لم يبق أساتذة المركز الجامعي لعين تموشنت مكتوفي الأيدي أمام الحراك حيث كانوا أول نخبة شاركوا فيه وعبروا بكل حرية عن فساد النظام وفي هذا السياق يصرح الدكتور كروم موفق أستاذ جامعي بقسم العلوم الاجتماعية معهد علم الإجتماع بالمركز الجامعي بلحاج بوشعيب . "إن ما تشهده الساحة السياسية اليوم في الجزائر، إنما هو نتاج لتراكمات كثيرة، وهي النتيجة الطبيعية للانغلاق الذي مارسه النظام منذ حقبة زمنية مستغلا بذلك الأوضاع السياسية الوطنية و الإقليمة للنمو والتكاثر... فعلى الصعيد الوطني كانت العشرية الحمراء التي مرت بها الجزائر سدا مانعا لكل تحرك سياسي للتغيير. خاصة بالنسبة للذين عايشوا تلك الفترة الزمنية العصيبة من تاريخنا. أما على مستوى الإقليمي فالربيع العربي الذي اجتاح المنطقة العربية بداية من سنة 2011، كان فرصة اقتنصها النظام للحيلولة دون ظهور أي مؤشر للمطالبة بالتغيير السياسي والانفتاح نحو تأسيس نظام مدني ديمقراطي. إلا أن دوام الحال من المحال في ظل ظهور شباب واعي لم يعايش تلك الفترة السوداوية من تاريخنا فأغلب الشباب اليوم ولدوا ما بين 1995 – 2010 وهو ما يعني أنهم غير معنيين بالفترة العصيبة التي مرت بها الجزائر... إضافة إلى ذلك أن التعتيم الإعلامي الذي مارسه النظام ساهم بقوة في التخندق ضمن من سماهم الشباب بالعصابة ذلك انه لم تعد هذه الممارسات الاعلامية البائدة تؤتي أكلها في ظل وجود إعلام جواري بفضل تقنيات التكنولوجية التي ساهمت في إرساء نموذج إعلامي مبني على الصورة المباشرة دون مقص وهو ما زاد من الهوة ما بين الشعب والسلطة. في اعتقادي أن هاتين العلامتين هما ما ساهما في هذه تذكية هذا الحراك الشعبي. من جهتنا كأساتذة جامعيين نثمن هذا الحراك الذي رسم لعهد جديد ستعيشه الجزائر بكل طاقتها الشبانية التي تريد عبر رفع صوتها بناء وطن جديد مبني على أسس ديمقراطية بعيدة عن سياسة الاقصاء والتهميش. ونحن إذ ندعم كل ما من شأنه أن يساهم في الارتقاء بهذا الحراك إلى الوصول إلى أهدافه ومنبعنا في ذلك أننا جزء من الشعب ولا يمكن أبدا أن نكون بمعزل عنه. فالجامعة كانت وستبقى الرافد الذي تلتقي فيه جميع الاتجاهات اليمينية منها واليسارية هدفها واحد. ومن هنا جاءت استجابة الأسرة الجامعية لنداء الشعب من اجل تجسيد تلاحمه كما فعلها الطلبة والنخبة في ذات 19 ماي 1956 عندما لبى الطلبة نداء الأمة. *ابرز المؤشرات الايجابية عن هذه الهبة حسب الدكتور كروم موفق : اتسام الحراك الاجتماعي بالتفاف الشباب حوله، يعود ذلك الى أن الشباب هو القوة الأولى في هرم المجتمع الجزائري الذي ترتفع فيه نسبة الشباب. توحيد المطالب رغم كثرتها في مطلب سياسي واحد هو رحيل كل رموز النظام السابق، وهو ما أبرزته الشعارات المرفوعة أثناء التجمعات. الطابع السلمي للحراك الاحتجاجي، أسقط كل حواجز الخوف ليرتفع عدد المحتجين من جمعة إلى أخرى. إن الوقفة التي وقفها الجيش مع شعبه إنما زادت من إيمان الشعب بأن الهدف اقرب مما قدره أكثر المتفائلين، وهي وقفة نابغة من أصالة الجيش الوطني الشعبي بكل أطيافه إن رفض كل مشروع من اجل جعل قيادة موحدة للحراك باءت بالفشل وهو ما يعني أن الشعب فهم أن صنع قيادة إنما هو الخطر بعينه في ظل وجود حركات احتجاجية اخرى لاقت مصير النهاية عندما وضعت لنفسها ممثلين وهو ما فهمه الشباب ورفضوه جملة تفصيلا. وهو ما يجعلنا امام ظاهرة احتجاجية جديدة عبر العالم وفريدة من نوعها يمكن تسويقها عالميا لو نجحت وهو تحدي كبير قد يسهم في صنع خارطة عالمية جديدة في ظل عدم وجود نماذج ناجحة. ان الرهان المطروح اليوم حول الحراك، هو في مدى قدرته على الاستمرار والصمود لتحقيق الهدف المنشود، خاصة وأن النظام يعول على عوامل عديدة، لإخماد قوة الحراك من بينها: - عمل الزمن: ولنا في نموذج السترات الصفراء بفرنسا نموذجا واضحا، حيث تغير الالتفاف الشعبي مع حركة السترات الصفراء إلى حركة منبوذة شعبيا. - التدخل الأجنبي لا يمكنه الوقوف مكتوف الايدي امام هذا التحول، فهو يشعر بالخطر مثلما يشعر به النظام الذي بدت بوادر انهياره وهو ما يعني انه سيقوم بمناورات من اجل استمرارية هذا النظام. * *بوادر حل الأزمة حسب الدكتور كروم موفق : في ظل التعنت الذي يبديه النظام في محاولة منه للانقلاب على الإرادة الشعبية، فهو يحاول بكل الطرق التشبث بمصالحه الضيقة ومحاولة إيجاد مخرج يبقي على مزاياه، وهو ما عبر عنه الشعب بالرفض في كل خرجاته وعبر الشعارات المرفوعة. ولهذا فانه من واجبنا كمثقفين مسايرة هذه الحركة الاحتجاجية والوقوف معها لإخراجها إلى بر الأمان مع تحقيق مطالبها ولا يأتي ذلك إلا عبر مرحلة انتقالية يسيرها نخبة من الشرفاء لم تتلطخ أيديهم بالعفن يكون هدفها:تنظيم ندوة وطنية تضم جميع الفعاليات، تكون مهمتها اقتراح إصلاحات سياسية عميقة بما فيها دستور جديد يُعْرض للاستفتاء. تشكيل حكومة تصريف أعمال تضم كفاءات وطنية تدعمها الندوة الوطني، مهمتها الأساسية تسيير المرحلة الانتقالية. إجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار رئيس توافقي تعطى له كل الصلاحيات للمرور إلى نظام جمهوري ديمقراطي يعيد للجزائر كرامتها ويؤسس لدولة حديثة وقوية."