إذا كان الموقف الجزائري الرسمي من اتفاقات التطبيع بين بعض دول الخليج و الكيان الصهيوني قد تأخر إلى أن جهر به علانية رئيس الجمهورية ردا على سؤال صحفي, فإن المواقف الرسمية الجزائرية طالما التزمت بمبدإ التحفظ ,عندما يتعلق الأمر بهذه الدول, حفاظا على ما تبقى من روابط بين الدول العربية . و ذلك خلافا للموقفين السياسي والشعبي اللذين شجبا كل على طريقته الخطوة الإماراتية و ما تلاها من هرولة دول أخرى حيث كانت ردود الفعل الجزائرية, من هكذا خطوات في الموعد ,لتعلن بقاء الشعب الجزائري بجميع أطيافه وفيا للقضية الفلسطينية و نضال شعبها من أجل تقرير المصير و حقه في دولة مستقلة كاملة السيادة . و هذه الخيانة للقضية المركزية للأمتين العربية و الإسلامية , كانت منتظرة , في ظل تنافس دول عربية و أخرى إسلامية لفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية , لتسرع الخطو في طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني و التنسيق معه لاستبدال العداء له و لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني بالعداء لدولة تشاركها الانتماء إلى الإسلام و إلى الحضارة الشرقية و هي إيران و أضيفت لها تركيا مؤخرا. و هي الظروف المواتية التي استغلها حكام الكيان الصهيوني لتمرير مشاريعهم الرامية إلى القضاء نهائياً على القضية الفلسطينية بالترويج لحل «إقليمي» للصراع , يتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية،مستغلين غياب إجماع عربي على أن إسرائيل، وسياسات حكامها العدوانية والاستيطانية، هي التي تمثّل التهديد الأكبر للأمن القومي العربي , و إنما الذي يمثل مثل هذا التهديد في نظر الكثير من الأنظمة العربية هو النظام الإيراني و معه التركي لتزايد نفوذهما في المنطقة. و أصبح لبعض الأنظمة العربية، و لاسيما في منطقة الخليج، استعداد خفي بادئ الأمر و معلن ، للتحالف و تطبيع العلاقات مع الصهاينة لمواجهة هذا النفوذ الإيراني -التركي. و تتحمّل الولاياتالمتحدة الأميركية مسؤولية كبرى ,عن انسداد أفق السلام في الشرق الأوسط من خلال ؛أولا تسويق مشروعها للشرق الأوسط الجديد الذي لا يكتفي بدمج الكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية و إنما جعله القوة المهيمنة فيها بعد إضعاف بقية القوى الناشئة كإيران و تركيا ؛ و ثانيا من خلال الحرص على دعم و دفع الأمراء في دول الخليج الخاضعين لنفوذها إلى سدة الحكم وقد انتقلت صراحة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، من دور الوسيط ل«حل الأزمة» الفلسطينية إلى دور المصفي لأهم مكوناتها و هما قضية القدس و قضية اللاجئين تمهيدا لما سمي بصفقة القرن بمشاركة و دعم أنظمة عربية. و الغريب أن هناك جزء من الرأي العام العربي, مازال يثق في جامعة الدول العربية, وفي مبادرات أعضائها لاسترجاع الأراضي العربية و المقدسات الإسلامية المغتصبة , مقابل السلام الذي حوله «المطبعون» إلى استسلام مخز و فاضح و فات هؤلاء أن مشروع الشرق الأوسط الجديد , هو مشروع لا مكان فيه للعرب و لا لجامعتهم , ذلك أن كفة العامل الديمغرافي تميل لفئة المقيمين من كافة أصقاع العالم في منطقة الخليج الذي لن يصبح «عربيا» بفعل الهجرة المتزايدة نحو بلدانه بتشجيع دعاة الشرق الأوسط الكبير, التي تذوب فيه العروبة فوق اراضيها ! . و لن تمر فترة طويلة قبل أن يضغط الغرب بمطلب دمقرطة أنظمة الحكم يوم يصبح العرب أقليات في بلدانهم , و بالتالي تحييد العامل الديمغرافي في الصراع العربي الصهيوني , و هو العامل الذي ظل الصهاينة يرفضون بسببه حل دولة واحدة لشعبين , خشية أن تصبح دولة فلسطينية ذات أقلية يهودية. إصلاح جذري أو جامعة بديلة و لذا , فالأمل يبقى معقودا على جامعة بديلة للشعوب العربية , جامعة للمقاومين العرب للتصدي للمخططات الغربية لجعل العالم العربي و ثرواته في خدمة مصالح الدول العظمى . و هو أمر أصبح واجبا قوميا ,بعد فشل دعاة الإصلاح في إعادة الروح إلى جثة الجامعة العربية الرسمية , إذ من يصلح الملح إذا الملح فسد ؛ سوى استبدال الملح الفاسد بملح جديد؟ , و الأولى أن تستغل جهود الإصلاحيين في إقامة صرح عربي بديل يعيد الروح إلى القومية العربية . و كنا قد استبشرنا بعودة هذه الروح, منذ أكثر من أربع سنوات, لبروز مبادرة كان من شأنها إحالة جامعة الدول العربية على التقاعد المسبق , لو أحسن استغلاله .و هي الإعلان في بيروت في أوت 2016 عن الشروع في إقامة « جامعة الأمة العربية المقاومة « (كان من الأولى استعمال كلمة أخرى بدل كلمة جامعة التي أصبحت مبتذلة في الذاكرة الشعبية العربية و لا تحيل سوى على صور الهزائم و التخاذل ). و رغم ما لهذا الحدث من أهمية إلى أنه مر مرور الكرام , و تجاهلته منظومة الإعلام الرسمي العربي , كما هي عادتها في تجاهل كل ما له صلة بتطلعات الشعوب العربية . و هو موقف منتظر ما دام البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي للجامعة البديلة قد أعلن في بنده الأول أن «جامعة الأمة العربية المقاومة» تشكل إطارا جامعا لأبناء الأمة, و حشدا لطاقاتهم , و تأكيدا لحق الشعب في امتلاك قراره ,عندما يكون الحاكم بنظامه, مبتعداًعن النبض الشعبي ,أو مهملا لحقوق شعبه». و هو ما يمثل إعلانا عن طلاق بائن منذ التأسيس بين الجامعة «المشروع» و «الجامعة المحتضرة المتهمة «بأنها لا تمثل العرب بذواتهم و لا بجامعة دولهم بعد أن طردت سوريا و ساهمت في تدمير ليبيا و العدوان على اليمن و الانخراط في الحرب الكونية على سوريا و تجريم المقاومة ...» حسبما نص عليه البند الثاني من البيان الختامي؛ الذي أهمل الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني التي كانت تتم في الكواليس آنذاك. فهل ستنجح «الجامعة البديلة» في تجاوز مرحلة المخاض التي طالت ,لتنجب جامعة تستمد قوتها و شرعيتها من الشعوب العربية لسحب البساط من «الجامعة المحتضرة» , و انتزاع حق تمثيل الأمة العربية لدى هيئات المجتمع الدولي ؟ الأمر يتوقف على مدى تجاوب الشعوب العربية ,أفرادا و جماعات ,مع الجامعة المنتظرة , ودعمها ماديا و معنويا لضمان استقلاليتها.