منذ قرار قيادة الجيش بدعم مطالب الشعب , ظهرت شعارات وسمعت تصريحات لأطراف سياسية تحاول عزل الجيش عن شعبه لتستفرد بتوجيه الحراك الشعبي ليس نحو جزائر واحدة موحدة , وإنما نحو جزائر تمزقها النزعات الجهوية المقيتة. ولكن من حسن حظ الجزائر, أن الوعي الباطني الذي تميز به الحراك الشعبي وقف بالمرصاد لهذه الأصوات النشاز التي لم تدرك بعد الفرق بين «الجيش الشعبي» و بين «العسكر» مما يجعل دعواتها بابتعاد الجيش عن النشاط السياسي , خارج دائرة المعرفة بحقائق الأمور, ومن هذه الحقائق أنه ليس عبر وشائج السياسة فقط, تتوثق الروابط و تَمْتُن العلاقات , فالجيش الوطني الشعبي لطالما حافظ على صلته بمختلف شرائح المجتمع استمرارا لتلك الصلة الموروثة عن جيش التحرير الوطني, وذلك ليس عبر ديمقراطية الالتحاق بصفوفه المتاح لجميع الجزائريين والجزائريات, إنما عبر استراتيجية تبنتها قياداته من ضمن أهدافها تنمية و تعميق التواصل بين الجيش الوطني الشعبي والمواطن الجزائري توطيد العلاقة بين الشعب و جيشه ترسيخا لمبدأ «الجيش-الأمة», وتحفيز الشباب على تأدية الخدمة الوطنية ,الخدمة التي يتعرفون خلالها تعريفهم حقوقهم وواجباتهم تجاه الوطن, و تمكنهم من معايشة «شعبية جيشهم», داخل الثكنات وخارجها, أم أننا في حاجة إلى التذكير بأهم المشاريع الكبرى التي ساهم شباب الخدمة الوطنية في إنجازها كالسد الأخضر و طريق الوحدة الإفريقية و ألف قرية فلاحية نموذجية , 3433 كلم من الطرق الكبرى و146 كلم من السكك الحديدية , و عدة معالم عمرانية أخرى في الجزائر العاصمة نخص بالذكر منها المتحف المركزي للجيش و المستشفى العسكري بعين النعجة و مسرح الهواء الطلق بقصر الثقافة , فضلا عن دورهم في مكافحة الإرهاب خلال العشرية السوداء دفاعا عن الشعب و الوطن , غيرها من المهام المنوطة بهم ضمن المنهجية الجديدة المسطرة من طرف القيادة العليا في مجال احترافية الجيش الوطني الشعبي؟ وكيف تغيب أن ذاكرة البعض صور أفراد الجيش الوطني الشعبي وهم يقدمون كل أشكال المساعدات لمن تقطعت بهم السبل من المواطنين في المناطق المعزولة, جراء الكوارث الطبيعية أو مخلفات سوء الأحوال الجوية ؟ إذا كان بعض السياسيين ينسون أو يتناسون مثل هذه الصور المعبرة عن تلاحم الشعب بجيشه الوطني الشعبي, فإن الشعب لا ينسى, بل حرص على تذكير الناسين والمتناسين, بهذا التلاحم , من خلال شعارات و هتافات المشاركين في مسيرات الجمعات المتتاليات للحراك الشعبي ,التي تؤشر بدورها على أن الشعب أدرى بمن يضع مصلحة الوطن فوق المصالح السياسية و الحزبية أو الشخصية . إن التوافق والانسجام داخل مؤسسة الجيش, ومواقفها من الحراك الشعبي المدعومة شعبيا, فضلا عن كونها المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تحظى بقبول وثقة الحراك, كل ذلك , سيساهم في مرافقة مسار تجسيد مطالب الشعب والوصول بها إلى بر الأمان و دون مساس باستقرار الجبهة الداخلية .