وددت أن استهل مقالتي هاته بمقولة أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما. و بغض النظر عن من قالها بحيث هناك من نسبوها لشكسبير فيما أرجعها آخرون لأفلاطون، فقد تجسدت هذه المقولة الرائعة عبر قرون طويلة ، و أثبتت المسارح قدرتها على السير بالمجتمعات نحو الأفضل. كما ساهمت المسارح فعلا في نهضة الشعوب في العالم. و الجزائر بحكم أنها جزء من هذا العالم الشاسع الذي حولته العولمة إلى قرية صغيرة فقد أصابها في زمن مضى بعض من هذا التأثير الإيجابي على الشعوب. و مجرد تصفح بسيط لتاريخ المسرح في بلدنا يبرز أهمية الرسالة التي أوكلت للحركة المسرحية إبان ثورة التحرير المجيدة . بحيث انصبت مضامينها في التوعية بضرورة التمسك بالهوية الوطنية و مقاومة المحتل الفرنسي، و عرفت هذه الفترة العصيبة من الزمن انخراط العديد من الشعوب الشقيقة والصديقة في مسار دعم الجزائر في كفاحها ضد المستعمر، و فعلا كانت الحركة المسرحية حتى قبل ثورة التحرير أداة من بين أدوات المقاومة التي أثرت في الشعوب داخل و خارج الوطن. و استمرت عجلة النهضة المسرحية في الجزائر المستقلة في السير نحو الأفضل ،فالأفضل و كان لأسماء ظلت خالدة من أمثال محيي الدين باشتارزي ورشيد قسنطيني وعلالو و آخرين الفضل في وضع الأسس الأولى لميلاد مسرح وطني جزائري ولد من رحم الثورة و ترعرع في أحضان الشعب و ألم بهموم المجتمع. و شهدت فترة ما بعد الاستقلال انتعاشا كبيرا بإلقاء العديد من العروض المسرحية التي جابت أكبر مدن الوطن، كما ساهم تأسيس مهرجان مسرح الهواة في إعطاء دفعة قوية و نوعية لأبي الفنون برزت من خلالها عدة وجوه فنية على غرار مصطفى كاتب وعبد القادر ولد عبد الرحمان كاكي ، كاتب ياسين وعبد القادر علولة ... و غيرهم. و في فترة السبعينيات التي وصفها البعض بالفترة الذهبية عرف المسرح الجزائري نهضة غير مسبوقة و اتسعت رقعة الجماهير المحبة له التي اكتظت بها المسارح على قلتها آنذاك، بحيث لم تكن تتعدى حينها الخمسة مسارح جهوية. طبعا إذا تكلمنا عن المسارح التي تستوفي شروط العرض ، و من هنا أعود لمقولة أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما، لأضيف أن المسرح الذي طالب به صاحب هذه المقولة ويقصد به المكان المخصص للعرض المسرحي لم يكن ليكتب له النجاح في تربية أجيال من المتتبعين و الارتقاء بهم فكريا و نفسيا و اجتماعيا، لو لم يكن للإنسان و أقصد به الفنان يد في ذلك. وبالتالي أقول أنه لا يمكن للمسرح تأدية رسالته من دون فنان، في الوقت الذي قد لا يحتاج هذا الأخير لخشبة نفس المسرح من أجل تأدية نفس الرسالة. فوجود الفنان الجاد و المبدع و صاحب القدرات الفائقة كفيل لوحده بأن يحول أي مكان إلى منصة عروض، و الأمثلة على ذلك كثيرة ، فكم من عروض مسرحية قدمت على قارعة الطريق في الساحات العمومية و نجحت في جلب الجماهير إليها. بل و تركت انطباعا طيبا لدى متتبعيها. و من هنا أسأل هل نحن فعلا بحاجة إلى مسارح أم إلى رجال مسرح؟ و ما يدفعني إلى هذا التساؤل هو المسار الذي عرفته الحركة المسرحية في بلدنا الجزائر ، بحيث انتقلت من عطاء و انتعاش في فترة ميزها نقص فادح في المسارح التي كانت تعد على أصابع اليد الواحدة، إلى شح و ركود في ظل تواجد على الأقل مسرحا واحدا بكل ولاية من ولايات الوطن. إذا فالأمر هنا على حسب رأيي لا يخص فقرا في المسارح أكثر مما يخص شبه خلاء الساحة الفنية من رجالها . و حينما أذكر رجال المسرح أتحدث عن تلك الشلة من الفنانين الذين استوعبوا دور المسرح في حياة المجتمع ، أولئك الذين حملوا هموم الشعب و معاناته على منصة الإبداع. فمنهم من قضى نحبه و منهم من قضى عليه مسرح التهريج. لكن يبقى الأمل في القلة القليلة التي لا تزال تقاوم الرداءة و تطرح البديل الأصيل. فهل سيعود مسرحنا إلى عصره الذهبي يوما؟