجائزة الكبرى بعمله « أغنية الكرسي الهزاز « الذي أثار جدلا ونقاشا داخل وخارج العراق، وتمت الإشادة به نقديا.، كما حاز كرومي على لقب وسيط الثقافات من مركز « بريت « بألمانيا،. ولم يكن نشاطه في الإخراج أو التدريس في الجامعات فقط ، بل كان يكتب وينظر للمسرح ، وقد ترك عددا من المؤلفات في المسرح تعد من المراجع . في الدورة الخامسة من مهرجان قرطاج الدولي للمسرح سنة 1993 ، حيث عاد كرومي إلى المهرجان بعمل أخرجه لحساب اتحاد الفنانين العرب «المساء الأخير» ،كما كانت له مشاركة في الندوة العلمية . تعامل الدكتور عوني خلال مساره المسرحي مع أسماء من أنحاء مختلفة ومن مدارس مسرحية مختلفة، فإخراجا تعامل مع نصوص كلاسيكية و أخرى حديثة من المسرح العالمي، كما تعامل مع نصوص عربية وأسماء عربية، أخرج نصوصا لشكسبير وألبير كامو، هنري ميللر، كزانتزاكيس ، بيراندللو، ستراندبيج، أربوزوف ،وألبيرتي. ومن العرب يوسف العاني ، فرحان بلبل، قاسم حول، عادل كاظم ، وحمدة خميس وغيرهم . عرفت تجربة عوني مراحل مختلفة بدءا بمعالجة النصوص التقليدية وصولا إلى الملحمية والتسجيلية إلى العرض المتكامل. ، وعن تجربته قال لي في قرطاج إنها تطورت إلى حد الشعر والصورة الشعرية، و ذلك يعد محاولة منه لأخذ المسرح إلى عالم الشعر. من خلال التعامل مع الشعر وتحويله إلى دراما، وفي هذه النقطة قد يلتقي عوني مع مواطنه صلاح قصب المروج لنظرية مسرح الصورة.ويعتمد كرومي في إخراجه على التفسير والتحليل ، وكذلك التنظير إلى جانب التخييل.، في قرطاج كان كرومي في أكثر من لقاء وفي أكثر من جلسة يتحدث عن العديد من القضايا المسرحية في البلاد العربية وفي العالم، وما وصلت إليه من تطور وفي الوطن العربي مالها وما يؤخذ عليها. وقد تحدثنا كثيرا عن « بريخت»، ومسرحه ومنهجه الفني. كرومي يعتبر المسرح مكان إنتاج الفن ومكان تلقي الفن . وأنه هناك إشكالية تواصل بين الاثنين تحكمها عدة عوامل منها اللغة،والنص،كوسيلة دلالية إلى جانب الجسد الإنساني وتعبيراته. هذه العوامل مشتركة تحاول أن توصل إلى المتفرج مجموعة من الشيفرات التي عليه فك رموزها وهو يتلقاها جالسا على كرسي وداخل قاعة شبه مظلمة ، هذه الشيفرات تكون عبر مجموعة من الدلالات المتعددة وهنا يلتقي في رأي عوني مع « رولان بارت» الذي يقول بأن المسرح عبارة عن آلة جهنمية تبدأ في الاشتغال بمجرد انفتاح الستارة، وذلك بإرسالها لأكثر من العشرة رسائل باتجاه المتفرج في القاعة «المرسل إليه» ، فحين يكون الركح هو المرسل ، على المرسل إليه استقبال و تحليل تلك الشيفرات المرسلة له. يعتبر رحيل الدكتور عوني كرومي ابن مدينة الموصل الجميلة التي حظيت بزيارتها سنة 1987ضمن وفد من الكتاب،كرومي المولود بهذه المدينة سنة يعتبر 1945 رحيله خسارة كبري للحركة المسرحية ليس في العراق فقط بل البلاد العربية كلها والتي ما تزال في حاجة إلى أمثاله في الإخراج والتنظير المسرحي.،عشق عوني أعمال ونصوص» برتولد بريخت « واشتغل عليها ويري بأن النصوص التي كتبه بريخت نصوص فاعلة وقد أسقطت عليها العديد من التأويلات، وبالتالي فإن قراءتها تحتاج إلى قراءات متجددة. فالعمل المسرحي عند بريخت كما يري عوني ليس عملا تكتيكيا في جمال صياغة سياسية، بل هو حالة دياليكتيكية ، لقد عمل عوني علي إبرازها من خلال تعامله مع النصوص البريختية التي أخرجها منها « غاليلو غاليلي» و « القائل لا والقائل نعم» ، و « الإنسان الطيب في سيتيشوان « وغيرها. كان رحمه الله يحاول أن يوفق بين التنظير والتطبيق، فهو يري أن العمل المسرحي بدون تنظير مثله مثل الصوت الذي يقتل رأتيه ولا يصل إلينا صداه. ويرفض عوني التموقع داخل نموذج أو تجربة واحدة ، ومن ثمة يؤمن بأن المخرج الذي لا يخطئ لا يتعلم وأن الذي ينسي ما تعلمه من أخطائه لن يبدع. وعوني مع الحقيقة بكل أشكال قولها ولكنه ليس مع شكل الحقيقة. تلك كانت رؤيته المسرحية تنظيرا وتطبيقا لكن الغربة وقهرها لم تمنح عوني فرصة أكثر ليعود إلى وطنه ويحقق أحلامه ويطبق تنظيراته المسرحية ،ويستفيد منه الجيل الجديد .. رحل عوني كرومي مقهورا بغربته وفي نفسه حتى من العراق ومما حدث للعراق في العراق..