يعتبر الشيخ المهدي بن شهرة من الشخصيات المحلية التي لم تحظ بالإهتمام اللائق نظير ما قدمته من أجل تحرير الوطن وخدمة الشعب الجزائري في مختلف المراحل التي مر بها. فلولا بعض الشهادات التي جمعت من طرف بعض المهتمين مثل الباحث بليل حسني أو بعض المقالات التي صدرت في بعض الصحف المحلية كجريدة الجمهورية أو ما تفضل به نجل السيد المحترم صلاح الدين من معلومات وشهادات لكان الرجل نسيا منسيا. استقر المهدي بن شهرة بمدينة وهران في حدود سن 15 سنة قادما من مسقط رأسه أولاد صابر بولاية غيليزان حيث حل بوهران سنة 1930 وهو في رحلة البحث عن حياة أفضل من تلك التي قضاها في بلدته وهو يعاني من حرمان اليتم والعوز، ولكنه في نفس الوقت كان يحمل في ذاته وصدره عناصر القوة التي سمحت له بالتموقع في موضع جاء إليه وكأنه في رحلة التيه. لم يأت الفتى خاوي الوفاض إلى هذه المدينة الكبيرة التي كانت تحت وطأة الإستعمار وقوة التمركز الأوربي، لقد جاء إلى وهران وهو يحمل قدرا كبيرا من كتاب الله الذي كان سببا في نجدته من مأزق لا يحسد عليه بعد أن تخلى عنه من دعوه، ليجد نفسه معزولا في ركن من أركان حي المدينة الجديدة الذي سمي في ذلك الوقت قرية السود (Village nègre). حظي المهدي الصغير الضعيف البنية بعناية إلهية من حيث لم يحتسب فبعد أن لزم ركنا في هذا الحي العتيق شارد الذهن يائسا وقع بصره على أحد أبناء بلدته الذي كان طالب قرآن عند أحد المعلمين في ذات الحي، وهو المعلم الذي فتح له صدره وقلبه وتبناه لما أعجب بنباهته وذكائه وملكته في حفظ الكتاب. من هنا شق الشاب المهدي طريقه نحو النجاح متراوحا بين المدينة الجديدة والحمري بعد أن التقى بأستاذه وولي نعمته الشيخ محمد زابوري المنصوري المدعو قسنطيني، هذا الأخير الذي أثر كثيرا في تلميذه بسبب مستواه العلمي العالي والوسائل المستعملة في التدريس كالسبورة التي كانت معلقة في أحد أركان محل التعليم الذي سخره أحد أبناء حي الحمري للشيخ وتلامذته. كان المهدي محظوظا بسبب عزم الشيخ زابوري على إرفاقه في رحلة إلى مدينة مغنية بدعوة من القائمين على زاوية عيساوة بحيث دعي الشيخ إلى تقديم الدروس لمريدي الطريقة في علوم الفقه والحديث واللغة. دامت هذه الإقامة أربع سنوات بحيث أثرت رصيده المعرفي والعلمي، وأقحمته في ميدان الوعظ والتدريس بأمر وتشجيع من شيخه زابوري الذي كان يفضل التواري حتى يكون تلميذه المهدي في راحة نفسية في تقديم دروسه. مع نهاية الحرب العالمية الثانية عاد الرجلان إلى وهران ليختار الشيخ زابوري الاستقرار في حي كارطو بفتح مدرسة الحياة التابعة لحزب الشعب الجزائري حيث درس الإخوة الشهداء الثلاث: هوارية وسعدية وقادة بن سليمان، في حين فضل الشيخ المهدي بن شهرة العودة إلى حي الحمري الذي أحبه وتعلق به حيث شغل منصب معلم في مدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين. كانت مدرسة التربية والتعليم بالحمري وطنية في اتجاهها من خلال برامجها التعليمية المتقدمة في مضمونها المعرفي والعلمي، ومن حيث ما كان يلقنه معلموها ومعلماتها للمتعلمين من مبادئ وطنية وأناشيد حماسية وأفكار تحررية تذكر بتاريخ الجزائر ومقاومة الاستعمار. احتك الشيخ بن شهرة بعدد من المعلمين والمعلمات الذين قدموا من مختلف جهات الوطن مثل عبد الحفيظ بدري من تبسة، والحسين قولية وأحمد منداس من وادي سوف، ومحمد لغواطي من الأغواط، وعمار مطاطلة من القل، وأحمد بوروح من جيجل، وأحمد معطى الله من الغزوات، والسنوسي دلاي من معسكر، وخديجة خثير من وهران، بالإضافة إلى الشريف حماني من القبائل الصغرى صاحب رائعة «يا دبايلي ينا وعلى زبانا» في رثاء أول شهيد بالمقصلة. وبالحديث عن الشهداء فإن الشيخ المهدي بن شهرة درَّس عددا منهم بذات المدرسة مثل شريط علي الشريف الذي كان يحضر دروسه المسائية ويستلهم الروح الوطنية التي كان الشيخ أحد روافدها، وكدليل على التزام الشهيد بالمدرسة وارتباطه بها هو رفعه لأذان بعض الصلوات فيها. تعلق الشيخ بن شهرة كثيرا بحي الحمري وأهله بحيث لم يكن مسرورا بقرار نقله من مدرسة التربية والتعليم في إطار الحركة الدورية التي كانت تقوم بها جمعية العلماء، فالتمس من الشيخ البشير الإبراهيمي السماح له بالبقاء في منصبه- مدعما بعريضة موقعة من سكان الحي-، وهو ما وافق عليه رئيس جمعية العلماء. وبعد غلق مدرسة الحمري سنة 1956 انتقل الشيخ بن شهرة وبأمر من الشيخ سعيد الزموشي إلى المرسى الكبير حيث مدرسة التربية والتوحيد التي دشنها الشيخ عبد الحميد القباطي فيما مضى، وكانت هذه المحطة فرصة أخرى للشيخ للتعبير عن ارتباطه الوثيق بالجهاد تحت لواء جبهة التحرير التي لم ينقطععن العمل لصالحها خاصة فيما تعلق بجمع المال والتبرعات. ولكن نظرا للضغوط التي تعرض لها من رجال الاستعمار وخاصة قائد الأميرالية بالمرسى الذي لم ينقطع عن استفزازه وإهانته اضطر الشيخ بن شهرة إلى الالتحاق بالثورة في جبال الونشريس، وتحديدا بمسقط رأسه أولاد صابر، وهو الأمر الذي لم يكن يسيرا بسبب الصرامة والرقابة التي تميز بها أعضاء جيش التحرير تجاه أي وافد أو غريب. وهنا أشار الشيخ بن شهرة في شهادته المسجلة إلى أنه استطاع أن يجتاز هذه العقبة بفضل لقائه بمحمد بن تروب وهو أحد تلامذته الشهداء الذي كان يلقب ب«حاجة خفيفة»، حيث قام هذا الأخير بمرافقته إلى مركز القيادة حيث كلف من طرف العقيد عثمان بالمحافظة السياسية رفقة الضابط محمد بلعباس. وروى الشيخ بن شهرة أنه صادف في الجبال عددا لا يستهان به من المجاهدين والشهداء الذي درسوا عنده في مدرسة التربية والتعليم بحي الحمري حيث كانوا يوجهون له التحية والاحترام، ومنهم الشهيد بن سنوسي حميدة (الذي يحمل إسمه الشارع الذي تتواجد فيه جريدة الجمهورية)، وهذا ما أكده له العقيد عثمان الذي عرض عليه تهريبه إلى المغرب، وهو ما رفضه الشيخ مفضلا مواصلة العمل مع جيش التحرير إلى غاية أسره في اشتباك مع الجيش الفرنسي في منطقة شراطة (الرمكة) في أواخر سنة 1960. بقي المهدي بن شهرة في الأسر إلى غاية نهاية 1961 حيث التحق بمدينة وهران أين التقى بالقائد البشير بويجرة المدعو سي عبد الباقي الذي تكفل به وبعائلته من خلال تدبير إقامة له بحي بيتي (البدر حاليا)- حسب شهادة نجله صلاح الدين بن شهرة. بعد الاستقلال واصل الشيخ المهدي بن شهرة رسالته كمعلم في عدد من المدارس مثل مدرسة ابن زرجب بحي كاسطور، أو كإمام وواعظ في مساجد وهران مثل مسجد سعد بن أبي وقاص في وسط المدينة الذي كان من قبل كنيسة البروتستانت، حيث سهر الشيخ على فتحها وتنظيفها وتجهيزها وتنشيطها وزرع مكارم الأخلاق في الشباب الذين كانوا يحتلون مكانة خاصة في قلبه. وبقي الشيخ على هذه الوتيرة والنشاط إلى غاية وفاته في 21 مارس 2001.