فقدت الجزائر والأسرة الثورية أحد مجاهديها الأشاوس و قائد المجموعة 17 التي فجرت الثورة بجبال تارقة بولاية عين تموشنت وهو المرحوم كويني عبد القادر المدعو سي الناصر الذي أنتقل إلى الرفيق الأعلى الخميس الماضي عن عمر ناهز 94 سنة بمقر سكناه ببلدية سيدي علي بولاية مستغانم بعد صراع مرير مع المرض و يحمل بطل الفوج ال17 منفذ هجوم الفاتح نوفمبر سنة 1954 بالولاية رقم 48 سجلا حافلا في تاريخ الثورة التحريرية رغم أن الكثير من الحقائق المغيبة التي لم تؤرخ عن هذه المجموعة على صفحات التاريخ تطرقت لها جريدة الجمهورية في أعداد سابقة حول تشريح أحداث الهجوم بالاعتماد على شهادات حية للمجاهدين بكامل تفاصيل هذه القصة التي لم يكن لصناعها نصيبا من العرفان والتقدير وخصت المرحوم سي الناصر الذي كان يتمتع بذاكرة قوية بحوار مطول في منزله المتواضع نشر بتاريخ 13 اكتوبر 2014 بمناسبة الاحتفال بستينية الثورة حيث كشف من خلاله عن حقائق تتعلق بمهامه السرية وعن بواسل الفوج ال17 الذين قاموا بعمل بطولي أجهض مخططات العدو. تأثير مجازر 8 ماي 1945 على شخصية كويني وقبل أن يلتحق كويني بصفوف النضال كان الفقيد أحد أفراد الكشافة الاسلامية بعين تموشنت حيث استهل نشاطه النضالي عقب أحداث مجازر ال8 ماي 1945 بانضمامه إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية بعد انشقاق حزب الشعب وكانت الحركة غطاء له واقتصر عمل المرحوم في البداية عندما كان منخرطا في الحزب على توزيع جريدة الامة والبرلمان اللتين كانا يصدرهما الحزب وذلك لتوسيع نطاق العمل السياسي لتتضح الأهداف في سنة 1946 وهي الفترة ارتبطت بشرعية النضال السياسي لحزب «بي بي يا « الذي كسب سمعة كبيرة لاسيما في سنة 1948. ثم انضم لأفواج المنظمة الخاصة وتم توقيفه من قبل المستعمر وحكم عليه في 6 مارس 1951 بالسجن سي الناصر الرجل الأول المبحوث عنه من طرف البوليس الفرنسي وبشهادة رفيق دربه في الكفاح المجاهد عبيد عبد القادر الملقب بالبرقشي في تصريح سابق للجمهورية أن سي الناصر كان الرجل الاول المبحوث عنه من قبل البوليس الفرنسي في أحداث تارقة من عام 1954 كما رافقنا سي البرقشي الى ببلدية سيدي على بمستغانم وكان الحديث الذي جمعنا بالمرحوم ثريا ولمسنا من خلاله أن مجازر الثامن ماي هي التي دفعت بسي الناصر إلى تكثيف العمل السياسي وقال حينها أن إبادة 45 الف شهيد من طرف المستعمر الغاشم هي القطرة التي أفاضت الكأس حيث علم كويني أن فرنسا لن تعترف بالحوار أنذاك وكان لابد من التفكير في أسلوب يخرج البلاد من عقدة الهيمنة الاستعمارية وبحكم نشاطه النضالي في حزب الشعب كلف من طرف قائد الولاية الخامسة الشهيد العربي بن مهيدي بتكوين فرقة من المجاهدين بعين تموشنت باعتباره أحد أبناء المنطقة وفي بادئ الأمر كان الفوج يضم 12 مجاهدا قدموا من منطقة المالح وعاصمة الولاية قبل ان يرتفع الى 17 عضو كلف بمهمة الهجوم إلقاء القبض عليه وتعرضه للضرب في فيفيري 1954 المرحوم سي الناصر كان مولعا بالشهيد العربي بن مهيدي ويشهد سي الناصر ان قائد المنطقة الخامسة الذي دوخ فرنسا ناب عن مرشح الحزب في الانتخابات سنة 1951 في ولاية بلعباس حيث عقد تجمعا هناك وعاد إلى حمام بوحجر دون أن ينكشف أمره في الوقت الذي كلف فيه الثنائي بوبالة محمد وبن عودة واضح بالإشراف على الحملة الانتخابية في حمام بوحجر وعرفت هذه المنطقة اشتباكات بين الأمن الفرنسي، حيث تعرض مفتش شرطة للضرب وتم اعتقال مناضلي الحزب وكان كويني من بين الذين قبض عليهم حيث تعرض للضرب في مركز الأمن وسرح في 2 فيفري 1954 تزامنا مع حدوث الأزمة في الحزب تكوين الافواج تحضيرا للثورة وبعد أن تكونت الولايات الخمس وتم تعيين القادة المعروفين تم تأسست الجبهات العسكرية وفي هذه الفترة أشرف الشهيد حمو بوتليليس على تربص أول دفعة للمجاهدين في سنة 1949 ليتلقى سي الناصر رفقة زملائه تعليمات بإنشاء افواج خلال مرحلة التحضير و الاستعداد للثورة وكان المجاهد بن عودة واضح مسؤولا على ناحية عين تموشنت و كان على اتصال بالقادة العربي بن مهيدي ورابح بيطاط ومن ثم اسندت للمرحوم كويني مهام توعية مجموعة من المجاهدين للإنضمام إلى الخلايا ووحدات الكفاح وكان عددهم 32 فردا واستجاب 150 مناضلا وضعوا في قائمة الجاهزين عند الضرورة كان مختصا في ضبط معايير صنع المتفجرات ثم أختير المرحوم للمشاركة في تربص تكويني حول كيفية صنع المتفجرات والقنابل داخل مزرعة بقرية «الخرايصية» بمنطقة البليدة، حيث التقى بالعقيد اوعمران وزملاء الكفاح الذين كانوا يتدربون على تركيب القنابل في صورة بلوزداد، مرزوقي، لعجايم قدور وهو صاحب المكان وكان إلى جانبه العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، ديدوش مراد. وسويداني بوجمعة ومباشرة بعد ذلك وظف خبرته في تشكيل مختصين في هذا المجال ضمن أفراد الفوج 17 واتخذت من قرية المساعدة الواقعة بين منطقة المالح وحاسي الغلة مكانا لصنع هذه القنابل وساهم الشهيد احمد زبانة الذي كان متخصصا في التلحيم في تركيب المتفجرات رفقة زوقاوي بينما كان كويني مختصا في ضبط معايير المواد الكيميائية التي تدخل في تركيبها وقاموا بصنع 57 عبوة ناسفة حولت منها 53 وحدة إلى وهران وأربعة تم الاحتفاظ بها للقيام بعمليات كانت مبرمجة عشية الفاتح نوفمبر بعين تموشنت خطة قائد الفوج ال17 اجهضت بتارقة بسبب الخيانة وكشف الفقيد في حوار سابق للجمهورية أنّ الفوج 17 راح ضحية سوء التنسيق رغم الترتيبات التي ضبطت على أساس النجاح في بلوغ الاهداف والاستجابة لبيان أول نوفمبر وراح أيضا ضحية الخونة الذين أفسدوا العملية بداية من عدم تشغيل المتفجرات بطريق السكة الحديدية حيث اختفى المفجر فجأة وانتهى بالتبليغ عن سي الناصر قبل هروبه مع بقية المجاهدين باتجاه جبل سيدي قاسم الهروب من العدو والاختباء في جبل سيدي قاسم ورغم بقائه في الجبل رفقة زملائه في إنتظار عملية التموين بالذخيرة لم تتم ايضا واضطر للبقاء أربعة أيام مختبئين يترقبون أوامر من القيادة إلى أن كشفتهم صاحبة محل حسبما ذكره المرحوم بعدما شاهدا المجاهدان أسعد صالح و بن دلة عندما حاولا جلب الماء من البئر قدوم الدرك باتجاه ولم يكن أمامهم سوى الهروب والانتشار في الغابة قبل ان يسقط القائد برحو قادة شهيدا على تبادل إطلاق النار حيث كان الفوج بحوزته بندقية واحدة ومسدس لا يعمل. البرقشي الرفيق الوحيد الذي وقف إلى جانبه وتم القبض على 4 من زملائه لحظة الهروب بينما بقي سي الناصر رفقة المجاهد عبيد عبد القادر يركضان في وسط الغابة وفي تلك الليلة توجه الى حي مولاي مصطفى تم إلى منطقة الحساسنة اختبأت في «الكانة» وهو مكان سري مخصص للاختباء ويعرفه الكثير من المجاهدين وكان يزوره بين الفينة والأخرى رفيقه البرقشي الذي هرب معي لكن المجاهد كويني أصيب بمرض افقده الحركة وفي ليلة ممطرة بتاريخ 2 ديسمبر القي عليه القبض بوشاية من أحد سكان القرية ويتذكر احد جنود الاحتلال أجبروه على الجثو على ركبتيه وصوّب مسدسه نحو رأسه وفي هذه اللحظات قال انه نطق بالشهادتين لكن قائد الفرقة أمر الجندي بسحب سلاحه تم كبلونه ونقلوه إلى الحافلة التي كان على متنها بعض الخونة الذين كانوا يدوسون بأحذيتهم على جسده اثناء اقتياده لمركز الدرك. 8 سنوات وراء القضبان تحت التعذيب وبعد ذلك تمت محاكمته بالمحكمة العسكرية بوهران في ال 15 ديسمبر من نفس السنة ، حيث عوقب ب 20 سنة سجنا نافذة وحولت بين سجن وهران ، سركاجي و البرواقية وقضى مدة 8 سنوات وراء القضبان تحت التعذيب الى غاية الافراج عنه في 07 ماي 1962. ت ر