«إن المناضل ليدرك في كثير من الأحيان أن عمله لا أن يقاتل القوى العدوة فحسب، بل كذلك حبات اليأس المتبلورة في جسم المستعمَر» فرانز فانون المعذبون في الأرض» . «جيجڤة براهيمي» دكتورة في فلسفة الفن واسم شاهق كجبال جرجرة، وضعت بصمتها في الكتابة الروائية بصمت ودون إثارة الكثير من الضجيج، أول رواية لها هي «نزيف الرمانة» المتوجة بجائزة الشهيد»علي معاشي» للمبدعين الشباب سنة 2010 ، ولها مؤلف فلسفي بعنوان «حفريات الإكراه في فلسفة ميشال فوكو» صدر عن منشورات اختلاف سنة 2010. « فرانز فانون» شمعة احترقت في سبيل الجزائر تمكنت الروائية «جيجڤة براهيمي» بخطط سردية وتوثيقية ذكية من سحب القارئ إلى عوالم المجاهد «فرانز فانون «النضالية والتزامه بالوقوف في صف الشعب الجزائري إبان ثورته التحريرية في مؤلف جديد صدر عن دار خيال للنشر و الترجمة ، وكما يصفها الأستاذ «عبد الباقي هزرشي» فهي رواية تتخذ شكل السرد الفني الذي يغوص في حياة فانون وفكره عبر محطات نصية كسوسيولوجيا ، بشرة سوداء، أقنعة بيضاء و «معذبو الأرض « ، إنها سرد لمعاناة الجزائر وأفريقيا ، الموضوع النضالي الأثير لفانون . «فرانز» هذا الشاب القادم من جزر المارتنيك ، والذي أغدقت عليه فرنسا المستعمرة من سخائها ما لم تغدقه على أبنائها المرميين في جبهات القتال بمنحه فرصة دراسة الطب في أرقى جامعتها، ثم توظيفه في مستشفى «جوانفيل» في مدينة البليدة طبيبا للأمراض العقلية ، أين صادف حالات مستعصية من الجنون و الهيستريا عند الجزائريين جراء الحرب النفسية المسلطة عليهم من قبل المستعمر الذي جردهم من أرضهم ، وبلادهم ، وأحدث شرخاً في هويتهم وانتمائهم. وهو ما رسخ بداخل « فانون» رغبةً جامحةً لأن يكون السند واليد التي تمتد لجميع المرضى الجزائريين الذين كانوا يرتادون مشفى «جوانفيل» ، بالإضافة إلى اشتغاله الدؤوب على تحليل إرهاصات الثورة ومخططات المستعمر لإفراغ الشعب من روح الثورة والمقاومة، وأيضاً مساره الثوري بعد انضمامه لصفوف المجاهدين في الخارج والتزامه بالكفاح جنبا إلى جنب مع الجزائريين، لكأنه فرد منهم إلى أن هزمه السرطان اللعين ، و قضى على حياته « لم تنجح مسارح روما في إسكات الآلام «فانون»...شيء ما في ذلك الجسد المسجي بأحلام الثائرين، بدأ يمارس الفناء ، كانت الثورة تتجلى لفانون على امتداد الطريق، في صراخ وتمرد نزلاء «جوانفيل»، ولم تكن تلك التجربة تقل عن تجارب الثوار الذين يعبثون بالمدافع» الصفحة 24 الصمود الأسطوري رغم القهر والاستنزاف على الخط ذاته تظهر «مريامة « وهي الفتاة الأمازيغية التي تعود أصولها إلى قرية « معاتقة « تربطها صداقة بالطفل «روبرت» ، وهو ابن رئيس فرقة المظليين «جاك» ، يقوم الطفل بتزويد «مريامة» ببطاريات لشحن المذياع الذي كان صديقها الحميم ،تسمع من خلاله للمرحومين «عيسي مسعودي» و« كمال داودي» اللذان ينقلان صوت الجزائر الصامدة والثائرة وبطولات الشعب المقاوم، والمذياع كان أيضاَ سبيلها لتعرف على شخصية «فرانز فانون « المجاهد والمنحاز للشعب الجزائري، لكن اكتشاف جاك لما يقوم به ابنه جعله ينتقم شر انتقام من «مريامة» باغتصابها وقطع أذنيها ليلة عرسها. هذا المشهد المروع يخيلُ للقارئ أنه أمام مشهد سينمائي يصور مدى فظاعة المستعمر ودمويته. رواية العرفان بالجميل والانتصار لروح «فرانز فانون» الاستثنائي في الرواية ككل أن صاحبتها «جيجڤة براهيمي» أرادت لها مدخلاً غير تقليدي بإدراج مقدمة صديق « فرانز فانون في الكفاح «جون بول ساتر» لكتابه «المعذبون في الأرض» ، كما عملت في فصول روايتها على إخراج بطلها من عالم النسيان والإقصاء الذي طاله ، بإعادته للحياة وتكريمه كقامة نضالية وثائر روحي تبنى القضية الجزائرية ، وعمل الممكن والمستحيل من أجل إخراج الشعب الجزائري من حالات الجنون والفصام، والعودة إلى خط المقاومة ، بمحاربة مستعمرٍ صادر أرضه وهويته وأنزلهُ إلى الدرك الأسفل من الجنون والحيونة، بالتوازي انتصرت الروائية لقرية «معاتقة» الثائرة والتي قدمت قوافل من الشهداء ،.. «لمريامة» العنقاء الأمازيغية التي عادت من ركام الموت إلى الحياة، كما استحضرت روح «عيسي مسعودي» و«كمال داودي» وطاوس عامروش» .حتى القارة الإفريقية بعثت أمجادها وكرمت مناضليها ومثقفيها ك«كيتا بوديفا»، «ايمي سيزار» ، «الشيخ أنتا ديوب» وآخرون .