القرار المحموم و السريع الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة نسبة 25 بالمائة من الضرائب على المنتجات الصينية دليل واضح على حجم خطورة المنافسة الشرسة التي صار يفرضها الاقتصاد الصيني على العالم بكامله. وينطوي القرار الأمريكي على دلالة تؤسس إلى هيمنة صينية على الاقتصاد العالمي في جميع الميادين خاصة أنّ بكين في الآونة الأخيرة اعتمدت سياسة اقتصادية قوامها إقامة و تنشئة شركات تنقيب عن النفط وتحويل المحروقات من أجل الاستثمار في الخارج و ذلك أيضا وجه آخر من أوجه المنافسة التي لم تعد تستثني أيّ مجال و لا بقعة في الأرض. وعندما نتناول حجم المنافسة الصينية في العالم لا يسعنا إلّا أن نتطرق إلى مقومات المنافسة وما هي الأدوات التي يستعملها هذا الاقتصاد لدخول المنافسة والبقاء فيها بل وتسييرها أيضا، فالصين ورغم حجم استثماراتها في الخارج والتي ناهزت 800 مليار دولار. ووصلت الاعتمادات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق إلى 60 مليار دولار منذ 2013 فإنّ اعتمادها الأول هو الاقتصاد الزراعي و مجتمعها لا يعدّ مجتمعا استهلاكيا بالدرجة الأولى ومواطنوها يعتمدون في الاستهلاك فقط على المواد الغذائية غير أنّ باقي الاقتصادات التي تنافس الصين تعتمد اعتمادا كليا على الصناعة و مشكلها الأوّل أنّ مجتمعاتها استهلاكية ما يتطلّب رفع دخل الفرد . و نشير إلى أنّ الاقتصاد الصيني ينمو بنسبة 8 بالمائة وإنّ كانت النسبة تبدو قليلة فإنّها قارة قد تزيد و لكن لا تنقص وحتى عندما يصل التضخم على 3,8 بالمائة فّإنّ ذلك راجع إلى حجم الاقتصاد وهو ما يجعل الدراسات الاستراتيجية المعمّقة التي قام بها البنك الدولي و صندوق النقد الدولي تؤكد أن الصين ستكون صاحبة الاقتصاد الأول في العالم مع حلول العشرية الثانية من هذه الألفية و نضيف إلى ذلك القرارات الشعبوية و العشوائية التي يخرج بها الرئيس الأمريكي الحالي في مجال الاقتصاد بحجة حماية اقتصاد بلاده زادت في إحجام الأسواق و توجهها نحو الصين كما أنّ ذات الأسواق صارت تبحث عن التنوع. تعادل القدرة الشرائية و أحيانا تزيد في الصين مقارنة بغيرها من البلدان التي تضع اقتصادها في موضع المنافسة كما هو الحال في الولاياتالمتحدة و ألمانيا و اليابان و ماليزيا و إن كان يقاس دخل أي بلد باستخدام مجموعة من الأسعار الدولية التي تنطبق على أي اقتصاد. فالأسعار في البلدان النامية تكون أدنى عادة من نظيراتها في البلدان المتقدمة. لذا فمن الممكن أن تأتي تقديرات الدخول في الصين أدنى من حقيقتها إذا تم حسابها وفقاً لسعر الصرف و الدخل الفردي في الصين ويساعد حساب الدخول وفقاً لتعادل القوة الشرائية في تجنب حدوث انفجار في التضخم و الصين تعدّ الدولة الوحيدة التي لا يتأثر اقتصادها كثيرا بالتضخم و هذا راجع إلى حجم الاقتصاد و حجم الاستهلاك و هو استهلاك كما قلنا يرضى بالمواد الغذائية بالدرجة الأولى و بالتالي فإنّ السياسة الاقتصادية في الصين عقلانية تسيّر الاستهلاك بذكاء و حنكة و لا يجري الصينيون وراء الكماليات التي يفضل الاقتصاد الصيني تصديرها و بالتالي رفع ميزان التجارة الخارجية حتّى أن الأرز يكاد يكون عقيدة لدى الصينيين .