ظاهرة الفساد التي نخرت الحياة السياسية والرسمية في الجزائر إبان العشريتين الماضيتين من حكم الرئيس السابق كانت في تلك الفترة بمثابة الداء الذي استشرى في دواليب المناحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فكانت ملفات أزكمت رائحتها الأنوف وكادت أن تعصف بكيان الدولة جراء الأرقام المهولة لتلك القضايا الثقيلة التي تفننت العصابة في حبك خيوطها قضاء لمئاربها الدنيئة على حساب المصالح العليا للشعب والوطن. وكان الحراك المبارك حينئذ بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بضرورة التغيير السياسي الجذري في البلاد ومن ثمة أي صفحة عهد بائد كان الفساد عنوان له بالبند العريض... ومنذ تسلّم رئيس الجمهورية مقاليد الحكم في الجزائر آل على نفسه عهدا جازما بأن يقطع دابر الفساد الذي أتى ( على الحرث والنسل) وكان يؤكد في كل لقاءاته الاعلامية ويشدّد في كل اجتماعات مجلس الوزراء على ضرورة إصفاء مفهوم جديد للحكامة العمومية بأخلقة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى لا تكون لآفة الفساد أي مرتع خصب تنمو فيه حرة طليقة. وعلى هذا الأساس اشتمل المحور الخامس لمسودة تعديل الدستور والمعنون " الشفافية، الوقاية من الفساد ومكافحته" على سبع بنود جديدة تتمثل في دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية، منع الجمع بين الوظائف العمومية والنشاطات الخاصة، حظر خلق أي منصب عمومي لا يستهدف تحقيق المصلحة العامة، تفادي حالات تضارب المصالح، التصريح بالممتلكات بكل إطارات الدولة فدسترة سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته تعد سابقة دستورية في الحياة السياسة للبلاد بما يؤكد مرة أخرى اهتمام الدولة بسبل الوقاية من هذا الوباء الذي لا يقل خطورة عن كوفيد 19، هذا الفساد الذي أرجع عقارب ساعة التنمية إلى مراحلها الأولى بما فوته على الجزائر من فرص سانحة لكسب رهانات الإقلاع الاقتصادي وما ألحقه بها من خسارة أنزفت طاقات البلاد المالية، كان من الأولى في تلك الفترة صرفها في مشاريع إستراتيجية وما أكثرها تخرج الوطن من تأخره وتعجّل في ركوبه مسار التقدم والرقي. إن دسترة التصريح بالممتلكات وعدم استعمال الحصانة لأغراض خارج الإطار الوظيفي البحت وامتثال الموظف العمومي للقوانين والنظم والتزام كل هيئات الدولة بترقية الحكم الراشد والحكامة الجيدة والإبلاغ عن كل التجاوزات والانحرافات في تسيير الأموال العمومية ... إلى جانب التزامات قانونية أخرى ستتمخض عن هذه البنود في قوانين عضوية قطاعية أخرى، كلها أسلحة بيد المجتمع ليقود حربا دون هوادة ضد الفساد لاسيما وأن القضاء بدأ في بحث ومعالجة هذه الملفات طبقا لقوانين الجمهورية حتى لا تعود الجزائر مرة أخرى إلى سنوات النهب والسلب والاحتيال . فإن كان العدل أساس الملك فإن تجنّد كل الشعب الجزائري دولة وحكومة للوقوف سدا منيعا أمام المفسدين أولا من خلال حزمة القوانين الرادعة وثانيا عبر الوعي الاجتماعي العميق بأن هذه المكافحة ليست قضية هيئة رسمية بعينها أو شخص مؤهل تنظيميا لذلك بل قضية كل الجزائريين والجزائريات الذين ضاقوا ذرعا من الفساد وأصبحوا يمقتونه كما يمقت المؤمن الموحد الكفر والبهتان إذن فلا شيء سيكون مثل سابق العهود طالما أن النصوص المسيجة بحصانة الدولة والشعب موجودة بين أيدينا للإثراء في زمن أضحت ظاهرة الفساد مثل الفيروسات لا تعرف الحدود ولا رقعة الأوطان... فالكرة اليوم في كلعب المجتمع المدني والسياسي ليكون هو أيضا المعني الأول والأخير بهذه القضية المصيرية حفاظا على حقوق الأجيال الحاضرة و المستقبلية.