لقد ارتبطت السلطة في الجزائر المستقلة ارتباطا وثيقا بالشرعية الثورية , حيث استطاع حزب جبهة التحرير بوصفه القوة الشرعية التي تحقق على يديها النصر على الاستعمار, احتكار الحكم منذ استرجاع البلاد لسيادتها و استمر هذا الوضع حتى بعد الانتقال إلى التعددية الحزبية سنة 1989 . و بالفعل فقد ارتبطت نشأة الأفالان بثورة التحرير الوطني منذ أن قرر مؤسسو جبهة التحرير الوطني ال 22 الانتقال من النضال السياسي إلى الكفاح المسلح لاسترجاع استقلال البلاد و تحريرها من نير الاستعمار الفرنسي , و ذلك و فق المبادئ التي تضمنها بيان أول نوفمبر 1954 الذي حدد الأبعاد الاستراتيجية للثورة الجزائرية المتمثلة في بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. و هي الأرضية الإيديولوجية التي حاولت منذ البداية استقطاب كل الحساسيات السياسية التي انتجتها الحركة الوطنية بمختلف تياراتها الإيديولوجية طيلة نضالها السياسي .حيث أصبح في إمكان أي جزائري الالتحاق بصفوف جبهة التحرير الوطني , شريطة أن يتخلى عن انتمائه الحزبي . و بهذه الانطلاقة الموفقة في الاستحواذ على قيادة الحركة الوطنية , و تحييد بقية التيارات السياسية استطاع الأفالان فرض نفسه على الساحة السياسية الجزائرية سواء خلال فترة الحزب الواحد أو بعد التعددية السياسية .فأصبح تاريخ الحزب العتيد و تجاربه المختلفة في ممارسة الحكم أو في المعارضة , بمثابة الدرع التي تقيه عواقب الأزمات التي تعترض أو اعترضت مشواره النضالي . إن هذه الأسس المتينة التي بني عليها الأفالان , تفرض الاعتراف مبدئيا بالموقع الريادي الذي يحتله الحزب العتيد على الخارطة السياسية للبلاد . و تتجلى مؤشرات هذه الريادة في الدفاع عن قيم ثورة نوفمبر , و هي القيم التي أصبحت إرثا مشتركا لجميع التشكيلات السياسية التي أنتجتها التعددية الحزبية, غير أن الفضل للأصل حتى و إن تميز الفرع . و زيادة على ذلك لا يشعر مناضلو الحزب العتيد بأية عقدة تجاه أي من التيارات السياسية الناشطة في البلاد ، فالبعد الديموقراطي هو أحد أبعاد حزبهم ويتفقون مع المناضلين في سبيل الديمقراطية ويسعون معهم لترسيخها و يقدمون المثل و النموذج في الاحتكام إلى قواعدها حتي في هيكلة الحزب و اسلوب اختيار قياداته من القمة إلى القاعدة و التداول على المناصب بما فيها منصب الأمين العام للحزب الذي تقلده منذ الاستقلال إلى اليوم 13 أمينا عاما بمعدل يقل عن 5 سنوات لكل واحد منهم . كما يؤكدون أنهم كانوا سباقين في الدفاع عن البعد الاجتماعي للدولة الجزائرية, و يناضلون من أجل تكريس العدالة الاجتماعية كإحدى خصائص النظام السياسي الجزائري .و يعتبرون أنفسهم جزءا من المدافعين عن العدالة وقيمها. و كمسلمين فإن الإسلام هو اسمنت الوحدة الوطنية لدى مناضلي الأفلان الذين يتقاسمون مع المدافعين عنه وعن قيمه نضالاتهم في مجال إثبات الهوية الدينية واللغوية للشعب الجزائري. و بخصوص البعد الوطني يرى مناضلو الحزب العتيد أن حزبهم يمثل مدرسة للوطنية الجزائرية تخرج منها جل القيادات السياسية الحزبية الناشطة في الساحة الجزائرية، حتى و إن لم يتقيد بعضهم بالنموذج المتميز للوطنية الجزائرية في سلوكهم الشخصي أو نشاطهم السياسي . و لذا يفضل الكثير من الشباب الطامح في دخول المعترك السياسي , دخوله عبر بوابة الأفالان باعتبارها المدرسة الأم للوطنية الجزائرية, بدلا من الدخول عبر بوابات المدارس المتفرعة عنها. و من منطلق السلطة شبه المطلقة التي تمتع بها الأفالان , تمكن من التحكم في جميع القوى الحية في البلاد , عبر شبكة منظماته الجماهيرية المهيكلة للشباب و الطلبة و الكشافة و النساء و الفلاحين و العمال و التجار و الحرفيين و الجمعيات و مختلف التنظيمات المهنية إلى جانب المركزية النقابية المسيطرة على النشاط النقابي , أما الإعلام فظل مرتبطا بالسلطة لقطاع عمومي يخدم بالدرجة الأولى توجهات الحزب العتيد , و هو ارتباط له نصيب من الشرعية الثورية , كونه تأسس في خضم ثورة التحرير الوطني مثل بعض النشريات و الصحف المكتوبة , و الإذاعة و وكالة معارضة متعددة بلا جذور شعبية الأنباء فضلا عن الوسائط السمعية البصرية , مثله في ذلك مثل الاتحاد العام للعمال الجزائرية , و اتحاد الطلبة الجزائريين المسلمين ,و اتحاد التجار و الحرفيين الجزائريين و الكشافة الإسلامية الجزائرية و بعض الجمعيات الوطنية و من أبرزها فريق جبهة التحرير لكرة القدم ... و مع هذا التحكم في مختلف الفئات الاجتماعية عبر هذا التنظيم العمودي و الأفقي لمكونات المجتمع الجزائري , غير أن جبهة التحرير لم تنج من بعض محاولات التمرد على سلطتها شبه المطلقة , و من طرف بعض أبنائها , مثل محاولة احمد آيت الحسين و تمرده المسلح ثم المعارض عبر تأسييس جبهة القوى الاشتراكية في سبتمبر 1963 , و قبله محاولة محمد بوضياف الذي أسس هو الآخر حزب الثورة الاشتراكية في سبتمبر 1962 و تمرد الطاهر زبيري ضد هواري بومدين سنة 1967 , و معارضة قايد أحمد للثورة الزراعية , و تاسيس أحمد بن بلة الحركة من اجل الديمقراطية سنة 1984 , كما كان للتيار الإسلامي محاولاته قبل و بعد الاستقلال ...و لكن كل هذه المعارضات لم تترجم إلى كيانات حزبية إلا بعد فتح أبواب التعددية الحزبية التي أنتجت أكثر من 76 حزبا موزعة على مختلف الألوان الإيديولوجية , لكنها ظلت قليلة الفعالية السياسية و ضعيفة القدرة على تعبئة الشعب و تأطير توجهاته ,با لمقارنة مع الحزب العتيد . و يبقى الأفالان وفيا لتقاليده المتمثلة في وضع مصلحة الحزب فوق أي اعتبار , فالأحزاب وجدت لتكون في الحكم , أما المعارضة فهي مرحلة مؤقتة في حياة الأحزاب , أو هكذا ينبغي ان تكون .و الأفالان قد نجح إلى حد كبير في هذا النهج بالتضحية ب13 أمينا عاما في فترة ما بعد الاستقلال , خلاف للأحزاب المنافسة . و هكذا قد لا تكون تجربة الأفالان في الحكم أو في المعارضة , تجربة مثالية , غير أنها تبقى تجربة واقعية استطاعت مسايرة و تسيير مرحلة ما بعد حرب التحرير و ما بعد 132 سنة من الاستعمار الاستيطاني و مخلفاته الكارثية على كافة الأصعدة , كما استطاعت التعامل مع أحداث و مخلفات العشرية السوداء بما ضمن لها الديمومة و العودة القوية إلى الساحة السياسية , و هو ما يجعلها تجربة جديرة بالاهتمام , ولم لا بالاقتداء لبناء أحزاب قوية تجسد مبدأ التداول على الحكم ؟